قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

المثقف والسلطة
إيمان شمس الدين
عندما نسلط الضوء على الأدوات التي تستخدمها السلطات والأنظمة المستبدة في تقويض الثورات التي هبت رياحها وعواصفها على المنطقة، فأن المثقف كان إحدى أدوات هذه الأنظمة في تقويض العلاقة ما بينه وبين الناس من خلال تناقضه مع ما كان يطرحه من أفكار ثورية اصلاحية وتغييرية ووظيفية على كل المستويات، خاصة في ما يتعلق بالدولة والسلطة والمجتمع، مما ينعكس على عدم إيمان الناس به، وبالتالي تسقط أفكاره كقيمة لها وزنها في ذهنية الناس.
ورغم أن وظيفتنا على المستوى الفكري أن ننظر لما قيل وليس لمن قال، بيد أن الناس في ذهنيتهم ترتبط الفكرة بصاحبها ولا ينفصل الفعل عن الفاعل، لذلك يشكل المثقف في فكره مرجعية ملهمة للجماهير، خاصة إذا تماهى مع ما يتبناه من أفكار يجسدها في الواقع العملي وفي الظروف التي تتطلب منه ذلك.
ولعل الثورات الأخيرة كشفت الكثير من مثقفي السلطة، حيث لمسنا قبول بعضهم لمناصب حكومية في سلطة الاستبداد التي استخدمتهم كواجهة للاصلاح القشري الاسترضائي الترقيعي، كما حدث في مصر قبل سقوط النظام السابق، وبعضهم أصلا كان في السلطة بهدف الاصلاح من الداخل أو تم تقريبه لاسترضائه، لكن تحت واجهة الاصلاح من الداخل، بيد أنه أيضا حفاظا على منصبه سقط في اختبارات الثورة وكان الاداة التي ضربت صروح ونخب الثورة الفكرية والثقافية واليد الطولى التي عاقبتهم وأحكمت حبال الموت حول أعناقهم، كما حدث في اليمن وتونس والبحرين وليبيا وسوريا.
إن المثقف يفترض أن يمتلك من الوعي ما يستطيع أن يميز به عصره وزمانه ومتطلبات المجتمع من نقاط ضعف وقوة وله القدرة على تشخيص الخلل الاجتماعي ووضع الحلول الواقعية لها.
يقف المثقف الحقيقي دوما مع الحقيقة والمطالب الحقة للناس، وينطلق من رحم حاجات الناس وآهاتهم ليبني لهم جسورا للأمل والحياة لا سجونا للموت، والثقافة لا تعني أبدا الشهادة الأكاديمية، فكم من أكاديمي لم تزده شهادته إلا رجعية وتقوقعا على الذات، وما أعنيه بالمثقف هو ذلك الإنسان الذي استشعر المسؤولية الحقيقية تجاه مجتمعه وعاش همومه وشخّص مشاكله واستشعر حاجاته ونهض بها حتى لو على حساب ذاته ومصالحه، بل هو لا ذات له ولا وجود، لأن كل أولوياته الاصلاح والسعي لسعادة الإنسان، من دون النظر إلى طائفته أو مذهبه أو اي انتماء له سوى انتماء الانسانية.
إن مثقف السلطة ـ إن صح التعبير ـ هو الذي استخدم ثقافته أداة لتحقيق مصالحه على رقاب ناسه وأهله ومجتمعه، وكان أداة سلسة في يد السلطة التي هدمت به جسور التواصل بين الناس وفكر المثقف، خاصة الذي يتعلق بالسلطة والدولة والمجتمع، وربما ندعي أنها نجحت ـ إلى حد بعيد ـ في ذلك.