قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

مدارسنا وهاجس الرسوب
*محمد علي جواد تقي
قبل الخوض في الحديث عن الشدّ العصبي والقلق النفسي في مرحلة الانتحانات النهائية وعند استلام النتائج، لابد من التأكيد على ان هذه الحالة بالاساس تعبر عن عودة الحيوية الى التعليم التي كانت من جملة ما فقدناه في عهد الظلام والانتاكسات الصدامية، حيث كان التعليم لاسيما بالنسبة للفتيات آخر ما يفكر به المواطن العراقي، بينما اليوم فان أول ما يفكر به وللفتيات ايضاً هو التعليم، وان تمضي الفتاة في هذه المسيرة لتحقيق طموحاتها وطموحات العائلة، بان تحمل الطالبة شهادة التخرج وتكون عضواً مفيداً و مؤثراً في المجتمع، فتكون محامية او طبيبة او مدرسة او مديرة وغير ذلك من الاعمال التي تتناسب مع قدراتها. إذن؛ الظروف والامكانات الحالية تُعد بالحقيقة نعمة عظيمة ربما يغبطها علينا كثير من الشعوب، رغم الاقرار بان كثير من الامور ليست في محلها، وهنالك قصور ومشاكل هنا وهناك. لكن هذا لا يسمح لنا كأولياء أمور في محيط الاسرة وكادر تدريسي في محيط المدرسة أن نجلس ونشاهد حالات الانفعال والتشنج التي تصيب الطلبة والطالبات بسبب ارقام الدرجات في الامتحانات النهائية وايضاً نتائج الدور الثاني، لتصل الحالة الى حصول حالات انتحار وموت ولو بشكل محدود في بعض مدن العراق، فضلاً عن انعكاسات الازمات النفسية على محيط العائلة والتأثيرات الخطيرة التي تتركها على العلاقات الاسرية. والسؤال الذي طالما يلف ويدور في الاذهان؛ ماذا نفعل لهم...؟! الاموال تبذل في محيط الأسرة للتدريس الخصوصي ولوسائل النقل والملابس والقرطاسية ذات الجودة، وغير ذلك كثير، وفي محيط المدرسة الجهود التدريسية تبذل ايضاً والابنية المدرسية بين بناء وترميم واضافة و... طبعاً لا نود الخوض هنا في تفاصيل مهنة التدريس والتعليم والسقطات التي تتعرض لها باستمرار. نعم؛ كان ذلك من العطاءات والمحفزات للطالب والطالبة، لكن ماذا عن المحذورات من قبلنا...؟ ان الابوين يرسلان ابنائهما الى المدرسة وليس الى مكان آخر لا يعرفانه، أليس كذلك...؟! كما ان الكادر التدريسي التي يستقبل الطالب والطالبة منذ أول وقت الدوام، لن يسمح بالخروج من باب المدرسة إلا بعد انتهاء الدوام. فكما نقبل بهذه البديهية، علينا ان نقبل ايضاً بضرورة تحديد مساحات الطموح والاهداف في الذهنية الشبابية، وبما ان الشباب من الحلقات المهمة في المجتمع، وتزداد اهميته في بلد غني و واعد مثل العراق، فان النجاح في الامتحان بمعنى الاقتراب خطوة الى الجامعة، ثم الى الشهادة الجامعية وفي نهاية المطاف الى الوظيفة والمهنة المرموقة في دوائر الدولة او أي مؤسسة او دائرة اخرى، أما الفشل والرسوب في الامتحان فهو بمعنى الابتعاد عن هذه المسيرة برمتها، وبمعنى آخر يجد الشاب او الشابة انه غير ذو فائدة وعنصر غير مجدي في الاسرة والمجتمع.
فاذا اردنا الخروج بنتيجة مثمرة حقاً مسيرة التعليم في العراق، علينا التخلّي عن اسلوب (الدرخ) والتنبوء بالأسئلة المحتملة في الامتحانات النهائية وغير ذلك من اساليب الالتفاف حول العلم والتعليم، لأن هذا ينتج لنا عقول معلبة ستأخذ مكانها خلف مكاتب الدوائر الحكومية، لا همّ لها سوى الكسب المادي، بينما المعروف والبديهي ان بني البشر ذوي مواهب وقدرات وقابليات مختلفة، فهناك الذكاء الحاد، وهناك النبه وهناك ايضاً البليد وهنالك الذكاء العادي و... القائمة تطول. لذا علينا كاصحاب تجارب في الحياة – بما نتمكن- ان نلفت الابناء الى واقعهم وقابلياتهم قبل ان يحملقوا في الواقع الخارجي الموجود، فهذا الواقع الذي ترسمه السياسة ومحاصصاتها وتبدلاتها لا تبني الانسان، بل العكس، فهي التي تبني نفسها على اكتاف الانسان عندما تبحث عن عطاشى المال والشهرة والظهور ممن لا يهتمون كثيراً بعاقبة هذه السياسة واذا ما انقلبت الامور رأساً على عقب. انها مهمة الأبوين بالدرجة الاولى في ان يحفزوا في نفوس الابناء روح التعلّم والتعرّف من خلال المطالعة والبحث ليشقوا طريقهم نحو العلم الذي يتحول الى لبنة لبناء البلد، وليس الى دراهم معدودة.