قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

نبي الإسلام و رعاية الطفولة
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة * عبد الكريم العامري
الإنسان لا يمكن بمفرده أن يوجد أرضية لبناء المجتمع المؤمن، لأن هذا المجتمع متشكل بالأساس من افراد آخرين الى جانبه، لذا تأتي العملية التربوية بجهد جماعي، فتتشكل العادات وتترسخ القيم ويتحكم السلوك، لكن هذا لا يعفي الانسان الفرد من العمل بقدر ما تيسر له لترك بصمته على العملية التربوية في محيط أسرته الذي يُعد بحق المجتمع الصغير.
ومن أجل الموفقية، على الإنسان أن يلتزم بصفات اخلاقية مثل الإخلاص والصبر والحلم، والأهم الاقتداء بسيرة النبي الأكرم وأهل بيته صلوات الله عليهم. فكل من يعمل بهذه الأمور أكثر، يبلغ درجة أعلى من التوفيق وهذه الأمور لها ركن العزم والتصميم.
ومن الضروري للآباء والأمهات أن يهتموا بتربية وتعليم أطفالهم، وأن لا تشغلهم شواغل الدنيا عن ذلك ما استطاعوا، لكن؛ أي منهج يتبعون؟
ليرى العالم رعاية الرسول الأكرم واهتمام الإسلام بالطفولة. فقد بُعث الرسول الاكرم في وقت لا يحترم فيه إلا القوي، كما أن أفراد المجتمع ينظرون الى الأطفال نظرة ازدراء:
1- فهم يئدون البنات، ويدفنونهن أحياء. وقد شجبت السماء هذه الحالة المقيتة بصيغة الاستفهام فقال تعالى: "وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت" (التكوير / 9،8).
وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم)النحل/58،
2- لا يقبلون الأطفال، أو يلاعبونهم، كما قال أحد سادتهم عندما وفد على رسول الله (ص)، ورآه يداعب أحفاده ويقبلهم، يا رسول الله ! أتقبلون الصبيان؟. فقال رسول الله: نعم. قال:إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم، فقال الرسول الكريم: (أرأيت إن نزع الله الرحمة من قلبك).
3- كانوا لا يعطفون على الأيتام، بل يحاولون السطوة على أموالهم، مستغلين ضعفهم، عجزهم، فأوصى القرآن الكريم بهم خيرا، في مواقع كثيرة، ثم يؤكد الرسول الكريم، فيحث على ذلك بقوله: (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين، وشبك السبابة والوسطى).
من مجتمع كهذا خرج النبي (ص)، فقدم أروع الصور واكثرها دقّة في العطف والشفقة على الطفولة، فهي منظومة تربوية لم يسبق للانسان ان اكتشفها من قبل، فتخرّج من ذلك المجتمع أبطالٌ كانوا اطفالاً صغاراً في فجر الاسلام، ليخطّوا طريقاً مضيئاً للاجيال القادمة في المواقف المشرفة والملاحم البطولية، ولعلنا نستذكر اسماء مثل المختار بن عبيدة الثقفي وميثم التمار وحجر بن عدي ومحمد بن ابي بكر ومالك الاشتر وغيرهم ممن واكبوا مسيرة الرسالة منذ الطفولة ودرجوا على القيم الدينية والتضحية والايمان الخالص والعميق بالله تعالى، وقد وصلوا الى تلكم الدرجات الرفيعة لأن نفوسهم جُبلت على الخير، وطباعهم تعودت الحنان في وقت الرعاية وفي سنن النضج والتفتح، ولم يعهدوا القسوة والظلم والعقد النفسية والعادات الجاهلية.
من هنا نجد ان علماء التربية في عصرنا الحاضر يرجعون كثيرا من أعمال الرجال وتصرفاتهم، من حسن أو سيء، و نجاح أو فشل، الى التربية الأولى للطفل، في موطن نشأته الأولى بين البيت والمدرسة، إلى الدروس التي يستقيها من والديه وموجهيه.
إن المدرسة المحمدية قد سبقتهم بأربعة عشر قرنا، و وضعت في مناهجها التربوية، ضرورة العناية بهذه الفترة الزمنية الحساسة، و رعاية الأطفال في سن التفتح ونشدان المعرفة، والاهتمام بهم في سن النضج والإدراك، و توجيههم الوجهة السليمة التي تؤهلهم لمشاق الحياة واحتمال صعابها.
هذه الدروس عبارة عن منهج عملي متكامل طبقها الرسول الأكرم بنفسه، تتمثل في وقائع يدركها المتتبع لسيرته الطيبة، واستقراء لأخلاقه المثالية، وأسلوبه الفريد في تنشئة الأمة، وترسيخ دعائم القيم الاخلاقية والانسانية في نفوسنا، في نظرة كريمة منه صلى الله عليه وآله الى براعم لم تتفتح، وأغصان لم يشتد عودها.
ففي بيته، مع أبناء فاطمة الزهراء عليها السلام، كان يحمل الحسن والحسين عليهم السلام، يلاطفهما، ويتيح لهما فرصة المرح واللعب. ومع أمته وسائر المسلمين، يحثهم على التواضع للصغار و رعاية الصبيان و الاهتمام بهم، يذكر الرواة بأنه صلى الله عليه وآله كان كلما يمر بالصبيان يسلّم عليهم.
ينهى عن الكذب على الأطفال. يعاملهم بلطف ولباقة، بل يهتم بأحاسيسهم ومشاعرهم الدقيقة، لأنه يرى فيهم أمل الغد، وعُدة المستقبل ورجاله، فلا بد أن تتوطن نفوسهم على الروح العالية، والثقة بالنفس، وهذا لن يكون إلا في مجتمع نشأ أفراده في حياتهم الأولى على أسلوب متميز من المعاملة باللطف واللين والتعقّل، ونهج واضح من التقدير والشعور بمكانة الجميع.
يفعل هذا رسول الله ليغرس في نفوس أطفال الأمة الثقة بأنفسهم والالتزام بتعاليم ربهم.لأن الأطفال هم المنبت الخصب لكل تقليد، وأخذ لكل خلق، عن طريق الاحتذاء والمحاكاة. ولو سرنا مع المنهج المحمدي الشريف، لرأينا الاهتمام المتزايد، الذي لم تحظ به الطفولة في أي عصر من العصور.
هذه بعض الجوانب التي تعطي ملامح للرعاية والاهتمام، اللتين حضيت بهما الطفولة عند المسلمين، وجاءت تعليمات الدين الاسلامي تحث عليها، وسار عليها المسلمون. لكن يبقى السؤال؛ كيف نطبق المنهج الاسلامي – المحمدي في تربية الاطفال؟
1- لم تكن هذه الرعاية قاصرة على من يعيش في كنفه، أو تحت سقف بيته صلى الله عليه وآله، بل إن ذلك أسلوب ينتهجه لأمته، مبدأ يرسمه ليقتفوا أثره، يسيروا على منهجه، كما في تربيته المباركة لأسامة بن زيد، عندما كانوا أطفالاً.
2- الاهتمام يبدأ في العقيدة الإسلامية، منذ أن يتكون الجنين في بطن أمه، حتى يصير يشتد العود، بالغا مبلغ الرجال، قادرا على التصرف في شؤون نفسه، لقد جعل الرسول الأكرم هذا الاهتمام جزءاً من تعاليم الدين.
3- يأمر بالصلاة على الأطفال إذا ماتوا.
4- يحث على العناية بالحامل، من أجل صحتها وسلامتها، محافظة على جنينها.
5- حتى السقط الذي لم يكتمل نموه عندما يخرج من بطن أمه ميتا يأمر الدين بتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، كجزء من اهتمام الإسلام بالفرد، واحترام مكانته.
6- يرسخ في أمته التوجيه السليم للأطفال، رعايتهم عقليا وسلوكيا. يقول الحديث الشريف: (ما من مولود يولد إلا على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه).
7- يعودهم على شعائر الدين وهم صغار حتى تتوطن نفوسهم عليها فيصبح ذلك مألوفا لديهم، قال رسول الله: (مروا أبنائكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع).
8ـ كان النبي الأكرم أباً عطوفاً لأطفال المسلمين عموماً، يفرح بقدومهم للحياة، فيشارك في اختيار الأسماء، وتغيير ما لا يتلاءم مع نفسية الطفل الحساسة، أو نظرة المجتمع المتفائلة والمتشائمة. يحنو عليهم، و يؤذن ويقيم في آذانهم. يدعو لهم. يعطيهم الطعام في يده الكريمة، يعالج ما يطرأ لهم من أمراض، ويمازحهم.
9ـ يظهر شدة عطفه على الأطفال في منعه التفريق في السبي بين الوالدة و ولدها، وهو ما كان دارجاً في المعارك والغزوات، فيقول صلى الله عليه وآله: (من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة).
10ـ لعل من أهم عناصر الحياة عند المسلمين في الوقت الحاضر الناحية المادية، فالرسول الأكرم لم يهمل هذا الجانب بالنسبة للطفل أو الجنين الذي يتوفى والده أو أحد من تربطه بهم صلة الميراث الشرعي، فقد كفل الإسلام ضمان حقوقه، أعطى له نصيبه كاملا، تجعل الوصاية عليه لمن يرعى حق الله في ماله، ينميه حتى يكبر، ويستطيع التصرف في ماله، وجعل ولي أمر المسلمين ولياً لمن لا ولي له. قال تعالى: "فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم" (النساء /6).
*باحث اجتماعي