قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

البخــلاء. . أكثر الناس حسدة يوم القيامة
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *سعد مغيمش
قال الامام علي عليه السلام: (عجبت للبخيل يستعجل الفقر الذي منه هرب ويفوته الغنى الذي إياه طلب فيعيش عيش الفقراء ويحاسب في الاخرة حساب الاغنياء).
من الغريب حقاً ألا يعيش غني وصاحب ثروة حالة الرفاهية والاطمئنان والسعادة في حياته الدنيا، بل يواجه مصيراً أسود بعد موته وعند وقوفه يوم الحساب، فما هو السبب يا ترى...؟!
إنه (البخل)... هذه الصفة المذمومة التي حذرنا القرآن الكريم منها وأكدت الاحاديث والروايات على الابتعاد عنها، وطالما علمنا أهل البيت عليهم السلام في سيرتهم المضيئة، ان الدنيا دار فناء والاخرة دار قرار، لذا ليس من المعقول ان ينتهج الانسان الامساك والبخل في حياته، والحياة لها إقبال وإدبار، فان انفاقه لن يمنع اقبالها عليه، ولا إمساكه وبخله سيمنع ادبارها، لان المال مال الله تعالى وحسب، لكن الانانية الموجودة داخل الانسان هي التي تمنعه من العطاء والبذل، وإذن، فالبخل يكون دليل على قلة العقل وسوء التدبير لانه لايجتمع مع الايمان بل من شأنه ان يهلك الانسان ويدمر اخلاقه، كما انه دليلاً على سوء الظن بالله تعالى وكذلك الابتعاد عن اخلاق الانبياء والائمة المعصومين، علماً ان القرآن الكريم حذر من ذلك في قوله تعالى: "الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله واعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً".
والحقيقة التي يجب ان نعرفها ان البخيل وبخلاف ما يتصوره من الذكاء و (الشطارة)، فانه لن يهنأ بأمواله وبخله لا في الدنيا ولا في الآخرة، لذا جاء في الحديث الشريف: (البخيل اكثر الناس حسرة يوم القيامة)، والسبب انه سيجد الثواب العظيم والأجر الكبير لمن قدم شيئاً بسيطاً لأخيه المؤمن يقضي بها حاجته في عسره، كأن يكون في أمر زواج أو علاج او منزل للسكن وغيرها من الحاجات الضرورية، فهنالك من يفوزون بالأجر الالهي العظيم ربما لصدقة اعطوها لفقير او لمقدار من المال أقرضوه لمحتاج.
البخيل يترك الجنّة لأبنائه!
ذكرنا بدايةً أن البخيل لن يسعد لا دنياً ولا آخرة، فهو رغم ما يكنزه من الاموال المنقولة وغير المنقولة، فانه وبسبب البخل وسد الابواب على الآخرين، نراه يعيش الكآبة والقلق وغيرها من الامراض النفسية، وبعد هذا الشدّ النفسي والعصبي بسبب الحرص على المال، يأتي الأجل المكتوب والمحتوم على الانسان فيودع الحياة ومن فيها بما في ذلك الذهب والفضة والمجوهرات والاوراق النقدية والعقارات والسيارات، فتتحول الى الورثة، هنا نجد حالات كثيرة لتغير مسار هذه الاموال المنقولة وغير المنقولة التي انتقلت ملكيتها من ذلك البخيل الميت الى ابنائه الاحياء، حيث تتحرك لتبعث الحياة في مشاريع خيرية او قضاء حوائج المحتاجين او ما اشبه ذلك من اعمال الخير المسنونة والمؤكدة في تعاليمنا الاسلامية. وبالنتيجة فان الثواب والأجر من وراء كل هذا الانفاق والبذل سيذهب الى المالك الجديد لهذه الاموال، فيما يواجه المالك البخيل – القديم- الحسرة العظيمة على أمواله التي أجهد نفسه وأمضى سنوات حياته لجمعها، وقد تحولت بسبب بخله الى حكم يسوقه الى نار جهنم. ويكون مصداق الآية الكريمة "وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ" (التوبة /34-35).
بينما نرى الانسان الكريم والمعطاء، حتى وإن لم يكن صاحب ثروة كبيرة، فان ابناءه من بعده و ورثته يحرصون على ان يعملوا الصالحات والصدقات الجارية له مثل طباعة كتاب او توزيع كتب الأدعية والمصاحف الشريفة او نصب خزان لماء الشرب وما أشبه ذلك من الاعمال البسيطة في ظاهرها والعظيمة في آثارها للانسان المتوفى. وبذلك يكسبون رضا الله تعالى والذكر الطيب والترحّم على لسان الناس لأبيهم.
البخل يقتل العاطفة
عندما نقول إن البخيل لن يعيش حياة هانئة وطبيعية مع نفسه، فانه يعكس ذلك قطعاً على المحيطين به من افراد أسرته وعائلته وأقربائه، فهو ينظر الى كل هؤلاء بمنظار الدينار والدرهم والربح والخسارة، فاين يكمن الربح والمال ذهب، وإلا لا يجد علاقة او سبباً للتفاعل او الزيارة او حتى الابتسامة مع أي كان، بينما نعرف أن من أولى شروط العلاقات الاجتماعية والأسرية هي تبادل المحبة والعطاء والود، وكل ذلك يتطلب نوعاً من الايثار والتضحية لتتشكل علاقات المحبة وينتشر دفء العاطفة في العلاقات الاجتماعية، أما اذا بخل الأب مع ابنه او ابنته – مثلاً- في حاجاتهما المدرسية او اليومية او مع زوجته، فانه سيواجه حالة الانجماد في العواطف حتى الموت.
وربما يتصور البعض من اصحاب الثروة والمال انه يحوّل بيته الى فرع من متجره او اسواقه، فيحجم عن التعامل هنا ثم ينشط هناك، نقول: إن العاطفة والمحبة لا تباع ولا تشترى، فالرضى الذي تفتقده الزوجة – مثلاً- من زوجها بسبب البخل، لا يمكن ان يشتريه الزوج مرة أخرى ويهديه لزوجته لأنه يجد امامه جسوراً محطمة تماماً، وكذلك الحال مع الابناء وكذلك الاخوة فيما بينهم والاقارب فيما بينهم وهكذا... فالعطاء بالحقيقة يعد صكّ الثقة وديمومة الحياة، كاللبنة في الجدار إن وضعتها تكون قد ارتفت مسافة نحو الاعلى على طريق البناء المتكامل، وإن أمسكت فالجميع سيؤكد عدم رغبتك بالبناء بالأساس.
والحديث يطول ويتشعب عن هذه الصفة المذمومة والخطيرة، الامر الذي يجعلنا نأخذ جانب الحيطة والحذر من هذه الصفة، لأنها من جملة الصفات التي تنمو تدريجياً في النفس الانسانية مثل الفيروس القاتل ولا تأتي مباشرة، إذ لا يتحول الانسان فجأة الى بخيل، إنما الأمر على مراحل ومع مرور الزمن، وبفعل عوامل عديدة، أبرزها حبّ المال وتفضيله على كل العلاقات الاجتماعية التي أشرنا اليها، لذا اقتضى التنويه!!