الإنسان .. والجزاء في الدنيا قبل الآخرة
|
*يونس الموسوي
الذين يجحدون الجزاء ويكفرون بالآخرة يخدعون أنفسهم، لأن الجزاء حاجة إنسانية قبل أن تكون قيمة دينية..
كيف يكون ذلك؟
لو قرأتم حياة الناس ما وجدتم قصة إنسان قد إنتهت في عالم الدنيا، وقد تبدو هذه المسألة أكثر وضوحاً بالنسبة إلى الشخصيات السياسية والدينية وغيرها، فهؤلاء الأشخاص يموتون ويقتلون وتحاك ضدهم المؤامرات، وينتقلون إلى العالم الآخر حتى من دون أن يعرف الناس ماالذي حدث لهم ومن الذي قتلهم وماذا كانت دوافع القتلة، وما من شخص إنتقل إلى ذلك العالم إلاّ وأخذ معه قصة، لافرق أن يكون صالحاً أو طالحاً جمهورياً أو ملكياً إسلامياً أو علمانياً، فالملك فيصل الثاني رحل عن الدنيا وهو يحمل معه قضية وقصة، و عبدالكريم قاسم الذي قاد الإنقلاب عليه وعلى النظام الملكي هو الآخر يحمل قصة وقضية إلى العالم الآخر، وكذلك بالنسبة إلى الطغاة مثل هتلر وموسوليني وصدام، وحتى بالنسبة إلى الشخصيات الثورية العالمية مثل جيفارا وأبطال الثورة الفرنسية وغيرهم كثيرين، وحتى بالنسبة إلى الشخصيات الدينية والإيمانية فكل نبي ووصي لم تكتمل قصة أي واحد منهم لأن هناك أشياء غامضة نحن بحاجة إلى فك ألغازها ولن يحصل ذلك إلا في عالم الآخرة، على سبيل المثال ما الذي حدث يوم الغدير، وما الذي حدث يوم السقيفة وهل أتمت كل الشخصيات تفاصيل قصتها الواقعية، يبدو أن كل واحدة من تلك الشخصيات رحلت عن هذه الدنيا وهي تحمل ملفاً وقضية يجب البتّ فيها، فالخليفة الثاني مات ولديه قصة والخليفة الثالث أيضاً قتل ولديه قصة والإمام علي (عليه السلام) أيضا استشهد في محراب الصلاة ولديه قصة، وفاطمة الزهراء سلام الله عليها استشهدت ولم يعلم لها قبر، وهي بحد ذاتها قصة لاتنتهي.
إن إختفاء قبر الصديقة فاطمة (عليها السلام) وهي بنت افضل البشرية تحمل ألف علامة إستفهام بوجه البشرية والتاريخ كله، إذ لماذا لابد أن تطلب السيدة فاطمة أن تدفن ليلاً من دون دعوة الناس للتشييع؟ كأنها عن هذا الطريق تريد أن تنقل قصتها وقضيتها إلى العالم الآخر! لأن عالم الدنيا هو عالم لاتفصل فيه القضايا، ولن تكتمل فيه قصة إنسان، لقد رحل الذين كانوا وذهب الظالم والمظلوم وقتل الرئيس والمرؤوس، لكنهم ذهبوا على حدٍ سواء بمعنى أنه لا الظالم لاقى جزاءه ولا المظلوم أخذ حقه، فهل يعقل أن تنتهي الحياة عند هذه النقطة؟ وهل من العدل والإنصاف أن تقف الحياة عند النقطة الصمّاء التي لم يعرف الإنسان فيها ماله وما عليه؟
من المؤكد ان نهاية الحياة عند هذه النقطة هو أمر غير عادل، ومن هنا أصبحت الحياة الآخرة هي ضرورة إنسانية، ليأخذ الجميع حقوقهم، بل حتى تعرف الإنسانية وجه الحق والعدالة ذلك أن هؤلاء جميعاً رحلوا عن الدنيا وأخذوا الحقيقة معهم، لكن في العالم الآخر ستكتمل الحقيقة.
ومعنى ذلك إن مسيرة حياة الانسان لا تنته بالأدوار التي قام بها في الدنيا، فهي تترك تأثيرات سلبية وإيجابية، وعليهم أن يلقوا جزاء تلك الأعمال سيئاً بسيئ وحسناً بحسن. ففي هذه الدنيا هناك أفراد يبنون وآخرون يدمرون، وليس من المعقول أن تكون عاقبة هذين واحدة.
ولهذا يجب أن نسعى أن لنكون مع هؤلاء البنائين، حتى يسجلنا الله سبحانه وتعالى ضمن قائمتهم ويشاركنا في ثوابهم، وهذه القاعدة لايستطيع أحد إنكارها حتى وإن لم يكن مؤمناً بدين أو بقيامة، فهذه الدول كلها شرقية وغربية ماركسية ورأسمالية كلها تثيب العاملين أو الذين يشاركون في تطورها وتقدمها وتعاقب المجرمين والإرهابين الذين يخربون البلاد، ويوضح ذلك أن الجزاء هو قانون عقلي بل هو فطري، ومن ينكره ينكر كل ما هو معقول في هذه الدنيا.
وبالنسبة إلى الجزاء الإلهي لابد أن نعرف قانوناً للجزاء لايعرفه الكثير من الناس وهو:جزاء الله يكون في الدنيا وفي الآخرة، لكن بمستويات وأوضاع مختلفة فهناك من الأشخاص من يجازيهم الله عزوجل ويكرمهم بكثير من المزايا التي لايمنحها لآخرين، إقرؤوا معي هذه الآية الشريفة: "وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" (يوسف /22) لقد حصل النبي يوسف على الحكم والعلم بعد أن استوفى الشروط و وصل إلى ذلك المستوى من العمل الذي يستحق معه أن يحصل على تلك الدرجة السامية، وفضلاً عن النبي يوسف (عليه السلام) ورد ما يشابه هذه الآية في أحوال أنبياء آخرين.
وقد ورد موضوع الجزاء في الدنيا في الكثير من الآيات القرآنية مما يؤكد أن الجزاء ليس في الآخرة فقط بل هو للدنيا والآخرة وقد ورد في نوح عليه السلام: "سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ* إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" (الصافات /79-80) أو بالنسبة إلى النبي إبراهيم عليه السلام: "سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ* كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" (الصافات /109-110) أو بالنسبة إلى موسى وهارون عليهما السلام "سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ *إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" (الصافات /120-121).
و وردت آيات أخرى حول مجازات الكافرين والفاسقين، "فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ* لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ* فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ* ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ* وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ* فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ" (سبأ /14-19).
وهنا لا يظن الإنسان الذي يسيء العمل ويسبب الأذى للآخرين، إن عمله السيئ سيضيع بين العواصف والرياح، بل إنه سيرى نتيجة عمله في الدنيا قبل الآخرة، ولقد سمعنا الكثير من القصص وحكايات الظلمة والمغتصبين الذين ظلموا الأبرياء، واغتصبوا أموال الضعفاء الذين لاحول ولا قوة لهم.
وعلى الرغم من إنتشار تلك القصص ورواجها بين الناس، إلا إن الاعتبار بها قليل، وما زال الكثير يمارس الظلم بحق زوجته وأبنائه وبحق الناس عامة، وما زال بعض الناس يغصب أموال بعضهم الآخر، وهم يتصرفون حيال هذه المسألة وكأنه ليس هناك جزاء أو عقاب!
لابد أن نضع جميع الشعارات على جانب ونتوجه إلى هذا الحديث الذي ذكره الإمام علي عليه السلام (كل امرءٍ يلقى ما عمل، ويجزى بما صنع) فلا يجب أن يتوقع أحد أن يلقى الله بغير عمله، فهذا العمل هو يسبقنا إلى الآخرة قبل أن ننتقل نحن إلى هناك.
لكن اذا تكون الحسنة مقابل السيئة، إذن؛ فكيف يجازينا الله عزوجل على السيئات التي قمنا بها، إنه تعالى يجازينا بالحسنة إذا تبنا إليه توبةً نصوحا، فإنه عزوجل سيغسل ذنوبنا ويمحوها بشرط أن نكون صادقين، بمعنى أن نغير مسيرة حياتنا من التخريب والتدمير إلى البناء والإصلاح.
أما من أتى بالسيئة وحياته كانت قائمة على الإساءة إلى نفسه وأمته فهذا لايستحق إلا السيئة كجزاء لعمله وقد ذكر القرآن الكريم "مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ" (الأنعام /160).
نقول هذا لأن الشيطان يشكك الإنسان في الجزاء، أو انه يبرر له سوء العمل ويسوف له التوبة، حتى لايغير مسيرته باتجاه الصلاح والفلاح، ولكي يحسن الإنسان توجهه وعمله فإنه لابد أن يقتنع بالجزاء ويتيقن بالمجازاة وفي هذا الشأن قال الإمام علي عليه السلام: (من أيقن بالمجازاة، لم يؤثر غير الحسنى).
ولابد أن نعرف أن الجزاء هو على قدر بلاء الإنسان في الحياة الدنيا، ومن هنا نعرف لماذا يعيش بعض المؤمنين في أحوال صعبة، لأنهم في واقع الأمر يواجهون بلاءً صعباً حتى يحصلوا على مرتبة عالية في جنة الخلد، ولهذا فأن الله سبحانه وتعالى لن يحرم من يستحق الصعود إلى أعلى المراتب أن يختبره هل هو صادق في مدعاه وايمانه أم لا؟
وعليه فإن قانون الجزاء، هو قانون فطري وهو فضلاً عن ذلك هو حاجة إنسانية للوصول إلى الحقيقة قبل أن يكون قيمة دينية.
---------------
------------------------------------------------------------
---------------
------------------------------------------------------------
|
|