خطوات للاستفادة الصحيحة من تفسير القرآن الكريم
|
*عبد الجبار حسين
من المواضيع المهمة المتعلقة بفهم القرآن الكريم، هو طريقة الاستفادة من التفاسير ومن الروايات فيما يخص مواضع التطبيق القرآني، أو بتعبير آخر فيما يتعلق بالقصص القرآنية. فهناك – على سبيل المثال – روايات كثيرة حول قصص فرعون، وروايات أخرى حول قصة يونس أو إبراهيم أو عيسى (ع)، والآيات القرآنية تبين جانباً من تلك الوقائع التأريخية، في حين إن الأحاديث توضح جانباً آخر منها.
إسلوب الاستفادة من الروايات
ترى كيف نستطيع الاستفادة من هذه الروايات خصوصاً وأن هناك روايات حول مواضع النزول واسبابه؟ نحن هنا أمام نوعين من الاستفادة؛ الاستفادة التقليدية، أي أن لا نتعدى ونتجاوز حدود النصوص الشرعية الموجودة، فالنصوص والأحاديث تقول – مثلاً – إن موسى كان طفلاً صغيراً عندما وضع في البحر، وإن إسم أمه كان (كذا)، وإن هذه الأم ذهبت الى بيت فرعون... الى آخره من المعلومات التقليدية، وهناك روايات تتحدث عن أسباب النزول فتقول إن الآية الفلانية نزلت في فلان... وفلان... ومن ثم نجمد على سبب النزول هذا.
وبطبيعة الحال فإن هذا النوع من الاستفادة مغلوط، فهي تقتضي أن نجمِّد عقولنا وأن نجمد معها القرآن الكريم، لكن هناك نوعاً آخر من الاستفادة، ألا وهو إسلوب الاستفادة من القصص. إن الروايات والأحاديث التي تبين القصص هذه على نوعين؛ النوع الأول يمثل الروايات الصحيحة والمؤكدة التي نقف منها موقفاً معيناً، والنوع الثاني يتمثل في الروايات أو التفاسير غير المؤكدة والتي لنا منها موقف آخر.
أما بالنسبة الى النوع الثاني من الروايات والتفاسير فإن الأفضل لنا أن لا ننظر إليها، ولا نتعب أنفسنا فيها، لأنها مادامت غير مؤكدة تأكيداً علمياً من ناحية السند فهي روايات يجب أ ن تطرح جانباً، وهكذا الحال بالنسبة الى التفاسير، فنحن – على سبيل المثال – لا نعتقد أن (ابن عباس) هو نبي معصوم، وكذلك الحال بالنسبة الى (ابن كثير)، فآراؤه لا نستطيع أن نؤكدها كما لا نستطيع في نفس الوقت أن ننفيها.
ونفس الحكم يمكن أن يقرر حول الروايات التي لا تمتلك سنداً موثوقاً به، فهناك روايات ذكرها المؤرخون دون أن يثبتوا أنها صحيحة أو غير صحيحة، علماً إننا نعرف أن هناك روايات ضعيفة حذرنا الأئمة (ع) منها، ومثل هذه الروايات لا نكلف أنفسنا عناء البحث فيها، والاستناد إليها، وباستطاعة الفقهاء الكبار الذين بلغوا من علم الحديث وعلم الإسناد والرجال والدراية مرحلة متقدمة أن يكتشفوا من خلال الرواية ومضمونها مدى صحتها وصدقها.
وهكذا لا يبقى أمامنا سوى الروايات والتفاسير الصحيحة وكيفية الاستفادة منها فيما يتعلق بالقصص التأريخية وأسباب النزول، فهذه الروايات بإمكانها أن توضح لنا الظروف التأريخية المعينة التي كانت الأمة تعيشها، فالرواية الصحيحة تشرح لنا – مثلاً – موقف موسى (ع) من فرعون، أو موقف فرعون من موسى، أو تبين لنا حياة السامري فتقول إنه كان صائغاً يملك المال، وهذه الرواية توضح لنا جانباً من فلسفة القصص التي جاءت في الآيات الكريمة. فالروايات لم تصرح بأنه كان رجلاً رأسمالياً بل تشير الى أنه كان يمتلك الأموال والذهب والفضة، ومثل هذا الاستنتاج أي كون السامري رأسمالياً، علينا أن نقوم به نحن، كما وعلينا أن نستنتج أيضاً أن تياراً رأسماليا كان سائداً في أيام موسى (ع) تمثل في عبادة العجل، والرواية أو الآية الكريمة لا تشيران بوضوح الى سبب هذه العبادة، وهذا السبب علينا نحن أن نكتشفه، فقد كان من بين بني إسرائيل أصحاب مال وثروة ومن ثم فإنهم كانوا رأسماليين أنتهت بهم هذه النزعة الرأسمالية الى عبادة العجل.
الروايات تشرح الواقع الخارجي
إن الروايات تأتي لتشرح الواقع الخارجي، وحينما نعرف هذا الواقع الخارجي يمكننا أن نهتدي الى الاسباب، وكذلك الحال بالنسبة الى الروايات التي تتحدث عن أسباب النزول فنحن نستطيع أن نستفيد منها في معرفة حدود وطبيعة الآية، وحينئذ يمكننا أن نطبقها على هذا العصر، فسبب النزول لا يعني مطلقاً أن نجمد الآية الكريمة على تلك الظروف والأوضاع التي كانت قائمة.
ومن أجل أن نوضح هذه الفكرة نطرح فيما يلي الرواية الصحيحة التي تشرح لنا قضية مسجد ضرار الذي تحول الى مكان تجمع فيها رؤساء المنافقين ليقفوا موقفاً معارضاً من الرسول (ص) بأن يلتزموا بالدين دون أن يلتزموا بإمام الدين وقائده، في حين أننا نرى أن النبوة والإمامة جزءان لا يتجزآن من الدين، وأن من يؤمن بالدين عليه أيضاً أن يؤمن بأئمته وقادته، وإلا كانت أعماله محبطة، ولكن أولئك المنافقين كانوا بعملهم ذاك يكفرون بشكل عملي بذلك الأصل المهم من أصول الاسلام، فكانوا يقيمون صلاة جماعة مستقلة لأنفسهم، ويرددون شعار: (نحن نريد الإسلام بدون الرسول)!
القرآن واحتمالات التفاسير
وعندما نراجع التفاسير القرآنية نجد أنها تعج بالاحتمالات المختلفة في جميع القضايا، وهي تعبير عن أقوال واحتمالات متعددة الوجوه، مستنبطة من الآيات القرآنية أو محملة عليها، فكيف يجب أن نتخذ الموقف السليم من هذه الاحتمالات المختلفة؟ يمكننا الإجابة على هذا السؤال من خلال إيراد الملاحظات التالية:
1- الاحتمال دليل الجهل، فإذا ما سألت عن الطريق فتقول: يحتمل أن يكون الطريق من هنا، ويحتمل أن يكون من هناك، فإن هذا دليل على أنك تجهل الطريق أو تتجاهله.
2- على الإنسان عندما يحتمل إحتمالات متعددة، ويطرح إفتراضات مختلفة أن لا يبقى عند هذه الاحتمالات والافتراضات، فعليه أن يحاول من خلال عمليات متعاقبة ومتتالية أن يكتشف الاحتمال الأقرب.
وهكذا الحال بالنسبة الى الآيات القرآنية، أو المسائل الفقهية فإننا نجد فيها في البدء احتمالات متعددة، ومن الواجب في هذه الحالة أن نتابع مسيرتنا العلمية حتى نصل الى اليقين؛ أي من الشك الى اليقين، ولا يغيب عنا إن الثقة بالعقل، والتوكل على الله يمثلان طريقاً للوصول الى اليقين، فإذا ما شككت في قدرتك على اكتشاف الحقيقة، أو لم تعتقد أن الله تعالى يقذف نور العلم في قلب طالبه، فإنك ستقف عند حدود الاحتمالات.
3- إن الاحتمالات الموجودة في تفاسير القرآن يدل بعضها على تعدد التطبيقات للقرآن، فعندما ينزل قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا.." ثم نحتمل أن تكون هذه الآية نازلة في حق علي بن أبي طالب (ع)، أو جعفر بن أبي طالب أو عمار.. فإن هذه الاحتمالات لا تتعارض بل هي تطبيقات مختلفة للآية الواحدة، يمكن أن تجتمع وتكون جميعها مشمولة بمضمون أو مفهوم الآية الكريمة.
هنا ماذا علينا أن نعمل إزاء تلك الاحتمالات؟ هل يجب علينا جمع تلك الاحتمالات في قاعدة كلية، أو في إطار عام؟ وماذا يعني هذا الإطار العام؟
في الإجابة على هذه الأسئلة نقول: إن المعاني المختلفة للكلمة الواحدة تعود بالتالي الى معنى واحد، وهذا المعنى هو المعنى الكلي الشائع والساري في مختلف المعاني التي هي ليست إلا تطبيقات لذلك المعنى الواحد، مثل كلمة (جن)؛ فهذه الكلمة لها عدة معان منها (الجنين)، (والجنان)، أي الأرض المغطاة بالشجر، و(الجن) أي ذلك الموجود الغائب، و(جن الليل) أي غط في الظلام، و(المجنون) أي من غاب عقله.. وهكذا.
إن هذه المعاني المختلفة تعود كلها الى معنى واحد شائع في كل التطبيقات، وهو أن يكون هناك شيء مغطى، أو شيء يغطي شيئاً آخر؛ فإذا كان الولد في بطن أمه غائباً، وإذا كان عقل الانسان غائباً، وإذا كان الكون غائباً في الظلام، وإذا كانت الأرض مغطاة بالأشجار، فإن جميع هذه المعاني تكتسب ذلك المعنى الواحد.
وعلى نفس هذا المنوال يمكننا أن نقول إن الاحتمالات المختلفة للآية القرآنية تعود الى معنى كلي واحد هو المراد من الآية، وأن تلك الاحتمالات هي تطبيقات لهذا المعنى الواحد، فعلينا أن نكتشف هذا المعنى الواحد من خلال تجميع الاحتمالات الى بعضها، ومعرفة الخطوط المشتركة بين هذه الاحتمالات أو المعنى المشترك بينها، لكي يكون هذا المعنى المشترك هو المعنى الحقيقي للآية الكريمة.
وبالنسبة الى الاحتمالات التي طرحناها بشأن تعيين مصاديق أو مصداق قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا..) فإننا نستطيع أن نقول إن هذه الآية تنطبق على جميع الاحتمالات التي ذكرناها، فجميع الأشخاص الذين سبقت الإشارة إليهم كانوا يشتركون في صفة واحدة هي التي جعلت الآية تنطبق عليهم، ألا وهي صفة الإيمان.
ــــــــــــــــــ
|
|