الثقافة وسقف الحريات
|
إيمان شمس الدين
الحرية غاية من غايات الوجود الإنساني على الأرض، إلا أنها كمفهوم كلي يتفق عليه الجميع، ويقر به كل بني النوع الإنساني، ويتوق لتحقيقها، لكن منطلقات هذا المفهوم الفلسفية تختلف من ثقافة إلى ثقافة، وتحديد مصاديقها الخارجية، كذلك يعتمد على البناء الفلسفي والفكري للمفهوم.
فالمبدأ القرآني القائل في حديثه مع أهل الكتاب للاجتماع على كلمة سواء، وهي عدم اتخاذ بعضنا بعضا أربابا، لهو مبدأ صارخ في رفع سقف الحريات البشرية وتحريرها من كل قيد مادي، يحكم السيطرة على العقل والفكر، ومن ثم يعرقل مسيرة الابداع والتطور، بما يعطي للإنسان الحق في رفض الاستبداد، ورفع سقف حريته بما يتناسب وإنسانيته وكرامة آدميته.فالربوبية تعنى بتدبير الشأن، سواء كان شأنا خاصا فرديا أو شأنا عاما اجتماعيا، ويندرج تحت كلمة الشأن كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، بحيث يرفض المبدأ أن يتسلط أحد على أحد في تدبير شؤونه، ويسلبه حقه في إعمال عقله وفكره وإرادته واختياره.فوضع لذلك أسسا، ومعايير بعضها مستمدة من الشريعة كثوابت، وبعضها تعتمد على اجماع العقلاء، بما يتناسب والزمان والمكان.
لذلك كلما ارتفع منسوب التحرر من سلطة الغير الخارجة عن ثوابت الشرع التي تعزز من مقاصد الشريعة في حفظ كرامة الانسان، بالارتقاء بمستوى تحرره من القيود والأغلال والمعايير والأسس المجمع عليها عقلائيا، كلما تحرر الانسان عقلا وفكرا وابداعا، ونمت ثقافته تراكميا، وانعكست على بنائه الحضاري والعكس بالعكس.فنجد تميزا في الابداع بين دول وأخرى، والذي يعود أصلا إلى سقف حريات الشعوب في تلك الدول، والذي ينعكس على مستوى ثقافتها، ولا نعني هنا فقط الابداع المادي، بل الابداع المادي والمعنوي.فالاستبداد مرفوض، لأن مخرجاته تقتل الانسان وتتدنى بثقافته وتؤثر تاليا في مسارات التنمية والتقدم في الدولة، وتحول اهتمامات الشعوب من حالة الرقابة والتطوير والابداع إلى حالة السعي وراء العيش اليومي.
فنحن نعيش اليوم مخاضات التحرر من ربوبية الغير، وجدل تحرر إرادتنا وعقولنا من هيمنة الغير، لتتحرر بذلك عقولنا وأفكارنا لنرتقي بثقافتنا إلى فضاءات نمتلك فيها نحن كشعوب زمام المبادرة وحق المشاركة في القرار. وقد يمارس ربوبية السلب والقمع والاستبداد، الأب أو الزوج في الأسرة، وقد يمارسه نظام حاكم على شعبه، وقد يمارسه حزب على قاعدته. وهكذا، فكلما ارتفع سقف حريتنا، وتخلصنا من ربوبية الغير الخارجة عن أسس ومقاصد الشرع ومعايير العقلاء الزمانية والمكانية، كلما ارتقت ثقافتنا وتراكمت معرفتنا وتحولت إلى رؤى ومشاريع نهضوية، تدفع مسيرة التنمية والتقدم وترسخ ثقافة الاكتفاء الذاتي والاعتزاز بالنفس ورفض ربوبية الآخرين.
كلمة أخيرة: أنت حر حرية مسؤولة وفق أسس الشرع ومعايير العقلاء، إذن أنت إنسان تفكر وتبدع وتنهض بالأرض.
|
|