لنعطِ حق الامام الحسين في زيارته
|
*محمد علي جواد تقي
تبقى الجدلية القديمة (من الأول في الوجود، البيضة أم الدجاجة)؟! تحكم وجود السلوك الاجتماعي القويم الذي يعبر عن الهوية العامة ويحفظ للجميع حقوقهم كما يحدد لهم واجباتهم. والشعائر الحسينية كأي فعل اجتماعي ذو علاقة بالنظام العام، يبدو انها توشك أن تندرج ضمن هذه الجدلية، فمن المسؤول أولاً؟ الناس الذين يؤدون مراسيم الزيارة، أم المسؤولون الحكوميون؟ لكن يبدو هنالك رؤية من البعض – وليس من الكل- لزائري الامام الحسين عليه السلام لاسيما في الزيارتين المهمتين: الخامس عشر من شعبان والأربعين، تقول: بان (الزيارة) كمفهوم معنوي لا يندرج ضمن الاستحقاقات السياحية من قبيل المواصلات والخدمات والسكن وغيرها، فالزائرون لا يهمهم شيء سوى الوصول الى كربلاء المقدسة والحضور عند ضريح أبي الاحرار الامام الحسين عليه السلام وتجديد ولائهم لهذا الامام العظيم. ولتكون الشوارع مليئة بالاوحال والحفر، ولتكون المسافات بعيدة ومرهقة للبعض، وليقضي الزائر ليلته امام المحال التجارية والازقة، فهو ربما توقع هكذا وضع ويطلب من وراء هذا الأجر والثواب. هذه الرؤية اخذت جانباً من القضية، واهملت جوانب عديدة، ليس اقلها الجانب الاخلاقي، فالضيف الذي يزورك يتحمل عناء المجيء تلقائياً فهو يأتي ملء ارادته وبرغبة منه، لكنك تشعر بالحرج والخجل عندما يصل باب بيتك ويبقى واقفاً لدقائق – مثلاً- قبل ان تفتح له الباب، بل تستقبله عند الباب وعند المغادرة تشيعه حتى خارج الدار وهناك من الصنيع الجميل أن يتكفل البعض بتسديد أجرة العودة لسيارة الأجرة. هذا من التقاليد المعروفة والعفوية عندنا في علاقاتنا الاجتماعية، لكن ما بالنا اذا كان الأمر متعلق بصاحب مدينة ضخمة مثل كربلاء المقدسة وهو الامام الحسين عليه السلام وهو يشهد في مرقده ا لشريف توافد الملايين وفي ظروف ملؤها التحدي والتضحية؟
في الزمن الحاضر والحقبة الراهنة، يتأكد ان الجدلية الفلسفية الآنفة الذكر ليس بوسعها حل ما يطرأ من مشاكل وازمات خلال مواسم الزيارة في كربلاء المقدسة، لأن المسألة أكبر بكثير وتشمل الجميع، وليس من حق أحد ان يحدد مسؤولية على أحد، فهنا نجد مصداق حديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، فالجميع مسؤولون عن كل شيء، طبعاً بدرجات متفاوتة، وكلٌ حسب اختصاصه وامكاناته وهي قضية واضحة. نعم؛ هناك بعض الامور المتعلقة بالسلوك الفردي مثل النظافة وانماط التعامل بين الافراد، فهذه تكون من مسؤولية الهيئات والمواكب والمعنيين بأمر التبليغ والارشاد من علماء دين وخطباء ومثقفين أن ينشروا الثقافة الاخلاقية بين جموع الزائرين تكون لهم مظلة واقية من أمواج الانحراف في السلوك باشكاله المتعددة. يبقى ما يشكل همّاً جماعياً مثل المواصلات والسكن والخدمات اللازمة، فانها من مسؤولية الدوائر المعنية ذات الامكانات الكبيرة. وهذا لن يكون صعب التحقق – كما يتصور البعض خلال السنوات الماضية- اذا توفر الشرط الأساس هو الايمان العميق بقضية الامام الحسين عليه السلام. وإلا فان الزائر بالحقيقة لا يحتاج لشيء وهو يروم زيارة مرقد الامام الحسين عليه السلام، سوى الى التغطية الخفيفة من الخدمات والتعامل الحسن من لدن المعنيين بالشأن الأمني والاداري، وهو ما لاحظناه حقاً في الآونة الأخيرة، حيث التعامل الحسن لمنتسبي الشرطة والجيش مع حشود الزائرين. لكن المطلوب اكثر لاسيما وان موسم زيارة الاربعين هذا العام وفي الاعوام التالية سيكون في أوج فصل الشتاء القارص، وكلنا أمل بأن لاتتكرر مشاهد العام الماضي، عندما ظل العديد من الرجال النساء تحت رحمة المطر في الشوارع بانتظار من سيتعطف عليهم من اصحاب سيارات الأجرة ويعيدهم الى مناطقهم ويجعلهم يحملون ذكرى طيبة من هذه الزيارة.
|
|