ازمة المياه في العراق.. سوء التخطيط وغياب التنسيق
|
عادل الجبوري/ الهدى:
قبل اقل من اسبوع صرح وزير التخطيط والتعاون الانمائي علي يوسف الشكري قائلا "ان مسحا ميدانيا اجراه الجهاز المركزي للاحصاء التابع للوزارة مؤخرا كشف عن ان 21% من سكان المدن العراقية لايحصلون على مياه صالحة للشرب، وترتفع النسبة في الارياف لتصل الى 40%. ولم يعلق الوزير على الارقام التي اوردها واكتفى بالقول "ان هذا المسح الذي نفذ بالتنسيق مع منظمة اليونسيف والاتحاد الاوربي سيساعد العراق في وضع السياسات المناسبة لتغيير الواقع البيئي وتحسين الواقع الصحي والمعيشي للمواطن العراقي". وقبل بضعة ايام نبهت اوساط سياسية حكومية في بغداد من ان كمية المياه الداخلة الى العراق ستنخفض الى النصف في عام 2014 بسبب سياسات الدول المتشاطئة على نهري دجلة والفرات، وهي اضافة الى العراق كل من سوريا وتركيا.
ازمة المياه في العراق ليست بالقضية الجديدة، فالتجاذبات والتقاطعات والخلافات بين العراق والدول المجاورة تعود الى فترات زمنية طويلة شهدت خلالها ابرام اتفاقيات وبروتوكولات عديدة تم تنفيذ بعضها في حين بقي البعض الاخر حبرا على ورق لاسباب سياسية وامنية كانت غالبا ما تلقي بظلالها على العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الاطراف المعنية. وبما ان مجمل الدراسات والابحاث تذهب الى ان الازمة الحقيقية التي سوف تواجهها شعوب المنطقة خلال العقود القليلة القادمة هي ازمة المياه، فأنه من الطبيعي جدا ان يكون العراق احد ابرز الاطراف المتأثرة بالازمة، بأعتبار ان فيه نهرين هما دجلة والفرات يعدان من الانهار الدولية، حيث ان منابعهما تقع خارج العراق، ويمتدان لمسافات غير قليلة في الاراضي التركية(نهر دجلة ينبع من تركيا ويدخل العراق مباشرة) والاراضي السورية.
وكان من الواضح ان هذا العام والعام الماضي شهدا كثيرا من التشنجات والاحتقانات بين العراق وجيرانه بسبب المياه، لتضاف ازمة اخرى للازمات المزمنة في المشهد العراقي داخليا وخارجيا. ويرى متخصصون في شؤون المياه والقانون الدولي وسياسيون ان السياسات المائية لدول الجوار العراقي التي تتشارك مع العراق في الانهار، تتميز بقدر غير قليل من الاستغلال وفرض الامر الواقع وعدم مراعاة ظروف العراق واحتياجاته من المياه سواء لاغراض الزراعة او اغراض الاستهلاك الاخرى، وفي هذا السياق يقول استاذ القانون في جامعة بابل علاء عبد الحسن العنزي "ان الحصة المائية الداخلة الى العراق من جهة سوريا اقل من ( 200 م3/ثانيه ) في حين ان الاتفاق بحسب تصريحات المسئولين العراقيين هو ( 500م3/ ثانيه ) بنسبة 58% للعراق و42% لسوريا على اعتبار ان مساحة العراق واراضيه الزراعية اكبر". ويشير العنزي الى انه بالرغم من الاتفاقيات الثلاثية والثنائية التي عقدت بين العراق وسوريا وتركيا منذ عام 1920 لتقسيم المياه فيما بينها ، والاتفاق على ان تكون حصة العراق 500م3/ثانية والتي كان آخرها عام 2008 بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ورئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان خلال زيارته للعراق وبالرغم من معاهدة الصلح بين تركيا والحلفاء والتي عقدت في لوزان عام 1923 وهي اتفاقية متعددة الاطراف تضمنت نصا خاصا يتعلق بمياه نهري دجلة والفرات جاء في المادة 109 من هذه الاتفاقية الذي لا يسمح لاية دولة من هذه الدول الثلاث بأقامة سد او خزان او تحويل مجرى نهر دون ان تعقد جلسة مشتركة مع الدول الاخرى وتستشيرها لضمان عدم الحاق الاذى بها، الا ان الجانب التركي واصل نقضه لجميع الاتفاقيات وقام ببناء 23 سدا آخرها سد (ليسو دام ) في منطقة ( حسن كييف ) التي يقطنها الاكراد والذي يبلغ ارتفاع منسوب المياه فيه اكثر من (60) مترا، حيث سيكتمل بناؤه عام 2014 ليصادر اكثر من 50% من مياه نهر دجلة ليصبح هو الآخر شحيحا كالفرات الذي صادر سد اتاتورك نسبة كبيرة من مياهه تصل الى 60% ".
في مقابل ذلك فأن هناك من يرى ان العراق يتحمل القسط الاكبر من مسؤولية ازمة المياه لديه، بل ان البعض لايرى وجود ازمة حقيقية بهذا المعنى، ويؤكد بأن الازمة هي ازمة سياسات صحيحة تكفل استثمار المياة بصورة علمية وصحيحة. فهناك تقارير لجهات دولية ومحلية تؤكد ان الحروب والنزعات المسلحة طيلة ثلاثة عقود من الزمن في العراق ادت الى تقويض نظام ادارة الموارد المائية الذي تسبب بدوره في انحسار الاراضي الزراعية وموت الكثير من المحاصيل او انخفاض كمياتها الى حد كبير كما هو الحال مع التمور والحمضيات والقمح والشعير، وترك اعداد كبيرة من المزارعين مهنتهم والاتجاه الى مهن اخرى تدر عليهم مدخولات مالية افضل. ويقول الخبير في البنك المركزي العراقي مظهر محمد صالح إن الأمن الغذائي العراقي يعد مهددا خاصة إذ ما نظرنا إلى إن الإنتاج المحلي الكلي من الحبوب بكافة أنواعها سنويا لا تصل إلى مليونين طن فيما يحتاج سنويا إلى سبعة ملايين طن سنويا ، وهنا يجب إن تعمل الحكومة ألان على التخطيط ضمن مشاريع كبيرة لإيصال العراق للاكتفاء الذاتي من الحبوب على الأقل وهذا لن يتحقق إلا من خلال خطة خمسية وعرض القطاع الزراعي للاستثمار ، وموضوع إعطاء الشركات التركية هذا القطاع هو أمر مهم ويحتاجه العراق لضمان حصة كافية من المياه أو عبر شركات عراقية مع شريك تركي وحتى دخول الحكومة كشريك أيضا ، كما لا يجب التخلي عن المشاريع الزراعية الصغيرة إما مشكلة المياه فتحل عبر البدء باستخدام التقنيات الحديثة وترك القديمة التي تهدر كميات كبيرة من المياه في غير محلها.
واضافة الى طرق واساليب الري القديمة والتقليدية، فأن الاستخدامات غير المقننة ولا المنظمة للمياه من قبل المواطنين، لمختلف الاغراض يعد من العوامل المساهمة في حدوث مشاكل في هذا المجال. وقد لانقع في خطأ حينما نقول ان ازمة المياه في العراق ذات ابعاد داخلية وابعاد خارجية، والتركيز على احداها واهمال الاخرى لن يفضي الى اي حلول واقعية وعملية، وربما تواجه الدول الاخرى نفس الشيء، فعلى سبيل المثال لا الحصر ان انخفاض منسوب مياه بعض الانهار الصغيرة التي تنبع من الاراضي الايرانية او وقف تدفق المياه فيها، لايعود الى اسباب سياسية بحتة مثلما يصور البعض، وانما هو مرتبط بأنخفاض معدلات المياه من المنابع جراء قلة الامطار بالدرجة الاساس.
اي حلول ومعالجات لاتنطلق من رؤى وتصورات استراتيجية لازمة المياه في العراق، وتستند الى الحقائق والمعطيات القائمة على ارض الواقع، فأنها ستكون عبثية، والامر الخطير -او الاكثر خطورة-هو حينما تعلق الازمة على شماعات الاخرين وكأنه لاجذور ولا خلفيات لها في البلاد، والارقام المقلقة التي ذكرها وزير التخطيط عن نسب سكان المدن والارياف العراقية الذين لايحصلون على الماء الصالح للشرب، ترتبط بسوء -او غياب-التخطيط اكثر من ارتباطها بقلة المياه، وتلك الارقام ليست وليدة الامس او اليوم.. انها قديمة ـ جديدة!.
|
|