قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

سياسيون لا يقرأون التأريخ كما يجب!!
علي حسين عبيد
التأريخ مدرسة لا أحد يستطيع غلق أبوابها، مدرسة تتضخم مع مرور الزمن، لتقدم تجارب متنوعة ومتناقضة، وتعطي دروسا مجانية للجميع، للبسطاء من الناس والعظماء منهم، ولكن هناك من يسعى ويبحث عن هذه الدروس، ويحاول أن يهضمها بطريقة صحيحة، ثم يوظفها لصالح أهدافه، وهناك من يغض الطرف عنها، أو يتحاشاها، أو يهملها، نتيجة لانشغاله بالمنافع الآنية التي تعمي البصائر والابصار، فتراه موغلا في المتع، والملذات، والبحث عن المال، والقوة، والجاه، والنفوذ، غافلا أو متغافلا عن دروس التأريخ، من دون أن يعلم أنه بإهماله هذا إنما يعجّل بنهايته، بل يرسم بيديه لنفسه نهاية لا يتوقعها ولا يتمناها في آن.
السياسيون العرب ومن ضمنهم العراقيون بطبيعة الحال، قد يختلفون عن غيرهم من ساسة العالم، فهم إما يعطون ظهورهم لمدرسة التأريخ، وبذلك يخسرون الفنار الذي يسترشدون به الى نتائج محمودة، لذا تراهم ينتهون الى نهايات لا تسرهم ولا تُفرح عوائلهم أو أصدقاءهم، وثمة منهم مَن يقرأ التأريخ، ولكنه لا يستوعبه بالطريقة المطلوبة، ولا تصل إليه عصارة الدروس أو لبّها، وبذا فهؤلاء لا يختلفون عن أولئك الذين أهملوا التأريخ، فالطرفان لم يتعاملا مع هذه المدرسة العظيمة بما تستحقها من إهتمام كبير، ولم يستطيعا أن يعرفا قيمة التأريخ كما يجب أن تُعرَف وتُفهم.
السياسي كما نتفق، مهني يريد أن يبني حاضره ومستقبله، من خلال الميدان العملي الذي يتحرك فيه قائدا أو مساعدا، فهو لا يختلف عن الطبيب أو الميكانيكي أو الفنان من حيث كونه مهنيا عاملا، فهؤلاء وغيرهم يسعون بجد لبناء حاضر ومستقبل، يساعدهم على التميّز والنجاح، ويرغبون أن ينعكس هذا النجاح على أبنائهم وبناتهم وعوائلهم، لكن هناك فرصة مجد كبرى قد تتحقق للسياسي، من دون أن تتحقق للمهن الأدنى في المسؤولية، وبهذا لابد للسياسي أن يبدأ صحيحا، ويستمر صحيحا، ليتطور وينمو ويقوى وينتهي صحيحا، والنهاية هنا قد تتمثل برحيله عن الحياة، أو اعتزاله للعمل السياسي، لهذا السبب او ذاك كما حصل مع (نلسن ماندلا) لكن مجده سيظل شاخصا ومحفورا في ذاكرة التأريخ حاضرا ومستقبلا.
لا نعرف تحديدا لماذا لا يهتم السياسيون بالتأريخ، وحتى لو قرأوه ونهلوا منه دروسا وتجارب كثيرة ومتناقضة، فنحن لا نعرف ايضا لماذا لم يستفيدوا منها، كل الدلائل تشير الى أن السياسي العربي أحد اثنين، أما لا يقرأ التأريخ، وأما يقرأه ولا يعتبر به، وكلا النتيجتين واحدة، وما يدفع الى هذا الاستنتاج، طبيعة الانظمة السياسية التي لا تريد أن تفهم بأن عصر القمع قد ولّى الى الابد، وأن العصر الراهن والعصور القادمة لا تتسق معها سوى أجواء الحرية، والديمقراطية، والتنوّع، والقبول بالآخر، واحترام الآراء كلها.
جميع السياسيين الذين أهملوا التأريخ، أو نظروا في تجاربه ولم يأخذوا بها، انتهوا الى مستنقع الطغيان، ثم الى عار الخلع أو القصاص الذي يليق بالطغاة، أولئك جميعا غاصوا حد النخاع في الدفاع عن عروشهم ومناصبهم، واستماتوا من اجل البقاء يوما آخر، وسرقوا أموال الشعوب وحوَّلوها الى ارصدة في بنوك الخارج او الداخل، مع منتجعات وفلل فارهة، ويخوت، ومزارع، وشركات كلها جاءت من دماء الشعب، وعلى حساب لقمة عيشه، وكل الشواهد الراهنة تشير الى مليارات الدولارات التي سرقها مَن خُلِع من عرشه (مبارك واولاده وزوجته ورموز نظامه، وزين وزوجته) أو القذافي الذي سيُخلَع من عرشه وابنه سيف الاسلام حيث تناقلت الاخبار تهريب مليارات الدولارات عبر الحدود في ثمان سيارات مصفحة، هؤلاء حتما أغفلوا التأريخ فحلّت بهم هذه النهايات التي يستحقونها لا ريب.والمشكلة أن الآخرين من الساسة (ممن يستقرون الآن على عروشهم ومناصبهم) حتى بعد هذه الدروس الآنية الساخنة والقاسية في آن، لم يتنبّهوا بصورة حقيقية لما ستؤول إليه سلطاتهم، إنهم في انشغال بحماية السلطة بالحديد والنار، وهم في انشغال منقطع النظير بمواصلة النهب والسلب والتجاوز على أموال الفقراء وسواهم، إنهم بدأوا بدايات خاطئة وواصلوا سلطانهم بطرق خاطئة، ولا يزالون يمارسون مسؤولياتهم بطريقة خاطئة أيضا، تٌرى ماذا سيتوقعون بشأن النتائج أو بخصوص نهاياتهم ؟ وهل ستختلف عمّن سبقهم؟.
على ساسة العرب ومنهم العراقيين بطبيعة الحال، ممن لم يفتهم أوان التصحيح بعد، أن يقرأوا التأريخ ويهضموه ويطبقوه بصورة جدية شكلا وجوهرا، لإنهم حتما يرغبون بالنجاح وبالمجد، ومؤكد أنهم لا يرغبون بالنتائج التي سبقهم إليها سياسيون أغفلوا تجارب التأريخ وسقطوا في مستنقعات المنافع واللذائذ الفردية والطغيان!