قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الوحدة .. سبيل المسلمين للخروج من نفق التبعية والتخلف
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *باسم عبد الخالق
لماذا تخشى القوى الكبرى من تقارب الدول الاسلامية وسعيها للتلاحم في أكثر من صعيد؟ وما الاضرار التي تتكبدها من وجود تحالفات واتفاقيات تكون قريبة من الاندماج والوحدة الجمركية أو الاقتصادية او الثقافية أو غير ذلك؟
انه سؤال جديد – قديم، فقد تداولت الألسن المقولة الشهيرة (فرّق تسد) التي عُدت شعار بريطانيا أيام الاستعمار، لكن من يقول باستنفاذ اغراض هذا الشعار اذا سلّمنا بنهاية عصر الاستعمار؟
لم يتغير شيء من واقع الصراع المرير بين قوى (الاستعمار) والتي اليوم ترتدي رداء الاستكبار، وبين الشعوب الاسلامية، فالخلفية التاريخية السوداء والأطماع والكره الشديد للاسلام، قائم على حاله، فيما الاسلام قائم وموجود بكل تعاليمه وقيمه وظواهره مع تفاوت النسب بين شعب وآخر في ا لالتزام والتجسيد الكامل، وبمجرد ان يلتقي المسلمون في مناسبة مثل موسم الحج أو في الزيارات المليونية الى كربلاء المقدسة، نجد ينابيع الحنين تفيض بالشوق الى التقارب وتبادل الافكار وحتى الهموم في مسعى لحلها.
إن أول مشكلة تعترض التقارب والتلاحم فيما بين المسلمين هي الحدود، وهو ما أرسى دعائمه الاستعمار وهي خطوة استباقية وذكية لضمان تقييد الشعوب الاسلامية وحصرها بين حدودها تحت مسميات مختلفة. ومن يستقرئ التاريخ يجد ان أهم عامل لتقدم المسلمين علمياً وحضارياً، هو وجود الدولة الاسلامية الواحدة المترامية الأطراف، حدودها الى تخوم الصين شرقاً والى تخوم الافرنج شمالاً والى أدغال افريقيا جنوباً، فكان العالم الافغاني يدرس في ايران والعالم الايراني يدرس في بغداد، والمجال لايسعنا لذكر أسماءاً كبيرة وبارزة في تاريخ العلم والمعرفة يفخر بها المسلمون، إننا نتداول اليوم اسماء كبيرة مثل (سيبويه) أو (ابن سينا) أو (الخوارزمي) أو (الرازي) أو (جابر ابن حيان) أو (ابن بطوطة) وغيرهم الكثير، من دون أن نعرف انتمائهم الحقيقي الى قومية معينة أو وطن معين، سواء انهم علماء مسلمون. ويكفينا معلماً واحداً هو المدرسة المستنصرية في بغداد، وكذلك المدرسة النظامية التي لم تحظى بالحماية في بغداد. لنرى قمم العلم والآداب التي بلغها طلابها من ايران وافغانستان وبلاد آسيا الوسطى وأيضاً من شمال افريقيا فضلا عن البلاد العربية القريبة.
هذه النظرة وهذا الاستذكار ينفعنا في العثور على إجابة للسؤال الآنف الذكر، ألا وهي بكل بساطة؛ عودة تلك الشوكة الدببة أمام عيون الغرب ثانية، فهم لن يتمكنوا من أن يسلموا على ثقافتهم المصطنعة ومبادئهم الالتقاطية التي يدعون ان لها صلة بالسماء، ومن نافلة القول نستذكر وصية نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ذات البعد الحضاري (اغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غُزي قوم في عقر دارهم إلا ذُلوا). بينما نرى اليوم المفارقة المحزنة حقاً، بدلاً من أن يعيش الغرب هاجس الاسلام وتطبيق هذه الوصية الخطيرة، بتنا نحن المسلمون نخشى كل يوم وكل ساعة من خطر القنوات الفضائية ومواقع الانترنت ومظاهر التحلل الاخلاقي وبشكل من مظاهر التغرّب والانسلاخ من الهوية الدينية.
*مراجعة النفس أولاً.
إنها خطوة صعبة للغاية، فهي ليست من سنخ الخطوات السياسية التي يتخذها وزير أو مدير أو مسؤول، أو الأدارية التي يتخذها تاجر أو حتى صاحب أسرة لادارة شؤونه الخاصة. إنما هي قضية تدور رحاها بين الانسان ونفسه التي بين جنبيه، فاذا كان إلقاء اللوم واتهام الآخرين سهل يسير، فان الاقرار بالذنب امتحان عسير فشل وسقط فيه الكبار في التاريخ، لكن من يريد العلا لابد له من التضحية، ونحن بشكل عام بحاجة الى عودة الشجاعة الى الذات، وقراءة التاريخ الاسلامي جيداً، والوقوف عند النقاط المضيئة وكيف تشكلت و وجهت شعاعها الى العالم وهو حتى اليوم يستنير بها؟ من جملة تلك النقاط ؛ العطاء في جميع المجالات لاسيما في العلم والمال، وهما أمضى سلاحين كانا بيد المسلمين الأوائل، واليوم نجد اننا بالكاد نحافظ على بعض الدراهم والدنانير في بلادنا خوف المجاعة والتضخم والانهيارات الاقتصادية. أما العلم فقد اصبح في خبر كان!
هذه الظاهرة لتدل على الطبيعة الجشعة التي جُبل عليها الانسان الى درجة انه لوكان بمقدوره ان يمتلك الخزائن التي اودعها الله تعالى في هذا الكون، اذن لأمسك عن الأنفاق خشية الاقتار والفقر. لكن لماذا تكون مثل هذه الطبيعة عنده؟
لو فتشنا عن السبب لوجدناه كامنا في الرؤية الضيقة لهذا الانسان، وفي صدره الحرج والتقوقع في الذات؛ أي في الانانية، وحب الذات الذي يتولد عنه حب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة. وقـد أشار القرآن الكريم الى هذه الطبيعة الانسانية في قوله: " قُل لَوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لاَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإِنسَانُ قَتُوراً" (الاسراء /100).
ان هذه هي حالتنا اليوم، وهي اضحة بينة لكل ذي عينين؛ فالبلاد التي كانت واحدة تمزقت بالامس القريب وظلت تزداد تمزقاً وتشرذماً حتى يومنا هذا. والانسان المسلم الذي كان سابقاً يزخر بالعطاء ويسمو بالتقدم ويعد نموذجاً للشعوب والأمم في الاخلاق، بات اليوم مثالاً للتخلف والضياع، فالى متى نبقى على هذه الحالة البائسة؟ وهل سيبقى هذا قدرنا المقدر الى الأبد ؟! وحاشا لله تعالى ان يجعل قدر أمة من الأمم هكذا إلاّ بما جنته يداها. وحاشا له ان يقدر هذه الاوضاع لأمة كانت خير أمة أخرجت للناس. والله تعالى ليس بظلام للعبيد، فالداء كامن في أنفسنا، ولكن هل من سبيل الى مخرج، وهل للمشكلة هذه من حل؟
ان السبيل ممهد، وحل المشكلة يكمن في ان نتخذ قراراً لا رجوع عنه في ان نغير انفسنا كما قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِاَنفُسِهِمْ" (الرعد/11)، وهذه هي السنة الالهية التي لابـد منها لكي تتغير الاوضاع، ولكن ماهي نقطة الانطلاق في هذا السير؟
للاجابة على هذا السؤال الهام لابد من القول: ان تحقيق هذا الهدف ليس عسيرا كما يتصور البعض لكي يثبط من حركتنا، ويهدّ من عزيمتنا فنتردد في التقدم والتحرك باتجاهه. فكل ما في الأمر اننا يجب ان نتحرر من اسر اليأس والقنوط حتى لانبقى مكتوفي الايدي فاقدي الثفة بانفسنا. فلابد لنا من العمل والحركة والمثابرة واحياء الهمم. وإذا ما تحقق كل ذلك فلا مناص من ان يأتي ذلك اليوم المبارك الذي وعدنا الله سبحانه به، وحدثنا به منطق التأريخ، وهو اليوم الذي سترفرف فيه راية التوحيد على جميع ارجاء العالم الاسلامي، ويعيش فيه المسلمون تحت ظل العدالة، والوحدة، والسعادة، والرحمة.
*خطوات على طريق الوحدة
ان السبيل لتحقيق هدف الوحدة بين المسلمين، مرسوم في القرآن الكريم الذي حدد العوامل والعناصر التي تؤدي الى وحدة الأمة الاسلامية وتلاحمها، منها:
1- عنصر العقيدة والتوحيد؛ وهو الاعتراف والايمان بالوهية الله عز وجل وربوبيته وعبوديته وحده لا شريك له، ومن ثم الايمان برسله وانبيائه وكتبه، وكل ما يتعلق بالتوحيد والعقيدة واصولها وفروعها.
2- الايمان والاهتمام بالقيم والمبادئ، والتطبيق العملي لهما.
3- القرآن الكريم وهو الكتاب الذي نتفق عليه جميعاً، وننهل منه في شتى شؤون حياتنا، فهو بمثابة دستور وقانون موحد لنا. ومن الواضح الدور الكبير الذي من الممكن ان يؤديه القانون الواحد في توحيد الكتلة البشرية، خصوصاً واننا نرى اليوم الجهود والمساعي الحثيثة التي تبذل من أجل صياغة قانون واحد ومشترك يوحّد الشعوب في هذا العالم.
4- التأريخ المشترك والتراث الواحد اللذان يجمعان المسلمين.
5- المصير المشترك؛ وهي قضية غاية في الأهمية وتعبر عن الشعور الجماعي للمسلمين، وهو ما يؤكده القرآن الكريم في الآية المباركة: "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" (آل عمران /103)، فليس بوسع أي شعب من الشعوب الاسلامية اليوم الادعاء بانه سيكون في مأمن من كيد الاعداء عندما يقع اعتداء او إساءة من قوى الاستكبار، سواء على التراب أو المقدسات أو القيم أو غير ذلك. لأنهم في هذه الحالة سنكرون على الرسول الأكرم قوله الشهير (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إن اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى).