من يُعلّق الجرس؟
|
محمد علي
هناك حقيقة مهمة ينبغي الالتفات إليها دائماً إذا ما أردنا أن نعمل على ترسيخ الاستقرار الاجتماعي والسياسي والأمني والاقتصادي، وهي أن وصول الناس إلى حالة الإحباط وقلة الحيلة لا يخدم الاستقرار بأي حال من الأحوال، ومن هذا المنطلق تعمل الأنظمة السياسية ودوائر القرار في المجتمعات المتقدمة على تحفيز مجتمعاتها بشكل دائم واستنهاض همم الناس حتى يرتفع مستوى التطلعات والطموحات فينشغل المجتمع بما هو أفضل وينطلق الناس في آفاق المعرفة والإبداع على كل صعيد، ولكن هذا العمل ليس من السهل تحقيقه ما لم تتوفر رؤية سياسية تعمل على استيعاب الناس في النظام العام وفي ذلك يقول هنري فورد "يكمن سر النجاح في القدرة على استيعاب وجهة نظر الشخص الآخر ورؤية الأشياء من الزاوية التي يراها هو بالإضافة إلى الزاوية التي تراها أنت".
إن ميزة أي نظام سياسي ليس في وجود الإطارات والواجهات السياسية بقدر ما يكمن الامتياز في فاعلية هذه الإطارات والواجهات وقدرتها على التعبير عن نفسها بشكل صائب ومفيد ولذلك قد لا يجد المتابع فروقاً في المسميات بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة فيما يرتبط بتشكيل الأنظمة السياسية ولكن الفارق واضح في الانجاز والعمل على أرض الواقع، فقد يكون من السهل أن تتحدث عن وجود السلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية في الدول المتخلفة ولكنك لن تجد لهذه السلطات حضوراً فاعلاً نتيجة للتداخل وعدم الفصل بين هذه السلطات عملياً وقد تجد دساتيراً مكتوبة وموثقة لكن من الصعب أن تجد للكثير من بنودها تطبيقاً على الصعيد العملي حيث تتعطل في محطات كثيرة خاصة عندما يرتبط الأمر بحقوق الناس، فقد تتحدث بعض المواد عن أن الناس أو "الشعب" هو مصدر السلطات جميعاً أو المادة التي تقول أن لكل مواطن الحق في السكن وأن كل مواطن محترم في نفسه ورأيه وهكذا ولكنك سوف تجد أن هذه المواد هي مجرد عناوين وعبارات لا تغني المواطن شيئاً بل وربما أن القانون الذي وضع لحماية المواطن قد يتحول بقدرة قادر إلى ضده وهذا ما يفسر الفارق الكبير بين ما وصلت إليه الدول المتقدمة وبيننا حيث أننا بقينا نراوح مكاننا.
إننا بحاجة إلى تغيير جذري في أنماط التفكير الجامدة والخروج من دائرة الخوف من الآخر، وخاصة أن كان هذا الآخر هم الناس الذين لا يمكن الاستغناء عنهم أو تجاوزهم لأنهم ببساطة هم الرأسمال الحقيقي للأوطان وهم الأرضية لأية انطلاقة نحو تحقيق التنمية والنهوض الحضاري وهذا التغيير يستدعي تغييراً في السلوك السياسي والثقافي والإعلامي وبناء نظام سياسي يستطيع أن يكون قوة جاذبة ومحفزة للطاقات وليس قوة منفرة أو ضاغطة أو محبطة.
إن من يتابع العملية السياسية في بلادنا يراها اليوم بلا أفق واضح والحقائق تتحدث عن نفسها بكل وضوح ومن دون مبالغات أو مزايدات فمع وجود إطارات كالحكومة والمجلس النيابي ومجالس المحافظات والمجالس البلدية وماشابه ذلك، التي من المفترض أنها أتت لكي تعبر عن الناس إلا أن المراقب للساحة السياسية يرى أن الانجازات -إن وجدت- لا تساوي مقدار ما يصرف على هذه الإطارات من أموال وميزانيات ضخمة ومزايا لا حصر لها فضلاً عن عن أن الكثير من أمثال هذه الاطارات بقيت مجرد واجهات ربما لا توازي مقدار ما يصرف عليها من أموال.
إن فشل الناس في التغيير والاصلاح سواء عبروا عن أنفسهم بما هو متاح لهم ومشروع بالاحتجاج أم التنديد أم الشكوى أم من خلال دخولهم في إطارات فارغة المحتوى وفاقدة للقدرة على الانجاز، إن هذا الفشل حاصل مهما حاول البعض إن يغطيه أو "يجّمله" بعبارات، ولا يكمن الخوف منه كفشل مجرد بل الخوف أن يتحول ذلك إلى إحباط يدفع الناس باتجاه عواقب غير معروفة وقد تكون غير محمودة، وهو ما يستدعي النظر في مراجعة الحسابات بشكل أكثر جدية وصدقية من أجل القيام بتغييرات جذرية وسريعة.. ولكن السؤال المطروح هنا هو من يعلق الجرس؟. والله من وراء القصد.
|
|