(الصداقة العائلية) هل تحصّن الشباب ؟
|
*خيرية هنداوي
ما أجمل أن تتطور علاقة الآباء بأبنائهم تبعاً لمراحل نموهم؛ في الطفولة يمدونهم بالحب والاهتمام، ويتكشفون معهم الدنيا من حولهم، وعند المراهقة يسعى الآباء لاحترام رغبات الأبناء في الاستقلال وإثبات الذات، أما مرحلة الشباب والتي تبدأ عادة من سن العشرين وتمتد حتى الخامسة والثلاثين فتأتي (الصداقة العائلية) والحوار والتواصل كحصن أمان لهما.
والغريب أن هناك مختصين يرحبون بهذه الصداقة ويدعون إليها، وفريقاً ثانياً يحذر منها وينصح بالبعد عنها!
فقد أجمع المختصون وأساتذة علم النفس على احتياج الابن للمصاحبة والفهم والاستيعاب بداية من سن المراهقة وحتى فترة الشباب، ومن هنا يأتي دور الزوجين معاً في إقامة نوع من الصداقة بينهما وبين الابن أو الابنة الشابة والسؤال: هل تكون الصداقة بتبادل الشكوى وبث الآلام والحديث عن الأحلام من جانب الوالدين والشباب معاً مناصفةً؟ أم أنه يفضل صداقة من جانب الآباء فقط وليس العكس؟
يرى الخبراء الاجتماعيون أن فكرة الصداقة العائلية لم تعد مطروحة كما كانت منذ أكثر من 25 عامًا، نسبة إلى التغيرات الاقتصادية السلبية التي حدثت بالمجتمع خلال هذه الفترة، ومنها غياب الأب لساعات طويلة خارج البيت للعمل أو لسفره للعمل بالخارج، مما يضع الأبناء أمام صحبة آبائهم لساعات قليلة يومياً، أو لشهر واحد كل عام.
وهناك أخطاء يقع فيها الآباء تؤدي إلى فقد الصلة بأبنائهم عند مرحلة الشباب؛ مثل التربية القاسية التي تؤدي إلى الكراهية، والشعور بالذنب للتواجد وسط هذه الأسرة، كما أن الإسراف في التدليل من جانب الآباء وتلبية كل الحاجات، تجعل الابن ينشأ شاباً رخواً، يضيق عند أهون المشاكل، ولا يطيق مواجهة الصعاب، وهناك أيضًا التذبذب في أسلوب التربية؛ حيثُ يمدحون الشيء اليوم ويعاقبون عليه غدًا، وهذا يجعل الشاب مترددًا غير واثق في نفسه و والديه.
ولا ننسى تأثير الخلافات الزوجية أمام الابن الشاب التي تعطيه الإحساس بالقلق وانعدام الأمن، وفكرة سيئة عن الأسرة والحياة الزوجية، فضلاً عن القلق المفرط من جانب الوالدين في رعاية الأبناء منذ الصغر؛ فيشُب شخصية قلقة منطوية غير اجتماعية.
ويؤكد الخبراء ضرورة تقرب الزوجين من أبنائهما في مرحلة الشباب عن طريق الاستماع إليهم، ومحاولة تفهم وحل مشاكلهم بعيدًا عن أسلوب العنف والتجريح، وهذه المصاحبة توضح للأهل قدرات أبنائهم الحقيقية ودرجة نضجهم العقلي والنفسي، كما أنها تحمي الشباب من الأمراض النفسية والمشكلات الانحرافية، وتجعلهم متوازنين أخلاقيًّا وسلوكيًّا.
ومع استيعاب الوالدين لتناقضات الشباب كافة يستطيع الابن أو الابنة البوح بأسرارهما، بشرط عدم توجيه النصح والإرشاد مباشرة، وبذلك تكون الصداقة صمام أمان للشباب تقيهم من أي شر محتمل.
وهذه الصداقة لا تأتي بين يوم وليلة كما يقول خبراء الاجتماع فلها جذورها منذ الطفولة ومرحلة المراهقة، يبدأها الزوجان بتكوين نظام مستقل للبيت، بمنح الأبناء الثقة في النفس، بمشاركة الابن لألعابه وأفراحه، وبالحزم مرة واللين في المعاملة مرة أخرى، بلفت نظره للاستفادة من أخطائه، وبأن يكون الزوجان قدوة حسنة أمام أبنائهما، الصداقة تأتي بالممارسة والمحاولة المتكررة للاستحواذ عليهم.
*مقتبس من موقع (البلاغ)
|
|