قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

حج الأمة وأمة الحج
قال تعالى: (وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق * ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في ايام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير * ثمّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق) الحج/27ـ29.
لبىّ هذا العام المسلمون آذان الحج متوجهين الى بيت الله الحرام ومدينة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) براً وجواً وبحراً ومن كل فج وقطر، ومن كل قارات العالم، ليؤدوا ما فرض الله عليهم من طقوس الحج واستيعاب مقاصد هذه الفريضة.
ان الله تعالى وعد المسلمين جميعا بالجزم بان لهم (منافع) ينبغي البحث عنها واستثمارها لبناء صرح حضارتهم التليدة، وان لا ينسوا ذكر الله تعالى في هذه الايام بالذات، لان الهدف من هذه المناسك خلال هذه الايام المباركة هو معرفة الله وتوحيده سبحانه وتعالى واستشعار حضوره بشكل مداوم، حينها يصل الحاج الى مستوى الانسانية الحقيقية التي طالما تنشدها المذاهب والمشارب الفكرية والسياسية وتدعيها، عبر مواساة الفقراء والضعفاء واطعام البؤساء.
ان الطواف حول البيت العتيق سبعا هو بمثابة تكريس محورية الانتماء والارتباط بالخالق المتعال باعتباره بارئ الكون وخالق الخليفة والخليقة معا وما هؤلاء الملايين من الحجيج الطائفين الاعباد لله لا فرق بين عربيهم واعجميهم او بين اسودهم وابيضهم وبين فقيرهم وغنيهم، وبين حاكمهم ومحكومهم الا بالتقوى.
ان الحجاج العراقيين في هذا العام توجهوا براحة بال صوب بيت الله الحرام، وخلافا للعام الماضي حيث تقارنت انتخابات الجمعية الوطنية وانتخابات مجالس المحافظات مع ايام تواجد الحجاج العراقيين في الديار المقدسة، الا انه في هذا الانتخابات التشريعية انهى العراقيون اختبارهم الانتخابي وذهبوا صوب الديار المقدسة براحة بال مهما كانت النتائج ولا فرق بين من كان في قافلة الحجاج من المحظوظين بالفوز بالقوائم ام الخاسرين فكلهم اصدقاء الحج في مسير واحد وصوب مصير واحد.
ولكن اذا اراد الحجاج ان يكونوا ضمن بوتقة (امة الحج) عليهم ان يتلمسوا قيم نسك فريضة الحج ومقاصدها الطيبة ومن دونها لا يمكن لـ(حج الامة) ان يؤتي ثمارا مباركة كهدية يعود بها الحاج الى اهله ووطنه.
ان العراقيين يعيشون هذه الايام سجالا بين زعماء كتلهم على آلية التوافق والتحالف بين بعضهم لتشكيل حكومة وطنية عراقية نرجو ان يخرجوا بحل عادل مرض للجميع، وكذلك امام اختبار آخر واستحقاق انتخابي مهم لاختيار اعضاء لمجالس المحافظات يتحاشى الاخطاء التي وقعت في الانتخابات التشريعية السابقة في 15/12/2005.
ان الانتخابات الماضية كانت مفاجئة من (نوع آخر) حيث غلب عليها الاندفاع والهياج العاطفي الذي طالما تحتاجه امتنا لتعبئة الساحة الجماهيرية صوب هدف مصيري لاسيما صوب صناديق الاقتراع، الا انه لابد من تحاشي سلبيات هذا الاندفاع العاطفي وتوظيفه ضد قوائم انتخابية تحمل اسماء كوكبة طيبة من الاخوة النزيهيين والمخلصين.
لقد وظف بعض الاخوة في الانتخابات السابقة العامل الديني ـ وطالما نحن نحتاج اليه ـ ضد قوائم انتخابية مؤمنة وهذا ما تعارضه القيم الدينية، وحمل (رايات التحذير) مما يسمى بتشتيت الاصوات وتخويف الناس من القوائم ما يسمى بالفردية والعشائرية والمحلية والضعيفة و.. في الوقت الذي تشجع قيمنا الدينية وكذلك الدستور العراقي وقانون الانتخابات للمشاركة من قبل الجميع بحثا عن الأنزه والاكفأ والاتقى.
ان استغلال العامل الديني في ليس محله وضد (الآخر) هو ما تأباه قيم الشريعة وقيم الحج.. نرجوا ان تكون انتخاباتنا بعيدة عن التسربل بسربال الدين، بل تكون الصقت بروح ولباب الدين، وإلاّ سوف نقع في فخ الدفاع عن قائمة الحكام الانتخابية فقط لا المحكومين، او سوف يشملنا قول المعصوم (ع) عند بيت الله العتيق "ما اكثر الضجيج وأقل الحجيج"!