إعمار وبناء المدارس في كربلاء المقدسة
الطلاب والطالبات يدفعون ضريبة تأخّر العودة الى مدارسهم الجديدة
|
تحقيق / قاسم نصر
يشهد العراق منذ فترة حملة إعمار وإعادة بناء المدارس التي بلغت سنّ الشيخوخة ولم تعد قادرة على احتضان التلاميذ من البنين والبنات، بل تسبب لهم في كثير من الأحيان المتاعب والمشاكل المتعددة، وهي خطوة ايجابية الى الأمام ترفعها الحكومة، ولكن...! هذه الخطوة المهمة والمطلوبة بإلحاح، شابها الكثير من التعرّج والتلكؤ، مما جعل النتيجة تكون عكسية على التلاميذ والافرازات السلبية يتلقاها ذويهم. فقد حصل تأخير في الأداء وتضييع للوقت وهدر للمال العام، كل ذلك وغيره عبارة عن مفاصل عمل وجهات معنية بالقضية؛ فهناك مديرية التربية وهناك مديرية الأبنية المدرسية وهناك المقاولين وغيرهم من المعنيين والضالعين في هذه المشاريع.
ومدينة كربلاء المقدسة التي تُعد قبلة الزائرين والسيّاح والتجار بسبب حظوها بالاستقرار النسبي الكبير في الجانب الامني ببركة وجود المرقدين الطاهرين لأبي عبد الله وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام)، نجدها تندرج في هذه قائمة ضحايا تأخير مشاريع إعمار المدارس، علماً انها تُعد من المدن الصغيرة قياساً بمدن أخرى كبيرة في البلاد.
ومن أجل البحث عن الأجوبة الصحيحة والمقنعة بشأن هذا التأخير الذي طالما أضرّ بالتليمذ وذويه وايضاً بالكادر التدريسي، تسلّط (الهدى) الضوء في هذه الجولة الميدانية متقصية الحقيقة، ولو إنها تبقى بعيدة المنال، لكن (مالا يدرك كله لا يُترك جلّه).
بداية سمعنا الاقرار والاعتراف من دائرة الأبنية المدرسية بهذا الواقع المرير، حيث قال لنا مدير المشاريع الهندسية في الدائرة مؤيد عبد الحسين: إن مدة تأخير تسليم المدرسة عن موعدها يصل أحياناً الى أكثر من تسعة أشهر. وربما لا يجهل المسؤول ان هذا التأخير عن موعد تسليم المدرسة لبراعمنا الصغار يسبب لهم ارباكات عديدة ومشاكل نفسية واجتماعية عندما ينتقلون الى مدرسة أخرى يكونون ضيوف عليها.
*بين المقاول و المسؤول...!
وبعيداً عن الدائرة الحكومية ومكتب المسؤول، زرنا إحدى المدارس التي شملها التأخير في عمليات الإعمار، وهناك التقينا بالمهندس المشرف على بناء المدرسة وسألنا عن سبب التأخير في الإنجاز عن الموعد المحدد، فقال دون إبطاء: إنها الأموال...! فهم يؤخرون السلف – يقول المقاول- علينا، ودائرة الأبنية المدرسية لا تزودنا بالسيولة في الوقت المناسب، وهناك تسويف في القضية...
أمام هذه الحجة يقول المنهدس مؤيد عبد الحسين مدير المشاريع الهندسية في مديرية الأبنية المدرسية مفنداً هذا الكلام بأن هذه حجج واهية... فهم – المقاولون – يتذرعون بها، ويضيف: نحن لم نؤخر سلف عن المقاولين، والمشكلة هي في عدم استمرار المقاول في عمله، أو تحويل المشروع الى مقاول ثانوي، وهذا الثانوي ربما يعطيها للآخر أملاً في الكسب السريع، وربما يريد المسؤول القول بان الدائرة والحكومة إنما تتعامل مع المقاول الأول لا غير، وإن لم تجده في مكان عمله فهي معذورة عن وقف تسديد السلف للمشروع.
وعن دور الرقابة والاشراف في هذا الميدان، قال مدير المشاريع الهندسية أن هذا العام سيشهد الحسم في عدد من الشركات المتلكئة والمقصرة وأدراجها ضمن القائمة السوداء، أما بالنسبة للغرامات المالية التي تفرض على المقاولين والشركات، فان غرامات للتأخير عن تسليم المدارس في موعدها المحدد سيتم فرضها عليهم.
وفي ردّه على إن كل هذا الشد والجذب يدفع ثمنه التلاميذ الصغار الذين يتنقلون بين بيوتهم والمدارس البديلة قاطعين مسافات بعيدة مع المشاكل الادارية والنفسية بسبب الزحام الشديد داخل المدرسة، تحدث المهندس مؤيد عبد الحسين عن المنجز من أعمال البناء والاعمار، حيث قال أمامنا خلال عام 2008 – 2009 (147) مشروع استطعنا أن ننجز منه (130) ولكن يوجد لدينا (17) مشروعاً متأخراً، في إشارة منه الى ان ثمة رقماً كبيراً تم انجازه، لكن مقابل هذا الرقم، ذكرت لنا إحدى الطالبات في مدرسة ابتدائية حديثة الإعمار بان إحدى الطالبات كادت أن تصاب بجروح عندما فاجئتها قطعة حجرية كبيرة يفترض أنها ملتصقة بالجدار كواجهة جمالية، لكنها سقطت على الأرض! طبعاً من السهل مشاهدة أعمال بناء وإعمار كهذه في مدارس عديدة في كربلاء حيث يتم رصف أحجار مرمرية أو غيرها على الجدران القديمة أو إكساء الجدران بالجبس وغيره للحصول على واجهة ومنجز جيد!
هذه الطالبة التي كادت أن تكون أول ضحية لإعادة إعمار المدارس، دفعت أثمان باهضة مادياً ومعنوياً أسوة ببقية الطالبات، عندما كانت تذهب الى المدرسة البديلة المكتظة بالطالبات والثلاثية الدوام، حيث معاناة انتظار سيارات الأجرة والطريق المفروش بالحصا والأتربة ومشقّة حمل الحقيبة المملوءة، والأخطر من كل ذلك ظهور حالات مضايقة للطالبات من بعض ضعّاف النفوس وشذاذ المجتمع.
*ثلاثية الدوام ومن دون كهرباء!
أمام هذا الشدّ والجذب بين المقاول والمهندس المنفّذ وبين الدوائر الرسمية المعنية، يقع الضحية بالدرجة الاولى التلميذ والتلميذة وأيضاً المدرسة والكادر التعليمي، ففي إحدى المدارس التي تحولت الى ثلاثية الدوام بسبب بناء مدرسة أخرى، أشارت مديرة مدرسة الى الباب المهشّم والشبابيك المحطمة والأعجب من ذلك انفصال التيار الكهربائي عن المدرسة طوال فترة اسبوع، وقالت يوجد لدي أكثر من 1100 طالبة والدوام في هذه المدرسة ثلاثي، ومدرستنا تأخرت عن موعد تسليمها (7) شهور، وعندما نسأل المهندس مؤيد عبد الحسين عن هذا الوضع، فانه يصرح مؤكداً بان هناك في بعض المدارس ما هو أعلى من هذا الرقم!! وبالنسبة لانقطاع التيار الكهربائي فقال متذرعاً بان هنالك ورش صيانة للمدارس وهواتفنا مفتوحة ومعروفة لدى الجميع فكان بالإمكان أن يتصلوا بنا أو مخاطبتنا بكتاب رسمي عبر التربية وعندنا أكثر من (52) مهندساً يعملون في ورش الصيانة.
*حرق النفايات وسط المدرسة!
المسؤول المذكور أجابنا عن استفسار مديرة المدرسة بشأن ازمات في مدرستها، لكن هناك مدرسة ثانوية للبنات تعرب الطالبات وذويهنّ عن استغرابهم من ابعاد الطالبات مدة نصف السنة الدراسية ونقلهم الى مدرسة بعيدة، لكن بعد العودة، لم يجدوا سوى قاعة الامتحان حديثة البناء، والمدرسة القديمة على حالها، حيث الشبابيك محطمة يمر من خلالها أنواع الحشرات الطائرة والضارة، وعدم وجود حاويات للنفايات في المدرسة و وجود عدد لابأس به من مقاعد الجلوس المحطمة وغير قابلة للاستخدام، وعدم وجود الماء الكافي باستمرار، والأخطاء في التوصيلات الكهربائية و... ومما ذكرته طالبة في هذه الثانوية ظاهرة عجيبة وغير طبيعية ربما لا تتعلق بالاعمار والبناء، لكن لابد من ذكرها، وهي تعرض إحدى الطالبات للحرق الجزئي بسبب وجود شعلة كبيرة من النار وسط ساحة المدرسة أوجدتها عاملة التنظيف عندما جمعت الاوساخ والاعواد وأشعلت فيها النار للتخلص منها!! ولولا وجود عدد من الطالبات لكان جزء كبير من ملابس الطالبة قد التهمتها النيران، فمن المسؤول أمام هذه الواقعة الخطيرة ....؟!
ويقال: (عندما يظهر السبب يبطل العجب)، فعندما نقلنا موضوع ثانوية البنات التي نحجم عن ذكر اسمها لاعتبارات معينة، الى مدير الأبنية المدرسية أجاب بكل بساطة بان هذه الثانوية لم تكن بالأساس في جدولة الإعمار!!! إنما كانت لدينا سيولة متبقية من ميزانية إعمار المدارس، ففضلنا عدم ردّها الى مجلس المحافظة و وزارة التربية، وانفاقها على هذه الثانوية على الأقل لترميم قاعة الامتحان فقط وإجراء بعض التحسينات على المرافق الصحية بما يتناسب مع السيولة النقدية الموجودة.
الى هذا الحد، بل حتى وإن كنّا نذهب أبعد في هذا التحقيق، لما تمكنّا من الحصول على نتيجة نخرج بها لنعرف المسؤول الحقيقي عن أزمة بناء وإعمار مدارس كربلاء المقدسة، على الأقل لنكون مشاركين في حل المشكلة بالتضامن والتفاهم بين جميع الأطراف، إن الجميع يعدون أنفسهم بانهم قد أنهوا واجبهم على أحسن وجه، لكن ربما يغيب عن ذهن البعض إن هذا الواجب يصبّ بالنهاية والمحصلة عند الطالب أو الطالبة، فهناك يتضح ما اذا كان هذا الواجب مؤدّى حقاً أم إدعاءً، نرجو أن يتابع المعنيون جميعاً احوال البراعم الجدد وظروفهم النفسية والاجتماعية قبل أن تعصف بهم المشاكل والأزمات ويخسر البلد طاقات مبدعة ومنتجة.
|
|