قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

حق الضحية وسلوك الشرطة
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة احمد جويد (*)
توفير المساعدة المناسبة للضحايا في جميع مراحل الإجراءات القانونية حق إنساني وواجب قانوني وسلوك أخلاقي يجب أن تؤديه الأجهزة المختصة وفي مقدمتها جهاز الشرطة، فكثيراً ما تضيع حقوق الضحايا بسبب الإجراءات غير المناسبة التي تتخذها أجهزة الشرطة أو الكيفية التي تتعامل بها تلك الأجهزة بإدارة الملفات الخاصة بحقوق الضحايا وطرق سير عملية التحقيق، وقد تأتي مثل تلك الإخفاقات بسبب قلة الخبرة أو النقص في التدريب أو سوء اختيار الأشخاص المؤهلين لإدارة ملفات الضحايا أو ربما بسبب الفساد الذي تتهم به أجهزة الشرطة، إذ ينبغي تمكين الضحايا "من الحصول على الإنصاف من خلال الإجراءات الرسمية أو غير الرسمية العاجلة والعادلة وغير المكلفة وسهلة المنال"، ومن حقهم التماس الإنصاف من خلال الإجراءات التي يتبعها جهاز الشرطة. فالحفاظ على حقوق الضحية وحسن التعامل معه وخصوصاً في مرحلة سير التحقيق تجعله يشعر بالأمان والاطمئنان والثقة بجهاز الشرطة، الأمر الذي يلقي بمسؤولية ثقيلة على عائق الأجهزة المعنية في سلوكها وأدائها المهني لتنفيذ المهام المطلوبة منها، وبالتالي فالدور الذي يمكن أن تلعبه الشرطة تجاه الضحية قد يأتي بالكثير من النتائج الايجابية لصالح الضحية والوصول إلى الأهداف التي سار التحقيق من اجلها.
هناك عدد من الأدوار الايجابية التي يمكن القيام بها من قبل الشرطة تجاه الضحية وفي مقدمتها:
أولاً: إظهار المجاملة والاحترام الكافيين، إذ يجب على الشرطة أن تكفل أن الضحية يشعر "بأن الجريمة تحظى بالنظر فيها بأهمية وبالطريقة الصحيحة"، وهذا ما تضمنه (الفصل الخامس عشر ـ حماية إنصاف ضحايا الجريمة)، وبالتالي فإنه ينبغي لضباط الشرطة - من أجل منع الإحساس بالإحباط بين الضحايا أو زيادة شعورهم بالغضب والخوف وعدم الأمن - أن يتجنبوا إعطاء الانطباع بأن الجريمة جريمة تافهة أو أنه لا يجرى التعامل معها بجدية، فقد يشبه الإنسان غيره وهو أمر طبيعي، ولكن هذا التشابه لا يعني التطابق، ورغم تشابهه مع كل الناس إلا انه يوجد بينه وبين غيره فروق فردية لا تقتصر على الأفراد بل بين الجماعات أيضاً، وبالتالي فإن على رجل الشرطة أن يأخذ بالحسبان الاختلاف وعدم التشابه بين الناس في الفهم والثقافة وأن يراعي طبيعة وأمزجة الضحايا خصوصاً وهم تحت تأثير أو صدمة الجرم الواقع عليهم، وهذا من دواعي السلوك والتعامل الأخلاقي والإنساني لرجال الشرطة تجاه الضحية.
الثاني: تستطيع الشرطة وبسبب مركزها المتميز إعلام ضحايا الجريمة بالطرق التي يستطيعون بها الحصول على المساعدة والتعويض وأنواع العون الأخرى، والأفضل تقديم المعلومات التي يريدونها في الشكلين الشفوي والمكتوب نظرا لأن الضحية قد يكون في تلك المرحلة في حالة من الانزعاج الكامل لا تمكنه من استيعاب المعلومات الشفوية المقدمة، وفى هذا الصدد قد ترغب الشرطة أيضاً في طمأنة الضحايا بالتأكيد على أن الجريمة غير مقبولة، وأنها ستبذل قصارى جهدها في تحقيق قضية الضحية والوصول الى الحقيقة.
الثالث: القيام بنقل مختلف أنواع المعلومات الجوهرية للضحايا بصدد الإجراءات القضائية، والاستمرار في تقاسم المعلومات التي تتصل بالضحايا وباحتياجاتهم ومصالحهم، وهو أمر يتسم بالأهمية الأساسية لكفالة شعور الضحايا بمشاركتهم في الإجراءات الجنائية، ومن المهم أيضاً تمكن الضحية من الحصول على المعلومات عن نتيجة تحقيق الشرطة، وأن "تعطى الشرطة في أي تقرير إلى سلطات الادعاء بيانا واضحا وكاملا بقدر الإمكان عن الإصابات والخسائر التي تعرض لها الضحية". وهاتان النقطتان جوهريتان في طمأنة الضحية إلى أن مشاكله واحتياجاته تحظى بالمراعاة الواجبة من جانب السلطات المختصة. وقد يؤدى عدم تعريف الضحية بنتيجة تحقيق الشرطة إلى تقويض ثقته في النظام الجنائي القضائي وقدرة هذا النظام على التعامل مع الجريمة وآثارها، بالإضافة إلى ذلك فإن سلطات الادعاء قد لا تتمكن - في حالة عدم حصولها على معلومات تفصيلية وكافية عن آثار الجريمة الواقعة على الضحية المعني أو الضحايا المعنيين - من التوصل إلى تقييم كاف لخطورة الفعل غير القانوني، وهو أيضا ما قد يؤدى بالضحية إلى الشعور بالإهمال والى فقدان الثقة في العملية القضائية. ويمكن إيجاز ما تقدم في النقاط الآتية:
أولا: تدريب ضباط الشرطة للتعامل مع الضحية بتعاطف وبطريقة بناءة ومطمئنة، فكثيراً ما نجد ضباطا أو أفراد شرطة غير مؤهلين للتكيف مع الظروف التي ترافق الجريمة والحالة النفسية والمزاجية التي تصاحب الضحية في ذلك الوقت. ثانياً: أن تعرف الشرطة الضحية بإمكانات الحصول على المساعدة والمشورة العملية والقانونية، والتعويض من المجرم والتعويض من الدولة، وهذا ما لمسناه في الظروف الحالية وبخاصة في العراق وذلك بترك الضحايا دون تعويض مادي أو معنوي يواجهون مصيرهم لوحدهم. ثالثاً: أن يتمكن الضحية من الحصول على المعلومات عن نتيجة تحقيق الشرطة، وأن يشعر الضحية باهتمام الشرطة وجديتها في التحقيق، خلافاً لما يرد من تقارير بتمييع التحقيق وإفلات المجرمين من قبضة العدالة وهي جريمة نفسية أخرى تقع بحق الضحية تضاف إلى الجريمة التي ارتكبت بحقه. رابعاً: أن تعطي الشرطة بيانا واضحا وكاملا بقدر الإمكان عن الإصابات والخسائر التي وقعت على الضحية في أي تقرير يقدم من قبلها إلى سلطات الادعاء العام، وهو ما يسهم بحفظ جميع حقوق الضحية المادية والمعنوية. خامساً: تعريف الضحايا بدورهم وبنطاق الإجراءات وتوقيتها وسيرها، وبالطريقة التي يبت بها في قضاياهم، ولاسيما حيث كان الأمر يتعلق بجرائم خطيرة وحيثما طلبوا هذه المعلومات، وهذا ما يسهم في الوصول الى العدالة المنشودة.سادساً: إتاحة الفرصة لعرض وجهات نظر الضحايا وأوجه قلقهم وأخذها في الاعتبار في المراحل المناسبة من الإجراءات القضائية، حيثما تكون مصالحهم عرضة للتأثر وذلك دون إجحاف بالمتهمين وبما يتمشى ونظام القضاء الجنائي.سابعا: توفير المساعدة المناسبة للضحايا في جميع مراحل الإجراءات القانونية.
وبالنتيجة يبقى السلوك الشرطوي مرهون بإرادة الدولة وسياسة الحكومة وثقافة المجتمع، فالتأكيد على أهمية تعزيز القيم الروحية والأخلاقية والمهنية لدى أفراد الشرطة ينتج قيادات أمنية واعدة وصالحة لديها القدرة على التأثير الايجابي في سلوك الأفراد والضباط بعد أن أصبحت بعض القيادات عاجزة عن التعامل الطيب مع المواطنين وعن التفاعل مع (شعار الشرطة في خدمة الشعب)، لهذا باتت الحاجة إلى تواجد قادة استراتيجيين يشرفون على أداء أفراد الشرطة ويسهمون في إحداث نقلة نوعية في سلوك رجالهم وتنمية مهاراتهم وفقاً للمتغيرات والمستجدات التي تتطلبها الظروف المحلية والإقليمية الدولية المعاصرة أمر ضروري يجب إدراكه للوصول إلى تحقيق العدالة وإنصاف الضحية.
(*) مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات