قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

اركض برجلك
أمين أحمد
"حشرٌ مع الناس عيد"، هذه مقولة يرددها الناس للتعبير عن اللامبالاة او السرور الذي يشعر به الإنسان عندما يخوض مع الخائضين في الساحة الاجتماعية والسياسية وغيرها، ويشرع في تكوين علاقاته ورؤاه ومواقفه بناءً على هذا المسلك العفوي. ويرى الكثيرون أن تلك هي أفضل وسيلة للخروج من ضغوط العزلة والانفراد. ولكن في نظر الحكماء، فإن هذا المسلك السهل والمريح ما هو إلا كالمستجير من الرمضاء بالنار، إذ إن قذف الإنسان بنفسه في تيار من الاهتمامات التي لا يدري من صنعها وإلى أين منتهاها لا يعتبر سلوكا رشيدا، ومن جهة أخرى، فإن هذا المسلك الاتكالي من شأنه تعطيل الفكر الذاتي للإنسان وتسليم قيادة الذات للآخرين.
ولكن يجب ألا يُفهم من ذلك أن جميع الاهتمامات الاجتماعية والسياسية التي يؤسسها الآخرون خاطئة وغير جديرة بالاهتمام، بل إن ارتفاع سقف الاهتمامات الاجتماعية والسياسية الساخنة في المجتمع يعني أن العقول قد شرعت في العمل، وأن الرياح قد جاءت لتجديد الحياة، ولكن ما نذهب إليه هو ضرورة معرفة ما إذا كانت الاهتمامات الرائجة في بيئتنا الاجتماعية والسياسية في زمن معين تعمل في الاتجاه الصحيح أم لا، وهل هي مناسبة لنا أم لا؟ وبالتالي، فيلزم أن يكون انخراطنا في أي تيار اجتماعي أو سياسي نابعا من قرار مدروس وضمن آلية سليمة لإدارة الذات واتخاذ القرار، علما بأن التقصير في هذا الشأن قد يجعل المرء هدفا لمصاعب حياتية جمة، وخصوصا إذا كانت إرادته أسيرة لإيحاءات الآخرين وهرج العامة. يقول الكاتب ستيفن كوفي في كتابه "إدارة الأولويات" في هذا الشأن: "من خبرتنا الماضية في موضوع وضع الأهداف، تبيَّن لنا أن هناك منطقتين للمتاعب: (1) الإحساس بالهوان والخوف عندما لا تتحقق أهدافنا. (2) النتائج المدمرة التي تحدث نتيجة وصولنا إلى هذه الأهداف.. بينما يرتب الفشل في تحقيق الأهداف ألماً، فإن لتحقيق الأهداف آلاماً من نوع آخر، فأحياناً ما يكون تحقيق أهداف معينة على حساب جوانب أخرى مهمة في حياتنا، أي اننا وضعنا سلم النجاح على الحائط الخطأ بالنسبة لحياتنا".
ويبدو أن التجربة المريرة التي مر بها نبي الله أيوب، عليه السلام، تكشف جوانب من هذه الحالة التي قد يصادفها كل إنسان في دروب الحياة، ولذا، فإن النصيحة التي أهداها الباري، عز وجل، إلى أيوب، عليه السلام، أثناء محنته، قد ركزت على ضرورة وجود إرادة مستقلة لفهم الأمور واتباع الوسائل العملية المناسبة لتجنب الوقوع في المهالك وارتداداتها الصحية، وقد لخص الباري، عز وجل، تلك النصيحة بقوله تعالى في سورة ص المباركة: {ارْكُضْ برجْلكَ...} وقد جاءت هذه النصيحة الإلهية للتنبيه إلى أهمية الاستقلالية في بناء الرأي واختيار الأساليب العملية التي قد تختلف من زمان لآخر ومن بيئة لأخرى، يقول الله، عز وجل، في هذا الشأن: { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ }، (سورة ص، الأيات41‏ ،‏44، 43 ).