لو كنت رئيسا للعراق!
|
عادل العتابي
هذا السؤال البسيط في كلماته والكبير في معناه توجهت به احدى الفضائيات العراقية المرموقة الى عدد من الناس التقتهم من دون موعد في الشارع العراقي،كان اول المتحدثين رجل تجاوز الستين من العمر فقال بكل صراحة انه لو يصبح رئيسا للعراق فانه سيتزوج، ثم ابتسم ابتسامة خفيفة وقال:انه لحد الان من دون زواج لعدم مقدرته على جمع تكاليف زواجه رغم انه يعمل كما يبدو من مرحلة الشباب او قبل تلك المرحلة والى الوقت الذي اصبحت لحيته ملونة باللون الاسود والابيض؟...رجل اخر قال في اجابته على السؤال بانه سوف يهتم بالمتقاعدين لان رواتبهم قليلة جدا،فيما اجاب اخر وهو من الشباب على انه سوف يهتم بطلبة الكليات والمعاهد ويقدم لهم شيئا،وعلى هذا النمط اجاب عدد اخر ممن تم توجيه الاسئلة لهم.
على دراجة هوائية متهالكة كان الرجل الكبير بالعمر يترنح فيما كانت الدراجة المنهكة تقلل من سرعتها وتقف بصعوبة امام الاعلامي الذي يوجه السؤال التقليدي:ماذا تفعل لو كنت رئيسا للعراق؟ مسح الرجل حبات العرق من جبينه وتلفت الى اليمين والى اليسار ثم اطرق برأسه الى الارض وعاد مرة ثانية ليمسح بنهاية كوفيته ما تصبب من عرق جديد من وجهه،ولم يتأخر كثيرا بالاجابة عندما قال: سأنام كثيرا. نعم سينام ذلك الرجل العجوز كثيرا عندما يصبح رئيسا للعراق،ليس استهزاء بالمنصب فهو كما يبدو جدي في كل شيء وعلمته الحياة الادب قبل ان ياكل الخبز ،بل لانه كما هو حال الاكثرية في العراق من قبل انهيار النظام البعثي وبعده اذ قضى حياته كلها وهو يكد ويعمل ليل نهار من اجل توفير لقمة العيش لعائلته. الاغلبية من العراقيين الان تعمل في دوامين فالموظف من الدرجات الوظيفية الدنيا او المتوسطة يعمل بعد الدوام الرسمي سائقا لتاكسي او فرانا في فرن للصمون او بائعا للخضر والفواكه او اي عمل اخر يساعده في المعيشة، فيما يركض المدرس والمعلم من المدرسة الى عمل اخر يعينه على مصاعب الحياة وليوفر مبلغا اضافيا يسد فيه اجور المولد الكهربائي او شراء البنزين قبل ان تتعدى تلك المصاريف على الراتب الرسمي من الدولة والذي يقف عاجزا امام كل الاسعار،عدد كبير من الموظفين الذين يعملون الى الان بدواميين او اكثر يفكرون بعمل اخر يدفع عنهم ذلة السؤال الى الاهل والاخوة والاقارب والاصدقاء اذ لم يبقَ لهم الوقت وساعات اليوم الاربعة والعشرون الا ان يعملوا حراسا ليليين بعد ان ضاقت ذرعا بعملهم وبهم ساعات النهار،هؤلاء جميعا ستكون اجابتهم مطابقة تماما لما قاله الرجل الكبير بالعمر صاحب تلك الدراجة،فهم يبحثون عن ساعة نوم هانئة اذ ان كل الشعوب المرفهة والمتقدمة تقسم ساعات النهار والليل لتعمل في وقت محدد وتتسلى في وقت محدد وتنام في وقت محدد،الا نحن الراكضين دوما خلف رغيف الخبز فاننا نعمل من دون وقت محدد وننام لبرهة من الزمن ثم نفز من النوم مرعوبين خوفا من ان تسبقنا الحياة بمتطلباتها وتتركنا على حافة العوز،فليس غريبا ان نفكر بان نصبح رؤساء للعراق من اجل ان نحظى بوسادة وردية نضع روؤسنا المملوءة بمتاعب اكثر من خمسين عاما عليها ونقرأ على تلك الوسادة العبارة الشهيرة:تصبح على خير، وان ننام من دون خوف على مستقبلنا واهلنا معنا.فهل يفكر الرئيس العراقي المقبل بذلك ويعيدنا للعمل في ساعات معدودة ثم نعود الى عوائلنا لنقضي بقية الساعات معهم؟
|
|