العد والفرز.. قضية و"لا أبا حسن لها" !
|
صباح علي الشاهر
ربما لأننا أكثر عدداً من الهند، وربما لأننا لا نجيد العد والفرز، وربما أيضاً لأن مستوانا في الجمع والطرح والقسمة ليس بالمستوى المطلوب، لهذه الأسباب الوجيهة، وربما لأمور أخرى مازالت خافية، فإن نتائج الإنتخابات عندنا لا تظهر بعد يوم أو إسبوع، وإنما تحتاج إلى أسابيع عديدة وهي تأتينا بالقطارة، تماماً مثلما تأتي الكهرباء الوطنية لبيوت الناس، أما تشكيل الحكومة العتيدة فحدث ولا حرج.
أزعم أني إستمعت لأغلبية تصريحات السادة المسؤولين في مفوضية الإنتخابات، بحيث بت أعرف هذا المسؤول في المنظمة من غيره من نبرة صوته، لكنني والحق يقال، لم أعرف لحد هذه اللحظة لماذا يتأخر ظهور النتائج لنحو ثلاثة اسابيع، تماماً مثلما لم أعرف لهذه الساعة أيضاً لماذا عجزت الحكومات المتعاقبة التي توفرت لها مئات المليارات من الدولارات التي لم تتوفر لأي حكومة سابقة، إضافة للدعم الأمريكي والغربي، لماذ لم تستطع معالجة قضية الكهرباء حتى الآن؟! تلك معضلة و( لا أبا حسن لها)، وهذه معضلة أخرى و( لا أبا حسن لها) أيضاً. هل تتذكرون عندما أعلنت المفوضية من كونها قد طبعت سبعة ملايين بطاقة إنتخابية إضافية، هل طبعت سبعة ملايين بطاقة فقط ؟! أزعم أن لا أحد يعرف على وجه التحديد الرقم الحقيقي للأوراق الإضافية المطبوعة. لقد بررت المنظمة هذا الفعل بالقول بإنه اجراء إحترازي، يأتي ضمن المعايير الدولية. السبعة ملايين ورقة إنتخابية تعادل أكثر من نصف عدد المقترعين، فهل كانت المنظمة تتوقع أن يُحرق أكثر من نصف مراكز الإقتراع في العراق مثلاً؟ لوكان هنالك ثمة إحتمال، أو توقع لحدوث مثل هكذا كارثة، فإن إجراء الإنتخابات في هذه الحالة يعد جريمة بحق الشعب العراقي، وإستهتار بأرواح وومتلكات الناس ! .نعم ثمة ضرورة لوجود بطاقات إنتخابية إحتياطية لمواجهة أي طاريء، ولكن لا يمكن أن تكون هذه الأوراق الإضافية الإحتياطية بما يعادل أكثر من نصف عدد المقترعين، فمثل هذا الأمر مريب بلا شك، وهو لا يقع ضمن المعايير الدولية التي تحدث عنها السادة الكبار في المفوضية .
لقد حاولت البحث عن مثل هذه المعايير بحدود ما أستطيع، وبحجم إمكاناتي، ولكنني لم أجد مثل هكذا معايير. صدقوني أنكم سوف لن تجدونها في أي إنتخابات في العالم، لا بسبب الكلفة الباهضة التي تتحملها خزينة الدولة، وإنما لأن طبع هكذا نسبة من أوراق الإقتراع الإضافية خارج المعايير الدولية حكماً، وهو أمر يجعل القائمين به مثار شبهة حتى لو حسنت نواياهم. مثلما لم أستطع هضم فرية كبرى أخرى عندما زعم مسؤولو المنظمة أنه ليس بمقدور المنظمة أعادة الفرز عبر العد اليدوي، لأن هذا يعني إنتخابات جديدة، ويستغرق شهوراً!!.كيف إنتخابات جديدة؟ هل ستوزعون قسائم الإنتخابات على المصوتين من جديد، وهل ستفتحون 50 ألف مركز انتخابي، وهل ستطلقون الحملة الإنتخابية لشهر مثلاً ؟! .كيف يمكن فهم كلام كهذا؟.
لاحظوا أننا لا نتحدث عن 12 مليون ورقة إمتحان، ستخضع للقراءة والتقييم، ومن ثم وضع الدرجة المناسبة، وإنما نتحدث عن أوراق (ليس في عموم العراق بل في بعض المحافظات) ينظر فيها إلى الكتلة والمرشح، يقول الزميل صائب خليل، في مقاله القيم (هل جرى تزوير مدراء المراكز الإنتخابية بالحاسبة ؟): إن هذه العملية لن تستغرق أكثر من بضع ثوان لكل بطاقة، ما لم يكن فيها مشكلة، ولنفترض أنها تستغرق كمعدل 10 ثوان، فإن موظفاً واحداً سينجز 6 أوراق في الدقيقة، أي 360 في الساعة، أي 2886 ورقة في اليوم.. وفي هذه الحالة يستطيع 2000 موظف فقط إنجاز مراجعة الـ 12 مليون بطاقة في يومين تقريباً. فلماذا اصرت المنظمة على تعذر عملية الفرز اليدوي، علماً أن هكذا عملية ستنهي الجدل حول الإنتخابات، وستجبر الخاسر على تهنئة الفائز، وستمهد لتعاطٍ حضاري بين الفرقاء، سواء في الحكومة القادمة أم في المعارضة، وستحد من الإحتقان وتكرس نهج التبادل السلمي للسلطة، هذا النهج الذي لم يتعوده العراق، والذي يتطلب جهداً ومرونة وحكمة، وتغليب مصلحة البلد على مصلحة الشخص الذي ينشد الزعامة مهما كانت الوسائل والنتائج. كل هذه الأمور هامة وجوهرية وأساسية لبناء عراق الغد الذي ينشدون. وأحسب أن إهدافاً كهذا، وبكل المعايير، بما فيها المعايير الدولية (ونستعير هذا التعبير من المفوضية) كانت تستحق أن تكلف المفوضية المستقلة نفسها بعمل إضافي لمدة يومين أو أكثر، علماً بأنها ستبدأ سباتها لأعوام حتى حلول إستفتاء أو إنتخاب جديد، ومهما يكن من شيء فموظفوا المفوضية يتقاضون رواتبهم عن كل يوم عمل يقومون به، ولا يعملون لوجه الله، أو بالمجان، وهم لم يأخذوا الإنتخابات مقاولة، أي أنه لا تسجل عليهم غرامات تأخير لو تجاوزا المهل المحددة، علماً بأنهم تجاوزوا، ومن دونما أسباب ظاهرة أو قاهرة كل المهل المعتادة، وتفوقوا بهذا على إنتخابات العالم كله بالتفنن بالبطء الذي كانت نتيجته فوضى وإضطراب وقلق، ولا نبتعد عن الحقيقة كثيراً عندما نقول أن تصرف المنظمة، بقصد أو غير قصد، قد أجج الإحتقان ليس بين السياسين فقط، بل في الشارع العراقي، وبات على المنظمة معالجة هذا الأمر بقرار لا يتأثر إلا بمصلحة العراق، ومستقبل العراق.
ثمة من يحاول دفع الأمور لحافة الهاوية، وثمة من يعمل لأجندات معينة. المحتل، وبعض دول الجوار ليست بعيدة عن هذا. والذي من مصلحته أن لا يرى العراقيين متوافقين على إسلوب تنظيم حياتهم، وإختلافاتهم واضح وبين. إنه ذاك الذي يروم إستمرار هيمنته على مقدرات البلد، أو المحافظة على حجم نفوذه فيه. جعلونا نصبر على عدم وجود الكهرباء وماء الشرب الصالح، وجعلونا نلوغ في الأوحال عندما نخرج من البيت إلى العمل أو المدرسة.. لقد توقفت ساعة العراق منذ سبع سنوات عجاف، وقبلها لعقود.. فما الضير لو تأخر تحريك عقرب الساعة يومين او ثلاثة او اسبوع..؟.
|
|