المرثية الحسينية في شعر (مظهر اطيمش) .. الرؤية والمحور
|
*علي حسين يوسف
أبا الشهداء يا من قد تربّى
بحجر محمدٍ نلت المرادا
فللحق الصراح بذلت نفساً
زكت اصلاً كما طابت جهادا
ولما لم تجد إلاّ المنايا
لمحقِ الظلم أرخصت الفؤادا
في ديوان الشاعر مظهر اطيمش (اصداء الحياة) وتحديدا في القسم الاول منه الذي أسماه (نفح الخلود) نجد صوتا قد اتخذ مسارا مغايرا لمسار القصيدة التقليدية البكائية المعروفة في مراثي الامام الحسين عليه السلام، فالشاعر يتخذ محورا من محاور الثورة الحسينية المعطاء، عماده رؤيته وايمانه بشخصية الامام الحسين عليه السلام التي لا بد ان تكون ملهماً لشعب ينشد استقلاله ليعيش برفاهية وسلام، حتى اصبحت هذه الرؤية سمة واضحة في شعره، فهو يقرن تطبيق مبادئ الثورة الحسينية بكمال الامة لكنه يبدي اسفه لحالها بعد أن اهملت خُطى سيد الشهداء. وفي الحقيقة ان محاور االرثاء الحسيني بدأت تتعدد في تلك الفترة - أي خمسينيات القرن الماضي - بقدر تعدد احداث الطف وتعدد اطرافها وتفاصيلها فما من حدث كان كبيرا او صغيرا إلا كان مادة فنية صالحة لخلق صورة معبرة ومجسدة لواقع حال ذلك الحدث لذا فقد كانت مراثي الحسين سجلا حافلا بالصور المجسدة لكل ما جرى في معركة الطف، وان كانت تلك المعركة اكبر من ان تستوعب في معنى لفظي ذي ابعاد محدودة واعظم من ان تقاس بمقياس بشري و قد استمد الشاعر مظهر اطيمش من هذه الواقعة المبادئ العظيمة التي جسدها سيد الشهداء في كربلاء فيبدي رؤيته عن الهدف النبيل الذي قام من اجله سيد الشهداء يقول:
انها ذكرى تسامت
بالأبا معنى ومبنى
انها ذكرى صراع
هدّ للطغيان حصنا
انها ذكرى حُماةٍ
لهم الاعناق تُحنى
فهذه الابيات تدل بوضوح على رؤية الشاعر تجاه قضية الحسين والتمسك بمبادئها السامية، ثم يبدي اسفه لتهاون الأمة في تطبيق هذه المبادئ فيقول متحسرا:
آهٍ لو إنا رشفنا
من لُماها و ارتوينا
وتنسمنا الشذى العُلوي منها ونشقنا
لبلغنا ذروة المجد
وبالتخليد فزنا
وعلى العالم طُراً
قصب السبق لحزنا
فالشاعر يؤكد ان ما يوجد من سلبيات يمكن ان يعزى الى إهمال دروس الثورة الحسينية. وقد جمع الشاعر بين الشكوى والتحسر على ما وصل اليه واقع الامة جراء اهمالها لتلك الثورة العظيمة التي لم يستثمرها ابناء العصر من اجل بناء مجتمع مثالي:
كم لنا فيها عظاتٌ
ليتنا فيها اتّعظنا
وترسّمنا طريقا
خطه السبطُ إلينا
لعرفنا كيف نبني
وطنا فيه خُلقنا
وعلمنا كيف نُنشي
أمة المجد لنهنا
فالشاعر يحاول ان يشخص الداء وهو عنده يتمثل بالابتعاد عن منهج الثورة الحسينية فهو ينظر للواقع العراقي آنذاك بعيون نقدية من خلال تشخيصه لما يعاني منه المجتمع ومن خلال الشكوى واستنهاض الامة فانه حريص على سلامة المجتمع حرصا نابعا من عقيدة راسخة وايمان مطلق بأن ثورة الامام الحسين عليه السلام تمثل المعادل الموضوعي لرسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله السامية حينما صدح بأمر الله بتحرير الانسان من العبودية والقهر ونبذ الاصنام يقول:
أ سليل بيت لا يزال كتابهم
سفراً جليلا للبرية هاديا
أبقيت للاجيال درساً خالداً
مازال فيه فم الاعاصر شاديا
فمع الحسين يكتسب الوجود معناه، والايمان بقضيته يعني العيش من اجل تلك القضية والموت في سبيلها، وهل أحق من قضية الحسين عليه السلام قضية...؟
يا مصحراً نحو العراق وملقيا
في الطف امراساً له ومراسيا
لولا الفضيلة ماهجرت مواطناً
شرفت بأحمد مربعاً ومغانيا
بأغالب شُمّ الانوف تملكوا
ما في الحياة مفاخراً ومعاليا
فتواكبوا للمجد يدفع بعضهم
بعضا وقد جعلوا الخلود أمانيا
ومضوا كراما طيبين وخلّفوا
ذكرا حميدا بالبطولة ناديا
هم صفوة الله التي أوحى لها
وبخلقها نطق الكتاب مباهيا
وجاء الشاعر بلفظة (الشهادة) مفعمة بوصفها احدى الالفاظ المشحونة بالدلالات الموحية فكان (الموت) في واقعة الطف يعني الشهادة بأسمى معانيها وانبل غاياتها، فحقق قيمة فنية وتاريخية تتفق مع مبادئه الاسلامية، فالشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، فضلا عن الابتعاد عن الصفة التقريرية للفظة (الموت)، ثم ان لفظة الشهادة تشير الى عدالة قضية الامام الحسين ومشروعيتها في النهوض ضد الكفر والانحراف الاموي يقول:
أبا الشهداء يا سبط النبي
ويا أرج الفضائل من علي
ويا نفح البتول ويا شذاها
واشعاع المفاخر من لوي
ويا ابن الطيبين من الاوالي
أناروا للورى سبل الرقي
.....
صريع الحق يا بطلا كمياً
تحدى كل جبار بغي
لتبلغها دروسا واضحات
الى الاجيال من دمك الزكي
دروسا بالفضائل زاخرات
وبالايثار والخلق العلي
فالصفات التي اطلقها الشاعر على الامام الحسين عليه السلام لم تكن للمديح بقدر كونها اثباتا لحقانية مبادئه المستندة الى نبي الاسلام صلى الله عليه وآله والامام علي عليه السلام وسيدة نساء العالمين عليها السلام:
نصير الحق يا عضباً صقيلا
لعشاق الرذيلة قد أبادا
ونورا حاولوا ان يطفئوه
ويأبى الله - فازداد اتقادا
نهضت لشرعة الاسلام لما
بها عاثت بنو حرب فسادا
فالرسالة السماوية تستوجب ان يتصدى الامام الحسين عليه السلام وهو الوريث الشرعي للرسول صلى الله عليه وآله، لذلك الانحراف لكي يحافظ على مبادئ الرسالة الخالدة، فكانت ثورته مقومة للاسلام من الاعوجاج الاموي وتنبيه الناس الى الواقع الفاسد الذي آلت اليه الامة في عهد يزيد منتجع الرذائل وبؤرة الانحراف فيصفه الشاعر بقوله:
تلفّع بالرذائل مستسيغا
لها طعما فزاد بها اعتدادا
يعبّ من الخمور وكل فرد
يكابد من معيشته جهادا
ويبعث بالكواعب محصنات
ولم يخش اتعاظا وانتقادا
فكانت واقعة الطف وكانت وقفة الحسين عليه السلام الخالدة التي زعزعت عروش الامويين وقوضت آمالهم الدنيئة
شهيد الطف قد زعزت عرشا
لآل اميةٍ فغدا بدادا
وآبوا بعد قتلك بالمخازي
مخلّدة كما ساؤوا معادا
ثللت عروشهم وبنيت مجداً
على رغم العدى زاد امتدادا
ابا الاطهار قد خلّدت سفرا
دم الانصار كان له مدادا
وللاجيال قد اعطيت درسا
فلو فهموه ماعدموا الرشادا
* مظهر اطيمش: مظهر عبد النبي مهدي محمد حسين محمد أحمد اطيمش ولد في قضاء الشطرة – محافظة الناصرية عام 1907 تخرج من دار المعلمين فعمل معلما في الشطرة والنجف وكربلاء. توفي 1972 ترجمته في:
1ـ معجم رجال الفكر والادب في النجف ص38
2ـ معجم الشعراء العراقيين ص398
3ـ موسوعة اعلام العراق في القرن العشرين ج2 ص223
|
|