معرفة الله .. سبيل النجاح في الحياة
|
*خضير عبد الرسول
معرفة الله تباركت أسماءه تتجلى في حياة الانسان في جميع الأبعاد والحقول، وعلى هذا الأساس كان الايمان بالله سبحانه رأس كل خير، كما كان الشرك به جذر كل خطيئة، فكلما تركزت واستقرت معرفة الله في قلب الإنسان، كلما تنامى في معالي الخير ودرجات الهدى. ذلك أن هذا المخلوق إذا عرف الله عرف نفسه، ومن دون معرفة الله يستحيل إدراك حقيقة نفسه.
بوابة معرفة النفس
النفس تنقسم – بشكل عام- الى قسمين رئيسين؛ رحماني، وآخر شيطاني. وقد ذُكر إن لكل قلب أذنين؛ أذن يلقي فيها الملائكة المثل العليا، وأذن يوسوس فيها شيطان. ولولا أن الإنسان يعرف ربه لما تمكن أن يميز الخير عن الشر، والصلاح عن الفساد، ومفاهيم العلم عن مفاهيم الجهل؛ ولاختلطت كل هذه مع بعضها. ومن ينسى الله عز وجل ينسيه الله نفسه فلا يذكرها، فتراه يلهو فتغيب عن ذهنه حقيقة نفسه. في حين تجد أن معرفة الله، هي البوابة لمعرفة النفس والحياة ؛ لأن هذه الحياة عبارة عن حصيلة سنن الله في خلقه ، ومن لا يعرف الله لا يمكنه معرفة سننه، ومن ثم فهو لن يعرف الدنيا والآخرة.
وحينما يعرف المؤمن ربه سيعي حقيقة الحياة غير الثابتة وتحولاتها، وأن الله هو الحق المبين الملك القهار القيوم الذي لا ولن يتغير أويتبدل. أما الإنسان وباقي المخلوقات فهم زائلون ، وكل الى الله راجعون. هذه الحقيقة لا يعيها ولايفهمها أو يتعمق تفاصيلها إلا من عرف ربه، أما جاهلو هذه الحقيقة فتراهم يزعمون بأن بضعة الدراهم أو المناصب التي حصلوا عليها من هنا وهناك ستبقى لهم أو سيبقون لها، ويغفلون عن أن المكاسب إما أن تذهب منهم أو هم يذهبون عنها وأنها ستبقى في الخزائن أو يتقاسمها الورثة.
سبيل معرفة الأخلاق
ومعرفة الله سبحانه وتعالى تعد السبيل الأمثل في إطار معرفة الأخلاق والآداب، إذ أن عناوين كل المثل العليا والأخلاق الفاضلة إنما هي أسماء الله سبحانه، وها هو دعاء الجوشن الكبير الذي يحتوي ألف اسم من أسماء الله يجسد اليافطة العظمى للصفات الأخلاقية والآداب العالية التي تختزلها تلكم الأسماء؛ لذا فالدعاء يوجه قارئه الى الالتزام بالأدب الرفيع ، لذلك جاء في الحديث الشريف: (تخلقوا بأخلاق الله).
والإنسان – على سبيل المثال – إذا عرف أن ربه قوي وعزيز وكريم ، فمعرفته هذه ستدفعه بشكل من الأشكال الى تنمية إرادته وعزيمته ، فيفيض من هذه الإرادة والعزيمة على بني جنسه . في حين أن من يجهل هذه الحقيقة سينتهي به المطاف لإن يكون ريشة تتقاذفها الرياح العاتية، أو يصبح كمن يلقى من شاهق فتخطفه الطير أو تلقي به الريح في واد سحيق.
والتاريخ البشري بشكل عام، والإسلامي منه خاصة خير ما يمكن أن نتخذه دليلاً مبينا على ما نذهب إليه. فمن التاريخ القديم نأخذ (آسيا) زوجة فرعون مثالاً سامياً، التي كانت تكفر بألوهية فرعون رغم طرق التعذيب الرهيبة التي مارسها زوجها ضدها، بل إن الأمر كان يسير على العكس مما يبتغبه فرعون ، فكلما كان يضاعف عليها العذاب كلما ازدادت معرفة بالله سبحانه وتعالى وإيمانا به . إنها في الحقيقة لم تكن ترى فرعون ولا ترى عذابه بل كانت ترى عظمة ربها. فهي لم تكن تعرف إلا الله سبحانه وتعالى، ولم تكن ترى إلا موضعها في الجنة.
أسماء الله سبيل معرفته
"تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{1} الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" (سورة الملك /1-2).
إن معرفة أسماء الله الحسنى تفتح أبواب لا تُحصى على العلم باتجاه اليقين، ومن عرف الله بأسمائه الحسنى فقد عرف سنن الله في الكون والخليقة على حد سواء، ومن اطلع على السنن فقد أحاط بما يدور من حوله. عرف كيف نجا من نجا؛ ولم هلك من هلك.
وحينما يسمي الانسان ربه، فأفضل صيغة تتبادر الى ذهنه هي صيغة (الله تبارك وتعالى). فكلمة (الله) تدل على صفات الله، بالذات الصفات التي تنتهي الى الصفات الثبوتيه أو الاثباتية. أما كلمة (تعالى) فهي تدل صفات الجلال عند الله ، وهي تعني تنزيه الرب عن الصفات غير اللائقة به باعتباره العلة في الوجود . وأما كلمة (تبارك) فهي تدل على صفات الفعل والمشيئة الإلهية.
فالانسان وحسب مستوى إدراكه وإطاره العلمي والعقلي يصف خالقه بصفات ثبوتية كصفة العدل والعلم والجبروت وغيرها مما تتأطر في هذا الاطار من الصفات، ثم تراه يصف بارئه بصفات أخرى من شأنها أن تنفي عنه الضعف والعجز والرداءة فهو تعالى علوا كبيرا عما لا يناسبه وهو المطلق. فهو أجل وأعظم من أن يكون على شيء وفي شيء وفوق شيء.
أما إذا اراد الانسان تصديق ما نسب الله الى نفسه من صفات فعل، فهو يقول الرزاق والوهاب والفعال لما يريد خالق كل شيء وغيرها من صفات الفعل التي تجتمع وتتجسد في كلمة (تبارك) بمعنى أنه رب البركة والرحمة والعطاء والمن والكرم.
وبمزيد من الأسف أقول :إننا لم نول هذه الصفات الاهتمام المفترض والكافي ، ولم نسلط الأضواء على شرح وتفصيل هذه الأسماء والصفات ، علما إن هذه الأسماء ترتبط ارتباطا وثيقا بسلوك الانسان اليومي، بل إن بعض الصفات الإلهيه من قبيل صفات أو أسماء الثبوت تتصل بعقيدة الانسان ونظرته المثالية الى الله سبحانه وتعالى كخالق أزلي، فيما هناك صفات إلهية أخرى من المفترض أن يتمحور حولها سلوك الانسان.
وفي هذا الاطار جاءنا عن المعصوم الحديث القائل بأن (تخلقوا بأخلاق الله). ولاريب إن المقصود الأول من هذا الحديث هو السعي والبحث عما يناسب ما يفترض أن يكون عليه سلوكنا.
ومن غير المنطقي أن تنازع الله سبحانه في ردائه وهو الكبرياء ، ولكننا نستطيع أن نجسد الكرم والرأفه والرحمة في سلوكياتنا تجاه اخواننا من بني البشر حسب قابلياتنا وامكاناتنا التي هي أيضا من كرم الله علينا ولطفه بنا.
ورغم أن القرآن والأدعية المتواترة على لسان النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) لا سيما دعاء الجوشن الكبير قد كثر فيهما ذكر صفات الفعل الإلهية إلا أن علم الكلام والفلسفة قد تناساها، الأمر الذي يثير أكثر من تساؤل وإثارة. ولعل الجواب عن ذلك يكمن في أن الفلسفة المتداولة تعتمد اعتمادا يكاد كليا على الفلسفة اليونانية التي هي الأخرى تأثرت الى أبعد الحدود بالعقائد اليهودية القائلة بأن الله سبحانه قد خلق الخلق وتركه لشأنه حتى وصل بهم الأمر الى القول: بأن (يد الله مغلولة) والقرآن الكريم أجاب عن ذلك بالقول: أن "غلت أيديهم".
وعوداً على بدء: فان كلمة (تبارك) تجمع في طياتها الرحمة الالهية والحب الكبير الذي كتبه الله سبحانه على نفسه تجاه البشر، فاذا كان بنو آدم ومنذ خلقتهم الاولى يعلمون لكي يشبعوا بطونهم ان يحصلوا على مأوى او ليضمنوا مستقبلهم ويحققوا أمنهم وراحتهم، فهم يؤكدون بطبيعة الحال نقصهم واحتياجهم وعجزهم تجاه كل ما هو طارئ في الحياة الدنيا، بل ان المؤمنين منهم لا يطيعون ربهم الا بداعي الخوف من النار والرغبة في الجنة، لكن الله رب العالمين خلق الخلق لانه ارحم الراحمين، ولانه تبارك وتعالى عن العجز والحاجة، بل يداه مبسوطتان، ورحمته المطلقة فاضت على عباده وجميع مخلوقاته.
ـــــــــــــــ
|
|