الفقر والبطالة والفساد وآثارها على سيكولوجية الناس
|
د.هاشم عبود الموسوي
لا شك وإن المشكل الإقتصادي في عراقنا الغارق بمشكلات جَمّة، يمثل التحدي الأول والأبرز، وتصويب هيكليته يحتاج إلى تضافر الجهود الرسمية والشعبية ومؤسسات المُجتمع المدني والسلطة الرابعة، والقطاع الخاص، إذ لم يَعُد خافياً على أحد أنَّ الدعوة للإصلاح في القطاعات كافة، واجب إنساني قبل أن يكون مطلباً رسمياً، تتغنى به بعض الأحزاب والتجمعات السياسية، بحيث لا يلامس الجوهر بل القشور بهدف تزيين المُستقبل غير المنظور ولغايات تسويقية إعلامية وفق اجندات خاصة. فالإصلاح الحقيقي يؤسس إلى مشروع نهضوي حضاري، عندما تتوفر النيّات الحسنة والنزاهة الخلقية، وقد يفتح الإصلاح باب الأمل بنهضة شاملة، مع الأخذ بنظر الإعتبار أنَّ من باب الإستخلاف في الأرض ضرورة المُراجعة الدائمة لسياسات الإصلاح. " ولا إصلاح حقيقي إلا بإصلاح سياسي إبتداءً يُبنى عليه في إصلاحات إقتصادية واجتماعية وإدارية لاحقة، وهذا لا يتأتى إلا بفكر يؤمن بالديمقراطية المسؤولة والنزاهة الحقّة، ويدعو إلى مُراجعة محطات الإخفاقات والمآسي التي يمر بها مُجتمعنا ".
عندما نتخلص من كل أمراض الساسة ونزوعهم الى عدم الإلتفاف لما يجري لهذا الشعب.. آنذاك يمكن أن نتلمس إرهاصات إنبلاج فكر تنويري جديد، يبشر أننا على أبواب عتبة فترة جديدة، وفق أدوات كانت لحد الآن غير مطروقة، تشير إلى بداية عد عكسي إلى غير رجعة، لأن رأس ثقافة النظم القديمة المسكونة بتقاليد الولاء المُطلق للقائد الضرورة أو للحزب الضرورة، أمام تهديد لقمة العيش في غياب أمانة المسؤولية، ولو كان على باطل دون مساءلة لسياسات إدارته، حتى وإن كانت، مزاجية أو فاشلة، أو متسلطة أو سائبة، أو يغلب عليها طابع الفساد المالي أو الإداري، أو المحسوبية أو الشللية. مما سبب تشويهاً لقيم العمل، وتدميراً لإقتصاديات الموارد البشرية والإقتصادية فيه .
لابد من وجود خطوة الى الأمام في سبيل إعادة إتجاه البوصلة في وضعها الصحيح، كخطوة اولى في الإصلاح الإداري والمالي تحتاج تضافر الجهود. ولأجل التطوير الإيجابي المنشود. لابد من المُراجعة الشاملة للوضع القائم، وإحكام النظر في عللهِ، دفعاً للضرر وتوخياً للحيطة، وفق أدب التناصح والمُناصحة بعيداً عن إغتيال الشخصية وتصفية الحسابات على خلفية أجندات خاصة. ولعل من الحكمة القول، أن المعاناة اليومية في ظل توجهات مدروسة تُقرأ في بواطن الأمور وظواهرها، قد تقود إلى إبداع غير مسبوق، يبشر بالخير ويدعو للإطمئنان في مقبل الأيام.فلننظر إلى ما يجمعنا ولا يفرقنا من أجل غد مشرق.
ومما تجدر الإشارة إليه أن تصويب الإقتصاد العراقي المُتهالك لازال حلماً بعيد المنال ربما راود الكثيرين من صنّاع القرار وأهل السياسة والإقتصاد والمواطنين كافة، ردحاً من عقود متطاولة.وإن إصلاح هيكل النفقات الرسمية للدولة ومعالجة تشوهات الإنفاق، لا بد أن يوطأ له بمقدمات دالة على صدق هذا التوجه، يأتي في صدارتها وضع الإنسان المناسب في المكان المُناسب، على ضوء إستراتيجية وطنية إصلاحية وطنية إصلاحية شاملة تطال القطاعات كافة، وفق آلية مصحوبة بثقافة المُساءلة والشفافية. وهذا يتطلب البدء بشكل حقيقي بالمُشاركة الشعبية في صناعة القرار وتحديد الأولويات الضاغطة من قبل أبناء كل مُحافظة ومدينة وقرية، وهم الأجدر على تحديد مشاكلهم وطرق علاجها. ومما تجدر الإشارة إليه هنا، أن التنمية الشاملة عن طريق الدفعة القوية( Big Push ) في بعض القطاعات أولى من لا مركزية التنمية في بعض القراءات الإقتصادية، إذا توافرت شروطها الموضوعية. ومن ثم فإن، تداعيات البعد السيكولوجي للأزمة المالية على اقتصاديات بعض الناس، قد تدفع باتجاه أن يعيش الآحاد منهم تحت وطأة العذاب والآلام والمُفاجآت غير السارة، فتجعله بائساً يائساً حزيناً، محاطاً بجو من الضغوط التي تعكرعليه صفو حياته وتثير أعصابه، مما يورث وهناً نفسياً وضعفاً جسمياً، تراه متشائماً يستقبل النهار متأففاً ويستدبره ضجراً، حتى بات الأرق يلازم أهل العصبية، مما يستدعي لهم تهافت الأفكار السوداوية وتحري القبح والسوء في صور الحياة ومظاهرها، فلا يستهويهم جمال ولا يبصروا عناصر الخير، فيكرهون المُجتمع ويكرهون نفسهم ثم يكرهون الحياة، مما يدخلهم في دوامة الأرق والقلق والإكتئاب، والذي لا جدوى معها من إستخدام مضادات الكآبة Anti Depressants، ولا الأدوية المُهدئة ولا المُنومات Sedatives & Hypnotics، ولا مُضادات العُصاب Anti Neurotics، ولا المُسكنات المخدرة وغير المُخدرة Narcotis Analgesics، ولا مضادات الدهان Anti Psychotics، ولا منبهات الجهاز العصبي المركزي C.N.S Stimulants، بكل مسمياتها التجارية وشتى تراكيبها الكيمياوية. وفي هذا إضعاف لقدرة المُجتمع على الإنتاج. ولعل من تداعيات هذا الخوف من قوى ظلامية تتسرب إلى المُجتمع بأجندات خارجية قد أحدثت خروقات وإختراقات أمنية هددت المُجتمع بتفككه ..
وهنا قد يجد أصحاب الأجندات المشبوهة في الوضع الإقتصادي، تربة خصبة لتفريخ بيوض فتنهم تحت عباءات متعددة وبمسميات مُختلفة. وهنا قد يختلط الحابل بالنابل وتعم فوضى المُصطلحات التي حذرنا منها مراراً. وهنا يُخشى مع إستمرار الوضع الإقتصادي الضاغط، إلى تزايد إنحراف بوصلة بعض الناس عل خلفية إقتصادية – إجتماعية إلى العنف والعنف المُضاد والعصبية بكل أطياف مُسمياتها. إضافة إلى بروز ثقافة غريبة مُستهجنة عن موروث قيم المُجتمع وعاداته وتقاليده، علاوةً على الحسد والحقد والكراهية نحو شريحة من المُجتمع. وفي المُقابل، وعكساً لما تقدم، فإن الوضع الإقتصادي الجيد يصب بآتجاه الإستقرار الإجتماعي والسياسي، اللذين يصبان نحو تجذير الهوية وقيم التسامح وآحترام الرأي الآخر وتعزيز الولاء والإنتماء. وبتعبير رمزي آخر، فإن الوضع الإقتصادي الجيد يبعد شبح الأمراض والعلل والشيخوخة المُبكرة، ويجعل الناس في حالة من تجدد شباب دائم، بفعل إفراز ما يمكن تسميته بهرمون (الحب والسعادة) إضافة لهرموني (Serotonin – Dopamine) اللذين في حالة الهدوء والإسترخاء يبعدان شبح تطرف إفراز هرمون (Adrenaline) الذي يشكل ديمومة تطرفه في الإفراز عن مستوياته الطبيعية، مفتاح الدخول لبوابة الأمراض النفسية والعصبية والإعتلالات الجسدية الأخرى. حيث تقوم هذه النوافل العصبية بنقل الأوامر من المركز للمحيط وبالعكس، سلباً وإيجاباً، حسب الإستجابة للمؤثرات المُحيطية. هذه قراءة تحذيرية متواضعة .. راجياً من أصحاب الضمائر الحيّة الإنتباه الى خطورة بقاء الوضع على ما هو عليه.
|
|