التدبر في القران .. خطواته والياته - 3
عقبات في طريق التدبر (ب)
|
*السيد سجّاد المدرسي
جرى الحديث في الحلقة الماضية عن العقبات في طريق المتدبر في القرآن الكريم، وذكرنا أهم شبهة في هذا المجال، حين اختلط على البعض الامر فظن ان التدبر في القرآن الكريم هو نفسه ( التفسير بالرأي) الوارد في الروايات الشريفة والتي تتوعد للمفسر بالرأي مقعداً في نار جهنم.
الشبهة الثانية: الخطأ الصادر من بعض المفسرين للقرآن الكريم
فقد أخطأ الكثيرون في فهم الآيات القرآنية، وانحرفوا بذلك عن سواء السبيل، فمن يضمن لنا: عدم الوقوع في الخطأ كما وقعوا هم؟ أليس من الأفضل أن ندفن رؤوسنا في الرمال، ولا ندور حول مواضع الزلل؟
الجواب: لقد وضحنا - بشكل ضمني – في العدد السابق أن خطأ البعض في فهم القرآن يعود إلى أحد عوامله التالية:
1- تحكيم الأهواء الشخصية في تفسير القرآن، والتعصب للمسبقات الفكرية المغروسة في أعماق الفرد، ومن ثم تطويع القرآن لهذه الآراء، بدلا من تطويع هذه الآراء للقرآن. ومما يدخل ضمن هذا الإطار، التعصب للأفكار المذهبية الخاطئة، ومحاولة تفسير الآيات القرآنية بشكل يؤيد هذه الأفكار.
2-التسرع في اعتناق الأفكار التي تظهر للإنسان في بادئ الرأي، وإهمال التدقيق في صحة هذه الأفكار أو سقمها.
3-عدم الرجوع إلى روايات أهل البيت (عليهم السلام) في الآيات المجملة أو الآيات المتشابهة - وما شابه، وعدم توفر القاعدة العلمية اللازمة فيما يتوقف على ذلك.
بينما اذا يكون الفرد تلميذاً متواضعاً للقرآن ، ويكيف أهواءه وأفكاره وفق قيم القرآن ومبادئه وليس العكس، ويتأنى في تقبل ما يخطر على باله من أفكار، ويعود إلى أهل البيت (عليهم السلام) فيما تشابه عليه، ويوفر في ذاته القاعدة العلمية الرصينة فيما يتوقف فهمه على وجود مثل تلك القاعدة، عندئذ تقل نسبة الخطأ في فهم القرآن إلى حدود كبيرة، ويمكن أن تنعدم بالتالي.
الشبهة الثالثة: القرآن كتاب غامض، كيف نفهمه؟
إن القرآن يكتنفه الإبهام والغموض، ففيه غموض في الكلمة، وغموض في المغزى، فكيف نستطيع بعد بذلك أن نفهمه؟ لقد نزل القرآن قبل ألف وأربعمائة عام، وخاطب جيلا قد مات منذ أمد سحيق، فهل تستطيع أجيالنا أن تفهم القرآن الآن؟).
الجواب: إن أغلب الآيات القرآنية هي آيات واضحة في الكلمات والمعاني والأهداف، كما قال سبحانه: "وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِر"، وبإمكان أي فرد أن يتصفح القرآن الكريم ليجد هذه الحقيقة ماثلة أمام عينيه.
ولكن تظل هنالك مجموعة من الآيات غامضة ومبهمة، وذلك يعود إلى ابتعاد أمتنا عن اللغة العربية الأصيلة وليس إلى القرآن ذاته.
والسؤال الآن هو: كيف نفهم هذه الآيات الغامضة؟
والجواب: هنالك ثلاث طرق:
أ- الرجوع إلى معاجم اللغة، واستخراج معاني الألفاظ منها.
ب- التدبر في السياق العام للآية، واستنباط معنى الكلمة أو الآية من خلال ذلك. ورغم أن السياق ليس عاملا نهائيا وحاسما في فهم الآيات القرآنية، إلا أنه يعيننا كثيرا في هذا المجال (إذا كان بحيث يشكّل ظهورا عرفيا للكلمة أو الجملة)، مثلا: إذا أردنا اكتشاف معنى (حول) في قوله تعالى ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا خَالِدِين فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا)).
ج- التفسير: إن لمعرفة الإطار التاريخي الذي هبط فيه الوحي، والمورد الذي نزلت فيه الآية الكريمة الأثر الكبير في فهم معاني الآيات القرآنية والأهداف التي نزلت من أجل تكريسها هذه الآيات، وذلك لأن القرآن نزل بشكل تدريجي، وأكب في الأحداث التي واجهها المسلمون في عهد الرسالة، ولم ينزل على الناس مرة واحدة، ولذلك كان من الطبيعي أن تحمل الآيات طابع الظروف التي هبطت فيها.
وكتب التفسير هي التي تسلط الأضواء على هذه الظروف، وتعطي الأبعاد الحقيقية للآية الكريمة (بالإضافة إلى الفوائد الأخرى الهامة الأخرى التي تمنحنا إياها كتب التفسير).
كانت هذه أهم الشبهات التي يتمسك بها البعض للتدليل على عدم جواز - وحتى عدم إمكان - التدبر في الآيات القرآنية، ولقد عرفنا من خلال هذا المبحث إمكان و مشروعية التدبر في القرآن الكريم، ويبقى أن نبين الخطوات التي ينبغي السير عليها للتدبر في القران الكريم.
ـــــــــــــــــــ
|
|