قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

نهدر الوقت. . ونشكو
سالم المشكور
في منزل صديق نائب، كانت ساعة الجدار متوقفة. سألته : هل هي عاطلة ؟ أجاب : لا ادري ربما تكون البطارية انتهت. بعدها تنبهت الى ان اكثر من ساعة في هذا المنزل على الحال ذاته. بل هو مشهد يتكرر في اغلب البيوت والمكاتب.
لا يقتصر الامر على الساعات الجدارية بل ان ساعة اليد تتعرض للهجران في العراق من كثير من الناس لعدم الحاجة اليها. فالوقت لا قيمة له عندنا، ليس في هذه المرحلة بل من عهود بعيدة حتى بات عدم احترامه صفة ملازمة للعراقي.
لا تختلف مظلومية الوقت عندنا بين مواطن عادي او مسؤول رغم ان عواقبها عند المسؤول اكبر بكثير مما هي عند الناس العاديين. فصاحبنا النائب صاحب الساعة المتوقفة منذ زمن صحا من نومه عند الحادية عشر صباحا فيما كانت جلسة البرلمان تبدأ في هذا الوقت بالتحديد للبت في قانون مهم يومذاك. سالته : انت مازلت هنا والجلسة يفترض ان تكون بدأت الان ؟ أجابني : لا تكترث فلا احد ياتي في هذا الوقت.
عندما رافقته الى مجلس النواب بعد ساعتين أدركت صدق قوله، كان قلة فقط من نواب الشعب، أعز الله بهم البلاد والعباد، داخل القاعة، وعدد أقل يتجاذب أطراف الحديث في الكافتيريا فيما يحاول موظفون في البرلمان مساعدة الرئاسة في تحقيق النصاب عبر دعوة كل نائب خارج القاعة، و بأدب عال ٍ، لـ" التفضل" بدخولها. . ولم يكتمل النصاب الا بعد ثلاث ساعات من موعد بدء الجلسة.
خارج البرلمان، تذهب الى موعد في العاشرة مثلا وتنتظر لساعة أو ساعتين حتى ياتي الطرف الثاني للموعد بابتسامة عريضة ودون اي اعتذار عن التاخير.؟ واذا رآك تنظر في ساعتك ملمحا الى تأخره عن الموعد، يستغرب من سلوكك " المتخلف" ويرد قائلا : يمعوّد شكو وراك؟.
ترى لو كانت اليابان تتصرف وفق هذا المنطق المستخف بالوقت، هل كانت وصلت الى ما وصلت اليه اليوم. في اليابان يرفض الموظفون في الدوائر والمؤسسات أخذ اجازاتهم التي هي حق لهم ما دفع بعض المؤسسات الى إجبار العاملين فيها على أخذ إجازاتهم لكي يعطوا اجسامهم فرصة للراحة وتجديد النشاط لينعكس إيجابا على أدائهم. وعندما يعمل اليابانيون فانهم يستثمرون وقت العمل بأفضل صورة ليعطوا أفضل انتاجية، لا أن ياتوا الى الدوام متاخرين ويتفننوا في تضييع الوقت بانتظار انتهاء الدوام كما هو الحال عندنا.
ثقافة احترام الوقت في اليابان والغرب نشأت منذ خروجهم من دمار الحروب وركونهم الى حقيقة ان بلدانهم لا تستعيد عافيتها الا بجهود مضنية وعمل دؤوب، ساعدتهم في ذلك سياسات حكوماتهم التي شجعتهم بشتى الطرق لكي يسهموا جميعا في بناء بلدانهم حتى أصبحت اليوم محط انظارنا نحن الذين نحلم باللجوء إليها بدل ان نبحث كيف وصلوا الى ما وصلوا اليه ونحاول تقليدهم فيما عملوا. عندنا تقوم الحكومة بـ" إكرام" الشعب بمزيد من العطل حتى وصلت الى نصف أيام السنة بالضبط، أما النصف الاخر فحدث ولا حرج.
ربما تكون سياسات الانظمة السابقة أسهمت في خلق أجيال من الاتكاليين. ربما تكون المعاناة والحروب جعلت الزمن بلا معنى للعراقي الذي كان ينتظر الموت في كل لحظة. ربما تشكل الظروف الصعبة من زحمة السير والاجراءات الامنية وإغلاق الشوارع عاملا مساعدا في ترسيخ ثقافة تضييع الوقت. هناك أكثر من "ربما" لكن الاكيد هنا هو ان إهدار الوقت ثقافة شرقية عموما وبنسخة عراقية مميزة لا يمكن معها إعادة بناء بلد يحتاج الى يومٍ بثماني واربعين ساعة ليتمكن من القيام وبناء ما دمرته الحروب والسياسات الهوجاء، من البشر والحجر على مدى عقود.
نهدر الوقت ونشكو وضعنا !؟.