قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
دراسة علمية جديدة..
الإنفاق يحقق السعادة
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة إعداد / زكي الناصر
طالما حثّ الاسلام في القرآن الكريم والسنة المطهرة للرسول الأكرم وأهل بيته (صلوات الله عليهم) على خصلة الانفاق والعطاء والادمان عليها، ابتداءً من الصدقة البسيطة والاقراض وحتى التبرع والإسهام المالي في مشاريع وأعمال خيرية في مجالات مختلفة، وكان التأكيد على المردود الايجابي السريع مثل البركة وسعة الرزق والراحة النفسية، يأتي دائماً على لسان المعصومين في وصاياهم وحثّهم على تنمية وإشاعة هذه الخصلة الاخلاقية الحميدة.
وفي دراسة علمية جديدة توصل بعض علماء النفس إلى أن أعمال البرّ يمكن أن تكون أقصر الطرق للوصول إلى السعادة. ففي محاولة لتفسير حالة الكآبة والنكد التي تعيشها بعض المجتمعات رغم حالة الغنى والرفاهية التي تعيشها، اكتشف العلماء أن أعظم المتع على الإطلاق يمكن أن تتحقق بالتبرع بالمال، إما لشخص تعرفه أو للمؤسسات الخيرية.
وجاء في دراسة نشرتها صحيفة (إنديبندنت)، إن البحث عن السعادة حق إنساني أصيل وغالباً ما يرتبط بالثروة، لكن الدراسات بينت أن أغنى الدول ليست بالضرورة أسعد الشعوب، ويقول أحد العلماء إنه بالرغم من زيادة الدخول الثابتة في العقود الأخيرة، فإن مستويات السعادة ظلت إلى حد كبير في أدنى درجاتها في الدول المتقدمة عبر الزمن.
إن أحد أكثر التفسيرات إثارة لهذا الاكتشاف هو أن الناس غالباً ما يبذرون ثرواتهم المتزايدة على ملاهي لا تعود عليهم إلا بالنذر اليسير من المتعة المؤقتة قياساً بالسعادة الدائمة التي ينشدونها، كشراء السلع الاستهلاكية الغالية، وأشباع الغريزة الجنسية، والاعتناء بالمباني ودور السكن.
وتوصل العلماء إلى أن الذين ينفقون أموالهم على الآخرين كانوا أسعد، بينما أولئك الذين أنفقوا أموالهم على ملذاتهم الشخصية لم يشعروا بسعادة تُذكر.
ويقترح العلماء – كما جاء في الدراسة- أن بمقدور الحكومات أن تزيد سعادة مواطنيها بسياسات توضع لتعزيز الإنفاق الاجتماعي بتشجيع الناس على استثمار دخولهم في الآخرين بدلا من أنفسهم!
*أين نحن من الإسلام ؟
بالرغم من البحوث والدراسات التي يجريها الغربيون على ققضية السعادة واسباب ابتعادها عن الانسان، فانهم لن يكتشفوا السر الحقيقي وراء أخفاق هذا الانسان عن تحقيق السعادة المنشودة، والسبب واضح، هو ان القضية معنوية وليست مادية ملموسة حتى تخضع لتجارب علمية او حسابات تجارية، بينما الدين الاسلامي يقدم لنا منظومة أخلاقية واجتماعية متكاملة يعطي للانفاق مكانة مرموقة وهامة، ويجعله أساس التكافل الاجتماعي، ومن أهم الوسائل لمحاربة الفقر، هذا الداء الوبيل الذي طالما عانت منه الانسانية على مرّ الزمن.
لقد جاء ذكر الانفاق بصيغ مختلفة في القرآن الكريم في ثمانية وعشرين آية كريمة، ومن أروع ما جاء في قوله تبارك وتعالى: "مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" (البقرة/ 245)، وهذا وعد إلهي بمضاعفة الأجر لمن ينفق ماله في سبيل الله ويمد يد العون لأخوانه المؤمنين.
هذا من القرآن الكريم، ومن أروع من قرأت عن الإنفاق ما جاء في كتيب صغير لسماحة المرجع الراحل الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي تحت عنوان (انفقوا لكي تتقدموا)، وهو من غيض مؤلفاته قبل ان يهاجر العراق، وقد أعطى في أسطر معدودة أبعاداً حضارية وانسانية واسعة لمسألة الانفاق، وجاء: إن الامر ليس بمقدار من الخمس رغبةً أو رهبة! ولا بمقدار من التبرع بمنّة أو كراهية، ولا في إطعام الناس في المناسبات لأجل الثواب وكسب الشهرة، ولا في مساعدة فقير، أو إرسال مريض الى المستشفى او المشاركة في تزويج العزّاب... إن الأمر أكبر من ذلك وأكبر...! إنه مصير أمة وثروة بلاد، و وقاية للأثرياء أنفسهم من غضبة الناس، إذا تأخر الاسلام نُهبت الثروات.
فاذا كان الغربيون يكتشفون علمياً الفوائد الشخصية والملموسة للإنفاق وبذل المال للمحتاجين والمعوزين، فان الاسلام يقدم الفوائد المجتمعية والعامة لهذه الخصلة والسمة الاخلاقية العظيمة، وفي نفس الوقت ينبه ويحذر من البخل والإمساك، مع إنه ليس من المحرمات، لكن بحساب النتائج يكون حقاً من الرذائل والصفات المذمومة ذات المآل السيئ.
إن فلسفة المال والتملّك في الاسلام يمكن اختصارها في جملة مفيدة: بان المال بالحقيقة وديعة الى أجل محدد، ثم يأتي يوم تُؤخذ هذه الوديعة، فمن الافضل للانسان ان يتزود من هذه الوديعة ليس بالحلال وحسب، وإنما لترك الأثر الطيب في الدنيا وعلى ألسن الناس، فضلاً عن ثواب الآخرة، ألا نلاحظ الاسماء اللامعة والبارزة التي تتناقلها الاجيال وتذكرها بالخير والاعتزاز دائماً، وهي لعلماء وأدباء وأبطال مضحون وأمثالهم، ويتمنى الواحد منّا لو يكون له مثل هذا الذكر الطيب والحسن بعد موته، لا أن يكون الحال عكس ذلك، وفي الحقيقة نجد من اكتنز الذهب والفضة ولم ينفقها في ، من استأثر بالمال واستعلى به على الناس، يشكلون النسبة العالية فيمن لحقت بهم اللعنات بعد موتهم. ونرجو أن يكون للعبر من يعتبر.