مسؤوليتنا إزاء الامام الحسين (ع) أن نكون حسينيين
|
إعداد / بشير عباس
ان الامام الحسين (سلام الله عليه) راية هدى توحد الموالين له، ومصباح هدى ينير للموالين دربهم في الحياة، وهكذا كتب على ساق العرش انه (عليه السلام ((مصباح هدى وسفينة نجاة)، ولا زلنا عبر التاريخ نستلهم من الامام الحسين (سلام الله عليه) المزيد من البصائر والرؤى الايمانية والمزيد من العزم والمزيد من الهمة من اجل بناء انفسنا وتزكيتها وبناء مجتمعنا والدفاع عن قيمنا ومواجهة الطغاة، وفي الحقيقة يصعب على الانسان افتراض وضع ليس فيه الامام الحسين (سلام الله عليه).
نستلهم من زيارة للامام الصادق (عليه السلام) كان يزور بها الامام الحسين والتي اشتهرت بزيارة (وارث) ما جاء فيها: (اشهد انك قد اقمت الصلاة وآتيت الزكاة وامرت بالمعروف ونهيت عن المنكر...)، من هذه الكلمات نستلهم ان اقامة الصلاة وايتاء الزكاة وفريضتي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كل ذلك لم تكن لتستمر من دون شهادة الامام الحسين (عليه السلام) ومن دون نهضته.
لذا فان راية الحسين تنتشر في كل افق والناس المؤمنون البسطاء الذين لم تستهوهم الدنيا ولم تستحوذ عليهم الثقافات الجاهلية والذين طهرت قلوبهم وزكت بحب الله وحب النبي وحب اهل البيت لا يزالون يذكرونه (عليه السلام) في كل شارقة وغاربة وفي الليل والنهار وفي كل مناسبة، ومن الجدير بنا الاستفادة من ذكرى مولد الامام الحسين (عليه السلام) ما ينفعنا وما يجعلنا اكثر قدرة على مواجهة تحديات الحياة واكثر قدرة على مكافحة الظلم والطغيان واكثر قدرة على بناء شعوبنا على اسس سليمة وحكيمة ورشيدة، فنحن نوالي ابا عبد الله الحسين (سلام الله عليه)، الذي في يوم ولادته اقيم العزاء عليه، في حين من المعروف أن تقام بمناسبة الولادة مراسيم الفرح والبهجة، لكن هكذا التقدير الالهي بان يقترن اسم الحسين (سلام الله عليه) بالمصائب التي وردت عليه لانه كان ذلك الذبح العظيم الذي اختاره الله تعالى ليدافع عن الدين وليكون قدوة للمدافعين عن الدين، وليكن راية لكل من يدافع عن الدين والقيم وليكن ملهما لكل ثائر.
حينما نزل جبرئيل (عليه السلام) على آدم على نبينا وآله وعليه افضل الصلاة والسلام بكلمات التوبة، قال له جبرئيل يا آدم اوتذكر حينما خلقت رأيت على ساق العرش الاسماء الخمسة؛ اسم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (سلام الله عليه)، قال بلى، فقال ادعو الله بتلك الاسماء حتى يقبل توبتك فدعا فقبل الله توبته ولكن آدم سأل قائلاً: يا اخي جبرئيل! كلما ذكرت اسم محمد (صلى الله عليه وآله) انشرح صدري كذلك حينما اذكر اسم علي انفتح قلبي، وكذلك اسم فاطمة واسم الحسن يعطيني الارتياح، ولكن حينما اذكر اسم الحسين ينقبض قلبي ويكاد دمعي يجري لماذا!؟ وهم اسماء وانوار خمسة، قال اعلم ان الحسين من ذريتك وستجري عليه مصائب كذا... وكذا... فبكى آدم في ذلك اليوم.
من هنا فان من التقديرات الالهية ان يجعل الله سبحانه الشمس ضياء والقمر نوراً ويسخر الشمس والقمر للناس وان يخلق الارض وان يقدر التقديرات، ومن تقديره ان يجعل النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وهو افضل الانبياء جميعا و اولهم لبّى في عالم الميثاق يجعله خاتم النبيين ومن تقديره ان يجعل الحسين (سلام الله عليه) مصباح هدى وسفينة نجاة و راية للدفاع عن الحق لان الحق اذا فقد المدافع عنه يضيع لان هذه الدنيا دنيا السنن والقوانين وربنا يقول: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض" لذلك في يوم ولادة الامام الحسين عليه السلام جرت المصائب يعني تذكر اهل البيت؛ النبي وفاطمة وعلي (صلوات الله عليهم) مصيبة الحسين وبكوا، ونحن أيضاً نبكي ولكن في نفس الوقت نبارك لانفسنا هذه الولادة لان البركة تعني ان يكون الخير العميم في هذه الولادة وفعلا هذا الخير العميم هو وجود الامام الحسين (عليه السلام) ونهضته لكن ينبغي ان نتساءل ما هي مسؤوليتنا تجاه الامام الحسين (عليه السلام)؟
سورة قرآنية في حق الحسين (عليه السلام)
قبل الاجابة على السؤال الآنف الذكر، من الجدير تسليط الضوء سورة مباركة من القرآن الكريم نزلت في حياة الامام الحسين وهي في حق الامام الحسين (سلام الله عليه) ألا وهي سورة الفجر، ربنا سبحانه يقسم يميناً بالفجر والليالي العشر ولعلها هي الليالي الاولى من ذي الحجة الحرام وهي الليالي المباركة والايام المباركة حيث يزدحم حجاج بيت الله الحرام حول الكعبة وفي المواقف الشريفة ويرفعون اكفهم بالدعاء والله سبحانه وتعالى ينزل عليهم رحمته وعلى اهل الارض "والشفع والوتر والليل اذا يسر هل في ذلك قسم لذي حجر"، ان الانسان اذا اراد ان يفهم الحقيقة يكفي ما قاله ربنا هنا من الفجر والليالي ومن كل شفع ووتر و يكفيه اذا كان له عقل او حجر، و هذا القسم يحتاج الى ما يقسم عليه يعني الحقيقة التي يراد تاكيدها، فيقول ربنا سبحانه بهذا القسم: "الم تر كيف فعل ربك بعاد".
ان عاد هي قوة وحضارة قوية لكن كانوا يبطشون بطش الجبارين فكانوا يقطعون الطرق على القوافل وكانوا يتصورون ان لا غالب لهم في الارض ولكن في عزّ قوتهم وحضارتهم رماهم سهم القضاء ببلاء لم يكن لهم قِبل به فدُمروا تدميرا، "إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد" فهؤلاء وبعد ذلك اتوا جماعة اخرى هم ثمود الذين اتوا الصخر بالواد وايضا حضارة ثمود انتهت بين عشية وضحاها وكذلك "فرعون ذي الاوتاد الذين طغوا في البلاد فاكثروا فيها الفساد فصب عليهم جميعاً سوط عذاب" كأن العذاب عبارة عن سوط حينما ضربوا به قضي عليهم، لكن ما هي السنة الالهية التي نستفيدها من هذه العبر التاريخية؟ انها مختصرة بكلمة "ان ربك لبالمرصاد" فالقوم الطغاة بما يقومون به من جمع للاموال والعتاد وتزويرللتاريخ وتوظيف الفضائيات وتجيير الناس و... ويفعلوا ما يفعلوا ولكن الله تعالى لهم بالمرصاد.
سعيد ابن جبير كان من خيرة التابعين... عالم وفقيه وعظيم وكان مخالفا لبني امية فاخذه الحجاج واستهزئ به وقال: اين ربك...؟! لكن سعيد اجابه على الفور: "ان ربك لبالمرصاد" فليفعل الطغاة ما يفعلون ولكنهم لا يهربون من حكومة الله، ان الله تعالى يمهلهم قليلاً ولكنه لا يهملهم، و هذه رسالة سورة الفجر وهذه الرسالة تنطبق على ما حدث في كربلاء يوم العاشر من محرم سنة 61 للهجرة، أي ان الامام الحسين استشهد واهل بيته ايضا ولم تكون في التاريخ واقعة تقع قبل وبعد عاشوراء بنفس المستوى من المأساة ومن المصائب ولكن هل استطاع يزيد وبنو امية والطغاة والظالمون والذين اتبعوهم من محو هذا الدين وان يحذفوا تاريخ الاسلام وان ينهوا ابا عبد الله الحسين (عليه السلام) والرسالة التي حملها من التاريخ؟ كلا... فكما ان الامام الحسين (عليه السلام) عبرة وقدوة وأمل، فان بني امية وحزبهم الفاسد ونظامهم الظالم بات احدوثة في التاريخ لابد ان يعتبر الناس بهذا مرة وبذاك مرة اخرى.
دروس من نهضة الحسين (عليه السلام)
لكن هذا لا يعني ان المؤمنين الصالحين المظلومين المستضعفين الكادحين يتركون الامور دون ان يحركوا ساكنا، بل لابد ان يقوم كلٌ بدوره، ودورنا هو ان نتمثل شخصية الامام الحسين (عليه السلام) كل بقدر، ان الشمس حينما تُشرق على الارض و تضيئ فان كل موجود على الارض سيستفيد من هذه الشمس بقدره وكذلك السحب حينما تمطر فان كل واد يستقبل من هذا المطر بقدره، كذلك نحن، فكل واحد منا بقدره يستفيد من نهضة الامام الحسين ومن حياته فما هي دروس حياة الامام الحسين وكيف نتمثلها؟
أولاً: ان الامام الحسين (عليه السلام) امام ناطق تحدث للمدينة ولمكة وفي ايام معاوية ويزيد وتحدث في كربلاء وخطب هذه الخطب والكلمات وهي كلها مناهج للتحرك نستطيع الاستفادة منها وهي موجودة والخطباء لازالوا يتحدثون عنها فالنجعل هذه الخطب منهاجاً لحياتنا، فحينما يقول الامام الحسين (عليه السلام): (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على السنتهم فاذا محصوا بالبلاء قل الديانون)، هنا لابد من الانتباه الى هذه الكلمة التي نذكرها ليلاً ونهاراً ونرجو شفاعة الامام من خلالها يوم القيامة حيث نقول: (اللهم ارزقنا شفاعة الحسين يوم الورود وثبت لنا قدم صدق مع الحسين واصحاب الحسين...)، ان الحسين يقول: لا يكن الدين لعق على لسانك وفي فمك بل يجب ان يكون في قلبك، و لابد ان تعتقد به ولا تكون من الناس الذين قال عنهم الحسين (عليه السلام): (فاذا محصوا بالبلاء قل الديانون)، وهذا ما يعطيك قوة و رؤية تجاه حياتك.
ثانياً: ان الائمة المعصومون عليهم السلام علمونا كيف نخاطب ابا عبد الله الحسين عن طريق الزيارات؛ زيارة وارث والنصف من شعبان وزيارة رجب وليلة القدر وليلة العيد ويوم عرفة ويوم عاشوراء، هذه الزيارات المأثورة هي ايضا برامج عملية، ومن الجدير ان تكون هذه الزيارات او على الاقل بعضها محوراً لدراسة العلماء والخطباء، وفي ايام الصيف والتي نحن فيها يتعلمها اطفالنا فاذا حفظ الطفل هذه الزيارة وكررها فانها ستنطبع في قلبه وتتحول الى برنامج عملي في حياته وكذلك زيارة عاشوراء وسائر الزيارات، اذن من خلال هذه الزيارات وما فيها من كلمات مضيئة ومن برامج عملية نستطيع ان نتمثل بنسبة ما شخصية ابا عبد الله الحسين (عليه السلام)، ونكون حسينيين وعباسيين وفي خط علي الاكبر والقاسم ابن الحسن ونكون في نهج حبيب ابن مظاهر ومسلم ابن عوسجة، ان آباءنا والمخلصون من ابناء هذه الطائفة والمخلصون من المسلمين كلهم استوحوا من هذه الكلمات واستفادوا منها كثيرا وتحولت حياتهم الى حياة نظيفة وطيبة عند الله والناس وقضوا حياتهم بخير.
ثالثاً: إن الامام الحسين ربيب القرآن والوحي والنبي محمد (صلى الله عليه وآله) وربيب فاطمة وعلي، ولك أن تتصور القرآن الذي نزل على بيت الرسالة، ولما تتصور النبي محمد صلى الله عليه وآله الذي اشرقت الارض بنوره والعالم كله استفاد من هذا النهج ومن هذه الاخلاق، وقد تركز الوحي في بيت الرسالة حيث طهرهم الله تعالى من الرجس، وفيه النبي الأكرم وفاطمة وعلي والحسن والحسين، إذن فالامام الحسين هو ربيب القرآن فاذا سُئلت في احد الايام ما هو خلق الامام الحسين وما هو نهجه وما هو برنامجه، اجب وقل ان برنامجه القرآن وخلقه القرآن.
في ليلية عاشوراء استمهلهم حتى يصلي لربه ركعات ويقرأ القرآن، وهذه دعوة لنا بأن لا نجعل القرآن مهجورا، لنقرأ القرآن ونستفد منه، فاذا يكون الانسان حسينياً فهو بمعنى أنه قرآنياً، وحينما سُئلت زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) عن خلقه قالت خلقه القرآن والائمة هم حسب رأينا وعقيدتنا هم القرآن الناطق، والذي بين أيدينا هو القرآن الصامت.
تشكّلات تحت راية الحسين (عليه السلام)
في العراق وفي كثير من البلاد تشكلت مجموعات تحت راية الامام الحسين باسم الهيئات الحسينية والمواكب الحسينية والمراكز الحسينية، ولذلك نعم ما قال من قال: (كل يوم عاشورا وكل ارض كربلاء)، فاينما ذهبت فوق هذه البسيطة تجد راية ابي عبد الله الحسين وتجد أناس ينتمون الى هيئة أو حسينية او موكب حسيني ومن ثم يقومون بدور ما في حياتهم ولكن بهذه الهيئات والمراكز يستطيعون ان يقتربوا خطوات اكثر الى نهج الامام الحسين اذا قاموا ببعض الاعمال:
أولاً: ان الهيئة تجتمع في كل يوم ساعة حسب المستطاع وتقرأ بالاضافة الى التعزية الحسينية القرآن الكريم وتقرأ كلمات الامام الحسين وكلمات الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة ويحاولوا ان يتفقهوا فيها ثم يتفقهون في الدين الذي استشهد الامام الحسين من اجله، كأن يأخذون رسالة عملية لاحد مراجع الدين و يقرأونها و يتفقهون في التاريخ الاسلامي وسيرة المعصومين والانبياء والعلماء هذا في الحقيقة يجعلهم قريبين من نهج الامام الحسين عليه السلام ويزدادون نورانيا وعرفانا.
ثانياً: عندما يجتمع اصحاب المواكب والهيئات ويتحدثون فليفكروا في المحيط الذي هم فيه فاذا وجدوا معروفا شجعوه اذا رأوا أناس يبنون حسينية او مسجد او مستشفى او مدرسة او حوزة و اي عمل خير، يشتركون فيه ويشجعوه، سواء باللسان او بالمال وبقدر المستطاع، لان الله لا يكلف نفسا الا وسعها، فلا تلكف نفسك اكثر من قدرتك، ولكن اذا قام الجميع بواجبه في تاييد المعروف ونشره فهذا يكفي، ثم ان ابا عبد الله قتل من اجل النهي عن المنكر ونحن بدورنا نقوم بالنهي عن المنكر، والنهي يجب ان يكون بالكلمة الطيبة والاسلوب الطيب: "ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"، فالموعظة الحسنة واضحة، اما الحكمة فهي ايجاد البديل عن العمل المنكر، لنفترض انه هناك مجموعة من الاولاد وقد رأيناهم في الشارع يقومون بعمل مشين غير مناسب فننهاهم عن المنكر من جهة ومن جهة اخرى نوفر لهم البديل بدلاً من الجلوس في الشارع فندعوهم الى ممارسة الرياضة البريئة والنظيفة، إذن؛ الحكمة لا تعني فقط الاسلوب الطيب وانما توفير الوسائل المناسبة، وبذلك تكون الهيئة الحسينية قد قامت بدور ايجابي.
ثالثاً: ان يفتشوا عن الثغرات في بلدهم، مثلاً؛ اين يوجد اليتيم الذي يحتاج الى رعاية، او الارملة التي بحاجة الى دعم مالي او اعزب يحتاج الى دعم لكي يتزوج وعن مريض يحتاج الى تعاون لكي يشفيه الله تعالى، ومن الثغرات الاجتماعية، وأكثر من ذلك؛ بامكان الهيئة الحسينية بدور اكبر في الواقع السياسي الذي قد يكون واقع فاسد ومنحرف، فبامكان الهيئة الحسينية تقويمه، لكن بالمتسطاع أيضاً.
في البلاد الاسلامية تنتشر عشرات الآلاف من الهيئات الحسينية، فاذا نشطت هذه الهيئات في خط ابي عبد الله الحسين، وحاول كل فرد منتمي الى الهيئة ان يتقرب الى نهج الامام الحسين بقراءة القرآن والزيارة والتدبر وقراءة كلمات الامام الحسين عليه السلام وفي نفس الوقت الهيئة حاولت ان تقترب الى نهج ابي عبد الله عليه السلام بطرق اخرى عبر التفكير في عمل مشترك وسد الثغرات الاجتماعية واصلاح الوضع الاجتماعي بالتي هي احسن وبالقدر الممكن، سوف نكون نحن في الحقيقة اقرب الى نهج ابي عبد الله الحسين عليه السلام واحضى بشفاعته ان شاء الله يوم القيامة.
ـــــــــــــــ
|
|