المرأة البحرينية.. داينمو الثورة
|
خولة القزويني
عندما يغتصب الحق وتقمع الحريّة ويُنتهك العرض لن يقف الإنسان الحرّ مسلوب الإرادة متوارياً خلف جدران الخوف بل ينتفض على الظلم ويحطم القيد ليستردّ كرامته. وفي البحرين الجريحة انتهاكات فظيعة يندى لها جبين الإنسانية واستنزاف يومي لدماء الشعب المظلوم يحدث على مرأى ومسمع العالم دون أي حراك فعلي وحازم لإنقاذه من قبضة الاحتلال الغاشم، فالمؤامرة المحبوكة لإبادة هذا الشعب واستئصال جذوره بدت واضحة وصريحة لكل انسان حر شريف.
وعلى هامش الثورة يستوقفني نضال المرأة البحرينية التي وثّقت تاريخاً مشرّفاً في صناعة الأحداث، فهي نموذج في الصبر على البلاء، تحدّت لغة الرصاص والعنف بإرادة من حديد فقد انسلخت عن ثوب الدّعة والسكون وانطلقت إلى الميدان إلى جنب أخيها الرجل في انسجام كامل في الهدف والرؤى، إنها النخلة الشامخة بالعزّ الإباء قد تعبّأت واستعدّت لهذا الحراك عبر مسافات زمنية بعيدة قاست فيها من ظلم السلطة واستبدادها الباطش، فلم تقف مكتوفة الأيدي عاجزة، متذرّعة بالضعف متعللة بالخوف بل مضت على طريق الحق تقدم القرابين صاغرة لإرادة الله مذعنة لشريعته تمارس دورها الجهادي على مختلف الميادين، فهي المثقفة التي ترشد المجتمع عبر القلم والخطابة والأدب وهي المعلمة الناصحة والطالبة الواعية والطبيبة المخلصة التي استرخصت الدم والروح من أجل الوطن ، ووثبت تلك المرأة بشجاعة كي تنهض بمجتمعها فينفض عنه الخضوع والاذلال ، وقد برهنت على حضورها الفعّال في حراكها الفوري واستعدادها الكبير لمواجهة الباطل فدفعت أولادها إلى التصدّي وتناغمت مع الرجال في قناعاتها بآليات الثورة وأبعادها الإنسانية السليمة، فالشعارات قد لامست هموم الواقع وكانت عنواناً لثقافة وسطية وحدوية ترفض التطرف والمذهبية كندائها : (أخوان سنّة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه) و(سلمية، سلمية).
قدّمت رجالها طعماً لمحرقة الحق والعدل سواء كان زوجاً ,أبا ,أخاً أو ابناً، وتصاعد الصراع القائم على تراب البحرين ليأخذ بعداً خطيراً حيث مسّت يد الظالمين الآثمة مساجد الله عزّ وجل وكتابه والحسينيات وقمعت الشعائر وهدّمت بعض الأضرحة ونبشت قبور الصالحين فتنمّرت النساء الغيورات على دين الله وانطلقن إلى الشوارع والقرى ليحرّضن الرجال على الثبات والتصبر والصمود والاستمرار في التظاهر بالرغم من همجية وسائل القمع المحرمة دولياً كالرصاص الحي والشوزن والغازات السامّة.
صوتها الأبي يستصرخ الضمائر الميتة ويذكرنا يصرخة العقيلة زينب (ع) وهي تقرّع الطاغية يزيد وتستصغر قدره فصاحت عبر الفضائيات المفتوحة على العالم :(نساؤنا رجال ورجالنا أسود). الإرادة الباسلة التي تشمخ برغم الآلة القمعية والرصاص تفضح انهزامية النظام وعجزه أمام الإصرار والشجاعة، وقد شاهد العالم أصنافاً وشرائح من نساء البحرين كان لهن اليد الطولى في انتصار الموقف الثابت والممنهج بالقرآن الكريم في دعوته الى الاعتصام بحبل الله أمام سياسة فرق تسد التي يكرسها الطغاة للتعتيم على مطالب الشعب في الاصلاحات المشروعة وعندما لامس النظام عناد الشعب وإصراره على الثورة قام باقتحام المنازل بوحشية وقسوة فتعرّض إلى النساء ليستفز غيرة الرجال ويرغمهم على التراجع والاستسلام ، فلم يثني عزمهن عن مواصلة الجهاد وفضح همجية النظام وسوقية الاحتلال الذي عاث في أرض البحرين ظلماً وفساداً. ولهذا تم اعتقال عشرات النساء وعلى رأسهن الشاعرة البطلة (آيات القرمزي) التي ألّقت قصيدتها الشهيرة في دوّار اللؤلؤة حيث انتقدت الحاكم نقداً لاذعاً من خلال مناظرة مقترحة بينه وبين الشيطان مما دفع قوات الأمن إلى مداهمة بيتها وتهديد أفراد أسرتها حتى تمّ اعتقالها، وتذكر المصادر أنها تعرّضت إلى أبشع أنواع التعذيب. ولم تسلم الطبيبات والممرضات من سعار الاعتقال الذي نهش الجسد البحريني فهتك حرمته. السجون تئنّ بآهات النساء المظلومات اللاتي تعرّضن إلى المهانة .. والتعذيب، منهن الحوامل وطالبات المدارس والجامعات، كل جريرتهن أنهن صاحبات حق ومدافعات عنه.
وبرغم الجراح والألم تستمر المرأة البحرينية في مسيرتها الثورية وهي تحمل كتاب الله عز وجل لتحاجج به أزلام النظام فهو نهجها، طريقها، شريعتها، والقاعدة التي انطلقت منها كي تستردّ حقوقها.
مشهد الصراع في البحرين بين الحق والباطل أعاد الذاكرة إلى فجر الإسلام وانطلاقة الدعوة وكيف طارد أشباح مكة أتباع محمد صلى الله عليه وآله وسلم نساءً ورجالاً وصرخة التكبير حين يعذّب عمّار وتعذّب أمه سمية، هي ذات الصرخة فوق قباب البحرين، استغاثة عقائدية تفصل طرفي النزاع وتبرهن أن الحقّ بيّن والباطل بيّن، فالأحرار يكبّرون الله والمحتلّ يكبّر رموز الطغيان وبين هذا وذاك بون من الجنة إلى النار. ومن المؤسف أن تقف المنظمات الحقوقية للمرأة في العالم العربي والغربي موقف الصمت البليد والتجاهل الفج وتزعم أنها تناضل من أجل حق المرأة السياسي وتتصدّى لمشكلة العنف الذي تتعرض له المرأة في جميع بلدان العالم نراها اليوم أعجز من أن تصدر بياناً تشجب فيه الممارسات القمعية في حق المرأة البحرينية التي تعنّف بشكل وحشي وظالم، فقد سقطت الأقنعة وانفضحت النوايا وما من سبيل إلا الله عزّ وجل هو من ينصر عبده ويسدّد دربه حتى الخلاص. فالشعب البحريني يغيّب ككيان وينتهك تحت عناوين تُفبرِكُ الحقائق وتبرّر الإجرام، فالظلم الذي تتعرض له النساء في البحرين فاق التوقع والاحتمال، المعتقلات الدموية وغياهب السجون تصرخ ليل نهار :(ألا هل من ناصر ينصرنا؟).
المرأة البحرينية تلك المرأة الطيبة الحنون، الساكنة سكون الملائكة، الوديعة وداعة حمام الصوامع حينما يغتصب حقّها ويختل ميزان العدل تتحول إلى جمرة لا تداس وقوة لا تقاس تتلفع بعلم الوطن وتثب إلى الميدان كنمرة شرسة تنازع الخصم بقوة الاعصار تريق دمها الطاهر فوق ثرى الكرامة حبا وكرامة ، يساورها حلم الشهادة في سبيل الله وتمنّت كالشهيدة (بهية العرادي) فحققت شرف العزة والكرامة. في البحرين الجريحة مزيد من الفدائيات الثائرات على نهج زينب والزهراء (ع) أطأطأ لمواقفهن البطولية هامتي اجلالا واكبارا. هن الرمز وهن القدوة .
|
|