بصائر... قبسات من رؤى ومحاضرات سَمَاحَة المَرجِعِ الدّيني آيةِ اللهِ العُظمى السّيد مُحَمّد تَقِي المُدَرّسِي
(الثورة الأخلاقية) تأتي بالحاكم العادل
|
*إعداد / بشير عباس
كل واحد منّا يحسّ بأن أمامه أخطاراً لا بد أن يتجنبها، ففي أي لحظة ربما يصطدم الإنسان بشيء عظيم وكبير، يفقد على أثره حياته أو أمواله أو ذريته أو صحته، والسؤال هو: كيف يتجنب الانسان هذه الأخطار لاسيما وانه يجهل ما تحويه هذه الطبيعة التي يعيشها، فهو محيط بطبيعة عمياء وصمّاء ومجهولة فيها ملايين الملايين من المؤثرات، ولا يعرف أية واحدة منها تشكل خطراً عليه، وأي واحدة تعطيه الفائدة والنفع؟ والسؤال الآخر: هل يستطيع الانسان أن ينظم حياته بطريقة تجعله في مأمن من مخاطر الألغام التي تحيط به؟
الجواب؛ نعم، فهناك سنة ضبط الله تعالى الكون عليها، فمن أصغر ذرة في العالم الى أعظم مجرة تخضع لتلك السنة التي تحيط بالكون إحاطة السوار بالمعصم، ألا وهي سنة العدالة والقسط، وهذه السنّة هي التي تضمن سلامة الانسان في هذه الحياة، ولأن الله عدل لا يجور، فان أي شيء أو شخص وأي موجود وأي كائن يريد أن ينحرف عن طريق العدالة سيصطدم بإرادة الرب، ومعروفة نتيجة هذا الاصطدام، لكن اذا نظم الإنسان حياته على أساس العدالة الكونية وعلى أساس القسط الذي أمر الله به وقال: "وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" و "اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى"، فان هذه العدالة التي نعرفها بضمائرنا و وجداننا و بحكمة الوحي التي نظمها ربنا في كتابه الكريم، يستطيع تفادي الاصطدام بالأخطار و بتعبير آخر نكون كجيش يملك خارطة واضحة لحقل الألغام، وبدون هذه الخارطة فان نفس هذا الجيش سيواجه مخاطر تلك الألغام التي زرعها، هذا ما يتعلق بالمخاطر المادية مثل الألغام، لكن ماذا عن المخاطرغير المادية ذات الأبعاد الواسعة؟ ومن يملك خارطتها لضمان السلامة لسكان الأرض؟ الجواب: إنه رب هذه الأرض، فهو الذي يعطينا الخارطة.
إن السبب في تكرار القرآن الكريم لقصص الطغاة والبغاة في الأرض مثل عاد و ثمود و قوم نوح و وقوم لوط و أصحاب الأيكة وآل فرعون و نمرود وحزبه، هو تكريس العبرة والدرس السماوي، فالقرآن الكريم يحدثنا بانه مهما كبرت الحضارات وتضخمت ومكرت مكرها إلا أنها حينما تتجاوز خارطة الألغام، أو بتعبير آخر حينما تجاوزت حكم العدالة الكوني فانها تصطدم تتدمر وتباد ولا يبقى منها إلا الذكر السيء. لذا نرى مرةً يحدثنا ربنا عنهم ويقول في يوم القيامة أنهم من المقبوحين، ومرةً أخرى يقول: يرسل إليهم اللعنة، وأن الله يلعنهم وتلعنهم الملائكة ويلعنهم اللاعنون.
في سورة المائدة وهي آخر سورة نزلت على قلب نبينا الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) يقول فيها الله تبارك وتعالى وبكل صراحة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ"، هنا لابد من التفاتة بان القرآن الكريم عندما يخطابنا بـ "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا" فهذا بمعنى أن الخطاب موجه لكل واحد منّا، وبما إن معظمنا يعتقد انه من المؤمنين، فانه يجب أن يقول في نفسك: لبيك اللهم لبيك، فالخطاب موجه الى الانسان مباشرةً، بان ليكن قيامك لله وحركتك ونهضتك وعملك لله وأن يقول المؤمن دائماً: "إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"، أي ان التوجه العام والخارطة العامة في حياة الانسان يجب أن تكون مضبوطة بالتجاه القبلة المتمثلة بمرضاة الله تعالى، "قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي" أي أن أحيا وأبقى على هذا الخط حتى الموت، "لاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ" إنها وصية نبي الله يعقوب الى أبنائه، فإذن؛ "قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي"، بمعنى إن كل حياتي وكل مماتي هو لله حتى النفس الأخير، وطوبى لمن جاءته المنية وهو على الطريق الصحيح، أي سلم الأمانة بيد صاحبها سالمة من دون أن يخونها، وهي الأمانة التي حمّلها الله السماوات فأبت والجبال فأشفقت والأرض كذلك، ولم تتحملها وحملها الإنسان، مما يعني إن على المسؤولية عظيمة لما يمتلك من طاقات وامكانات يفتقدها غيره في هذا العالم.
*شهداء بالقسط
ماذا تعني هذه الكلمة؟
إن معنى "شُهَدَاء بِالْقِسْطِ" هو أن تكون إنساناً دائماً، و تبحث عن الحق وعن العدل والقسط فتدافع عنه، فالشهادة ليس فقط أن تشهد في المحكمة حول قضايا معينة، لكن هذه لا تكون في حالات وظروف خاصة، بأن يستدعونك للشهادة في المحكمة ولو أن الشهادة واجبة، لكن المعنى الأكمل هنا للشهادة بالقسط وأن تدافع عن الحق أينما تجده وعن القسط أينما يدور ويكون، وهذه المسيرة لا تخلو من مشاكل وتحديات، فهو ليس عملاً هيّناّ وسهلاً كما هو الحال في الشهادة أمام قاضي المحكمة، والقرآن الكريم هو الذي يوضح لنا نوعية التحدي في النوع من الشهادة حيث يقول في نفس سورة المائدة: "وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ"، وهنا ثمة تحذير قرآني من الشيطان ومكائده، فهو يحاول دائماً ألا تتم هذه الشهادة التي أمر بها الله تعالى، ووسيلته في ذلك إشعال الصراعات الداخلية، واتخاذ الموقف بناءً على ردود فعل سريعة أو مصالح وأهواء، فهناك البعض يسلط طريقاً معيناً بخلاف الطريق الذي ذهب اليه شخص أو جماعة أخرى، والقرآن يحذرنا بأن لا "ولا يجرمنكم شنآن قوم" أي لا تدفعكم العداوة مع جماعة ما لاتخاذ الموقف العادل.
إن مشكلة الانسان أنه عندما يريد أن يقيّم أصحابه فإنه يقيمهم بطريقة يعتقد معها أنهم أعداؤه أو منافسوه، فهو لا يقيمهم بصورة طبيعية، وفي هذا السياق يُقال إن إمرأة سألوها: كم ولداً عندك؟ قالت: واحد، ولكن مددت تلفظ الواحد أي قالت: (واااااحد)! ثم سألوها: وكم ولد عند أختك؟ فقالت على الفور وبشكل سريع: أحد عشر.
وهذه هي الانتقائية في المواقف، حيث نجد البعض في الساحة عندما يريد أن يتحدث عن صاحبه وشريكه في التوجه والانتماء، فإنه سيرفعه مهما كلف ذلك، أما إن كان في الاتجاه المغاير فانه سيعمل وبكل تأكيد الى الحطّ منه، وهنا يأتينا القرآن الكريم ليدلنا على النهج الصحيح لتقيم الناس واتخاذ المواقف إزائهم، "وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى"، بمعنى إن التقوى هي التي يجب أن تكون المعيار وليس شيء آخر، وبهذا سيكون الموقف بعيداً عن التطفيف، وبعيداً الكيل بمكيالين أو مقياسين، وقد حذرنا القرآن الكريم بشدة من منزلق التطفيف، وقد أنزل الله سبحانه وتعالى سورة كاملة تحمل اسم (المطففين)، وفي هذه السورة نجد الموقف الحازم والصارم إزاء التطفيف: "وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ" ويقال أن (ويل) هو بئر في جهنم تصدر منه حرارة جهنم التي تفوق حرارة الشمس والتي إذا ألقيت في جهنم تصيح من حرارتها! "وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ". إنه سؤال جدير بالتوقف والتأمّل حقاً، فالانسان لابد له يوماً من أن يقف أمام خالقه يوم القيامة ويجيب عما قام به، وطرح هكذا تساؤل من شأنه أن يضع أمام الانسان ضوابط تحده من التعامل مع الناس بطريقة لا تتسم بالتقوى والورع.
وهنا تلفتنا الآية الكريم في سورة (المائدة) الى مسألة مهمة وقيمية، وهي إن لا شيء أقرب الى التقوى مثل العدالة، ثم يؤكد القرآن الكريم حقيقة أخرى وهي إن التقوى لن تكون ظاهرية إنما هي قضية باطنية وخاصة بمكامن الانسان، والدليل على ذلك هو الدعوة لتقوى الله تعالى: "هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ"، فبما إن الله تعالى هو الناظر والقيّم على تقوى الانسان وهو الخبير والبصير، فان على الانسان أن يحرص على تحقيق التقوى الحقيقية لا المزيفة "وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ"، ثم يبشرنا الله تعالى بان تحقيق هذه المهمة لن يكون دون جزاء ومكافأة وهو تعالى دائم الفضل والعطاء للانسان، ويقول تعالى عن هذا الجزاء: "وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ".
* العبرة من الانتخابات الأخيرة
نحن الآن أمام تجربة حكم جديدة في العراق، ففيما مضى من الزمن كان الحاكم يولد حاكماً ويعييش حاكماً وبيده عصا الحكم، والانسان دائم النسيان وقليل الاعتبار، فالموت لم يمهل أولئك الحكام على طول ا لزمن مهما علا شأنهم بين الناس، ومهما كبرت مساحة سيطرتهم وقوت شوكتهم.
يُروى أنه عندما نزل ملك الموت على نبي الله نوح (على نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام) فوجده نائماً تحت سقف مصنوع من الجريد أو القصب لا يظلل سوى نصف بدنه، فقال له: يا نوح أخذت من رب العالمين مدة 950 سنة فقط لتبلّغ في قومك، ألم يكن لديك وقت لبناء بيت أو مكان ترتاح فيه؟! فقال له نوح (ع): الذي أنت وراءه كيف يبني لنفسه في الدنيا بيتاً.
إن تلك الأزمان حيث كان الانسان يفكر أن يبقى حاكماً لفترة طويلة، قد ولّت، واليوم نعيش في العراق ظروفاً ومرحلة جديدة، فهي تجربة ديمقراطية، محدد فيها مدة الحكم في اربع سنوات لا غير، فالانتخابات البرلمانية تقام كل أربع سنوات تتمخض منها حكومة من أغلبية النواب المنتتخبين من قبل الشعب العراقي، وهذه الحكومة تمثل السلطة التنفيذية في البلد وتقوم بمهامها خلال أربع سنوات وحسب، وبعدها ستقام انتخابات جديدة لتتشكل حكومة أخرى وهكذا... وهذه الأربع سنوات في معيار الزمن تُعد لا شيء، فهي تنقضي بلمح البصر، لكن العبرة في النتائج – كما يُقال- فإما أن تنتهي هذه الدورة بأناس أهل خير يمدحهم أهل الأرض وأهل السماء، ويكون سجلهم نظيفاً ومشرفاً، وإما - لا سمح الله- يكون الأمر معكوساً، لذا لابد من اتخاذ عدة خطوات أساس على طريق البناء والتغيير نحو الأفضل:
*مكافحة الفساد الإداري والإجتماعي أولاً.
لماذا نفكر بالفساد في الدوائر فقط؟ وماذا عن المجتمع؟ وبالرغم من أن الحديث حول إصلاح المجتمع بحاجة الى مجال أوسع مما نحن فيه، لكن يجب القول: باننا في العراق بحاجة الى (ثورة أخلاقية)، لأن الله تعالى لا يجلب الحاكم العادل للناس إن لم يكونوا هم عدول، يقول تعالى: "وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً"، وحسب الحكمة المعروفة (كيفما تكونوا يول عليكم)، والحقيقة فان الشعب العراقي يجب أن لا يحلم بأن يكون حاكمه أمير المؤمنين، لأنه (صلوات الله عليه) كان محيطاً بأشخاص من أمثال قنبر و ميثم التمار مالك الأشتر وغيرهم من المخلصين والعارفين، أما أن نفكر بأن يحكمنا شخص بمثل صفات وخصال الامام علي بن أبي طالب فهذا ليس من مصلحتنا، إلا اذا كنّا في مستوى تأييده ونصرته، وهذا بحاجة الى مكافحة للفساد وعملية إصلاح، وعلى الجميع أن يبدأوا بعملية الاصلاح الذاتي. وفي الوقت نفسه يجب على علماء الدين والمبلغين والطلائع الإيمانية دخول الساحة الاجتماعية والسعي لاصلاح المجتمع، لا أن يكون الهمّ منصبّا على السياسة، كما لا يجب أن تعقد كل الآمال على رجال السياسة، لأن المجتمع له دوره أيضاً، وهذا ما يؤكده الحديث النبوي الشريف: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
الى جانب هذا يجب ان تكون الحكومة بحيث تستطيع أن تخدم، ولن تتمكن من ذلك إلا إذا كانت قادرة على محو الفساد الإداري، أما الآلية لتحقيق ذلك، فهنالك أفكار لعلها صحيحة ولعلها غير صحيحة ولكن المهم أن يؤدي الانسان دوره أمام الله تعالى، إن الطريق نحو مكافحة الفساد يمر بعدة خطوات:
1- إصلاح القوانين، فاذا كانت القوانين الحاكمة معقدة و ثقيلة وصعبة، فانها ستجبر الناس لسلوك مسلك الفساد، مثال ذلك جوازات السفر التي يبحث عنها الكثير ويحاول الحصول عليها للقيام برحلات للعلاج أو للزيارة أو لغير ذلك، ويقال أنه لا يمكن الحصول على الجواز إلا بعد مرور ثلاثة أشهر، فالذي يعاني من مرض خطير وبحاجة الى الجواز ليسافر الى بلد يجري فيه عملية جراحية مستعجلة، سيكون مجبراً لأن يدفع (رشوة) للحصول على هذا الجواز. وإصلاح القوانين ليس هذا المجال فقط، وإنما في جميع المجالات وأهمها المجال الاقتصادي، فقد ذاق الشعب العراقي مرارة (الاشتراكية) التي رفع شعارها النظام البائد، وهي أن تكون جميع مفاصل الاقتصاد بيد الدولة، أما اليوم فيجب عليها أن تكون في موقع الدفاع عن الناس وتأخذ بحق الضعيف من القوي، وإذا كنّا ندعي بان العراق دولة تحتكم للديمقراطية والتعددية، لنطبق هذه المفاهيم، ونفسح المجال للناس لأن يتصرفوا بأموالهم و طاقاتهم، ويخوضوا غمار الانتاج والابداع، فالاقتصاد الحكومي أثبت فشله في كثير من دول العالم في مقدمته كان الاتحاد السوفياتي الذي انهار وتفكك بسبب هذه السياسة.
2- يجب علينا أن نكون دقيقين في انتخاب الناس وتعيينهم للوظائف وخصوصاً الحساسة منها، والتي يكون وراء توقيع الشخص المسؤول ملايين الدولارات أو يتقرر مصائر ملايين الناس. إن قصة الإمام علي (صلوات الله عليه) معروفة مع كل من طلحة والزبير عندما يدخلان عليه بعد أن وصلت اليه الخلافة، وكان الوقت مساءً فسألهم الإمام (ع): ألديكم أمر خاص أم عام؟ فقالوا: أمر خاص، فأطفأ الإمام السراج الذي كان ينير لهم المكان، فقالوا له: كيف نتكلم ونحن في الظلام؟ فقال لهم الإمام (صلوات الله عليه): أنا أعطي هذا السراج وقوداً من بيت أموال المسلمين، وأنتم لديكم أمر خاص، فقالوا له: نحن اثنان من أصحاب رسول الله وممن يسمون بالعشرة المبشرين و.. و.. فأعط أحدنا الكوفة والآخر أعطه البصرة...! وكان العالم الاسلامي يتمثل برمته في هاتين المدينتين، فقال لهم الإمام: نحن لا نعطي هذه الولاية للناس الذين يريدونها ويبحثون عنها، بل نعطيها للناس الذين لا يريدونها ويزهدون في الدنيا، بمعنى إن أول ما يشترطه الله سبحانه على ولاة الأمر الزهد في درجات الدنيا الدنيّة، فإذا رأينا العالم يجلب الدنيا لنفسه فلابد من الحذر منه. أما أن نقول بان هذا (ابن عمي) وذاك (ابن خالي)، أو هذا (من حزبي) وذاك (من عشيرتي) فأين الاستحقاق الانتخابي؟! وأين معيار الكفاءة والنزاهة؟ مع العلم إنه ليس من السهل تحقيق النزاهة ومكافحة الفساد خلال فترة وجيزة، لكن يجب أن يكون هناك سياق معين دائماً بان نبحث عن الرجل الصالح ونضعه في الموضع المناسب ونكون على طريق إصلاح الأمور، فالزمن يمر، فقد مرت سبع سنين، وسبعون سنة تمر أيضاً، وهذا يتطلب منّا وقفة شجاعة لأن نحاسب أنفسنا ونراجع حساباتنا قبل أن يحاسبنا الآخرون، وحينها يكون الوقع شديد.
3- تشديد العقوبات على المفسدين حسب درجات الفساد الإداري، وهنا نحتاج في البرلمان الجديد تفكير جدّي بإصلاح الوضع الإداري والذي لا يتحقق إلا بوضع قوانين صارمة و واضحة، أي إن الفرد الذي يسرق ربع دينار لانضعه في مستوى الذي يسرق ربع مليون دينار، أو إن الذي يمد يده في جيوب الناس، يختلف عمن تدفعه الحاجة الى عمل شائن، وهذا بحاجة الى تدبير وتفكير في الأمر.
4- أن نحسن التصرف مع الموظف ونعطيه من المكافأة ما يسد حاجته، وهذه من تعاليم الدين الاسلامي، ففي باب القضاء يقول فقهاؤنا في باب القضاء بأن القاضي يجب أن يكون مؤمّن من بيت المال حتى لا يفكر بأن يأخذ مالاً على قضاء من أحد، فإذا لا يملك الموظف بيتاً أو قطعة أرض ولديه مشاكل فأنه سيلجأ الى طرق أخرى، والحل في تقليل عدد الموظفين لننصب بدقة ونضع عقوبات ثقيلة على من يمد يده الى بيت مال المسلمين ونسد حاجتهم.
5- أن يقوم الناس بدورهم الرقابي، فكل إنسان يجب أن يفكر بأن من الممكن إتمام عمله دون الحاجة الى سلوك طريق خاطئ، فالقانون واضح ويجب الوقوف خلفه والتصريح به، وهذا هو تجسيد دور الناس في مكافحة الفساد وحالة الرشاوى، فاذا تمكن الناس من تطبيق هذه الفقرة، سيمكنه مطالبة الحكومة بميزانية الخدمات من قبيل الماء والكهرباء والطرق وغيرها والبحث عن كيفية إنفاق هذه الميزانية، ففي هذه الحالة لن يكون بوسع أحد القول أن هناك خمس أيادٍ من المقاولين تعاقبوا على مشروع معين، لأن المسؤول سيجد أنه مراقب ومتابع من قبل الناس، وعندئذ ستتوفر الخدمات وتتحسن الأمور.
إن فرص التنمية والتطور محدودة في كل بلدان العالم، فالمجال الزمني والظروف القائمة ليست متاحة للأبد، والآن عندنا فرصة للتنمية في العراق، وربما تنتهي هذه الفرص، فهنالك دول في العالم عاشت نفس أوضاعنا وانطلقت في مشاريع تنموية في مجالات الزراعة والصناعة والانتاج، فبنوا الاقتصاد المتين والقوي، وذلك من خلال خطط تنموية قد تحمل تسمية الخطة الخمسية أو ما شابه ذلك، وأمامنا تجارب ماليزيا و إيران وتركيا و غيرها من الدول الناهضة وهي كثيرة في العالم، علينا دراسة هذه التجارب، وكيف ان دولة تمكنت من النهوض من خلال خطة خمسية واحدة أو أكثر، وهذا بحاجة للتطلع دائماً نحو المستقبل والتفاؤل بالقادم وعدم التشاؤم والتباكي والايغال في الشكوى لنحقق التقدم والنمو في كافة المجالات.
|
|