في كربلاء المقدسة..
مدارس في "الهواء الطلق" .. تفتقد لأبسط مقومات التعليم وتنذر بكارثة صحية
|
الهدى / صفاء السعدي :
تعتبر المدرسة المكان الذي يشعر به التلميذ بشخصيته الدراسية وهيبته، فإذا كانت المدرسة غير مستوفيه للشروط الواجب توفرها فيها كمدرسة نظاميه أوأنها قديمة لم تطلها يد الإعمار مثلاً، فمثل هذه الأمور تعيق رغبة التلميذ في التعلم ناهيك عن أمور أخرى تتعلق بالكتاب الجديد والفرق بينه وبين الكتاب القديم الممزق،والأمر الآخر مسألة المدارس ذات الدوام الثلاثي، والى آخره من الأشياء التي لوأتيح لها ان تكون كاملة بدون نقص لكانت حافزاً قويا للموا ضبة على الدوام بانتظام، ولعلنا في هذا التحقيق نوفق في عرض الحالة المتردية لمدرستي الشعب وبدر الكبرى الابتدائيتين الواقعتان في حي الغدير، احد أحياء مدينة كربلاء المقدسة ،جنوب غرب مركز المدينة، لمعرفة هل إنهما قد استوعبتا الشروط الصحيحة والأنظمة الحضارية حتى ليطلق عليها اسم مدرسة .
ذهبنا وتجولنا في موقع المدرسة في باحتها ومحيطها الذي يثير الاستغراب والدهشة، وبينما كنا نتجول في أركان المدرسة التقينا بأحد المعلمين فيها (رفض ذكر اسمه) ليروي لنا قصة ما حصل في "مدرستي الشعب وبدر الكبرى الابتدائيتين" قائلا: " المدرسة طالتها يد الإعمار وهذا شيء يحسب لمديرية التربية التي تسعى إلى تحسين أداء عملها، ولكن يبدو ان الأمر فيما يتعلق بهاتين المدرستين كان مستعجلاً نوعاً ما وبدون تخطيط مسبق، فقد أحيلت أكثر من مدرستين في نفس المنطقة إلى المقاولين في وقت واحد" .
وأضاف : " قام الإشراف التربوي في بادئ الأمر باختيار مدرسة بعيدة جداً عن المنطقة لتكون بديلاً للمدرستين وهي المدرسة الواقعة في حي التحدي ..، وما حصل ان أولياء أمور التلاميذ رفضوا هذا الأمر خوفاً على أبنائهم من قطع كل تلك المسافة سيراً على الإقدام، ولأجل ان لاتذهب فرصة الترميم فكرت مديرية التربية وعلى الفور بجلب كرفانات وعمل مدرسة بديلة للمدرستين في أحدى الساحات القريبة من نفس المدرسة السابقة" وتابع:" ان التخطيط السريع جعلها تقع في عدد من الأخطاء منها ترك ساحة المدرسة ترابية فكان الأولى بها ان يتم صبها بالأسمنت على الأقل لتجنب التراب الذي عادة ما يغرق فيه التلاميذ والمعلمين في المدرسة وكذلك عدم وضع سياج مناسب للمدرسة للسيطرة على دخول وخروج التلاميذ".
(700) تلميذ من دون مرافق صحية !؟
ويضيف هذا المعلم ك " كذلك ترك الكرفانات بدون مرافق صحية مع إلحاح من مديرية التربية بالانتقال إلى الكرفانات وهي بدون مرافق صحية قياسا بعدد التلاميذ الذي لايقل عن(700) تلميذ ". مؤكدا: "ان مديرية تربية كربلاء لم تخصص حراس للمدرسة واكتفت بحارس المدرسة القديم" ، واشار الى ان الحارس اخبره بان "مديرية تربية كربلاء طلبت منه ان يكون مسؤولاً عن المدرستين و قد قالوا له بصريح العبارة :اقسم نفسك نصفين ، نصف في المدرسة القديمة ونصف في الكرفانات وحدث ان سرقت بعض من أبوابها واتهم مدير المدرسة بالتقصير وإصدار عقوبة لفت نظر له ولمدير المدرسة الثانية نفس العقوبة مما اضطر الى رفع جميع أبواب الكرفانات وشبابيكها المتبقية كي لاتسرق".
المتابعة والتنظيم من مسؤولية ادارة المدرسة
كما التقينا المهندس حيدر مهدي علي، مديرالأبنية المدرسية في محافظة كربلاء ، فقالان "مدرستي الشعب وبدر الكبرى قد عانتا من اهمال لفترة طويلة فقد اتخذنا قرار اًباعادة البناء الشامل وبناء جناح دراسي اكبر لاستيعاب اعداد الطلبة الكبيرة فقد تم اتخاذ قرار بضرورة نقل الطلبة الى مدرسة اخرى ولكن بمسافة ابعد ولكن رفض الاهالي زاد الامر سوءاً ، عندها لجأنا الى وضع الكرفانات وبشكل مؤقت"، وبحسب قول المهندس حيدر فإن المدرسة الحالية ذات الكرفانات هي افضل من المدرسة القديمة وان مسألة المتابعة والتنظيم هي من مسؤولية ادارة المدرسة. مؤكداً أن :" عملنا يقتظي بمتابعة اعمال الترميم في المشروع واعمال نصب الخدمات والكرفانات وقد انجز وباشر الطلبة بالدوام فيها وان مسألة بناء المدرسة مستمرة واود ان ابين انه لا وجود لمثل هذه الحالات في مدينة كربلاء المقدسة".
من الصعب تحميل كل المسؤولية لوزارة التربية
و التقينا بأحد المشرفين التربوين للأخذ برأيه حول هذا الموضوع، لكنه حين وافق على التحدث رفض ذكر اسمه ، و دعا مديرية تربية كربلاء و وزارة التربية إلى "التفكير جيد أثناء وضع الخطط لبناء المدارس الحديثة في كربلاء وذلك بسبب زيادة أعداد السكان فيها..". ويرى المشرف انه "من حق كل طلبة العراق ان يحصلوا على أفضل المدارس ووسائل التعليم،وان تتوفر لهم أفضل وسائل التعليم التي دخلت فيها التكنولوجيا الحديثة". مشيراً إلى ان "الجميع ينتظر اليوم الذي يحصل فيه تلاميذنا على أفضل الوسائل التعليمية في العالم وبينها الانترنيت وهذا لم يعدا مرا صعباً بالمقارنة مع ماوصلت إليه دول الجوار". وأوضح: "انه من الصعب على أي مثقف تحميل وزارة التربية الحالية مسؤولية تدهورالمستوى التعليمي وحرمان أبناء العراق من ابسط المستلزمات الدراسية والمتمثلة بمقاعد الجلوس فنحن نعلم ان السنوات الماضية (اثناء فترة حكم النظام المقبور) شهدت أسوأ مراحل تردي في العملية التربوية ولم يعد التعليم يحتل أهمية تذكر للنظام البائد ووصل العلم والمعلم فيها إلى حال يرثى له". وتابع : " ان ذلك لايمنعنا من مطالبة وزارة التربية أومديرياتها ومسؤوليها بمضاعفة الجهود لتطوير العملية التربوية وتوفير أفضل الوسائل التي تحقق الهدف المنشود ، ومن الطبيعي ان هنالك تقصيراً في مكان ما والا فكيف يصعب على الوزارة توفير مدارس متميزة أوأعادة التأهيل بأسرع الطرق الممكنة ".
واضاف المشرف التربوي بأنه: "لايمكن إجراء مقارنة في الأحوال التربويةالسابقة والحالية لكنه بالتأكيد هنالك أشياء مهمة لم تتغير وهي العقول الوسطى التي تنفذإستراتيجية الدوائر والإعمال المهمة، فأن هذه العقول مازالت هي التي تدير العمل وبعضها أدمن على الفساد والرشوة التي كانت وماتزال شائعة ولوبنسبة اقل ألان عما كانت في السابق لذلك نجد أننا بحاجة للتأهيل والتطوير وعلينا أن ندرك خطورة العمل وصعوبة المرحلة التي يمربها الطلبة إزاء كل تأخير يمرون به. "
(40 ـ50) تلميذ في كل صفّ .. ولا اشعرأني "مُعلم" !؟
وانتقلنا إلى معلم أخر ليروي لنا معاناتهم في هذه المدرسة حيث أشار قائلا"منذ بدء الدراسة والى يومنا هذا لم اشعر بأني معلم وأنا ادخل إلى الصف فالفوضى تعم القاعة الدراسية المتمثلة في الكرفان الذي لايمكن ان يستوعب الطلاب وإذا بنا نجد ان الطلبة يحشرون في الكرفانات الحديدية وان عدد الطلبة في الكرفان الواحد وصل إلى أربعين أو خمسين تلميذا، وقد بدأت بالضجر من الوضعية والتأفف وأصابني الخمول والكسل من وضع شبه يائس بعد ان فقدنا الأمل في الانتقال بالتلاميذ إلى مكان أفضل".وأضاف:"إننا نعمل في الهواء الطلق ووسط ضجيج السيارات والمارة وأصوات السكان المجاورة التي تثير انتباه التلاميذ بالإضافة إلى قوافل أغنام الرعي التي تمر من قربنا وكذلك أبواق السيارات المزعجة وكذلك عدم السيطرة على التلميذ فبإمكانه الهرب من الشباك إلى الشارع بسرعة دون ان تستطيع الإمساك به". لافتا الى أن " هناك عدة مدارس موجودة في الحي ذاته أو في الحي المقابل، يحتاج الأمرإلى قرار جريء وتعاون من قبل أولياء امور التلاميذ لتنقل المدرسة إلى مكان آخر قبل فوات الأوان ووقوع ما لايحمد عقباه لأسامح الله".
مليارواربعمئة مليون دينار لشراء "كرفانات" كصفوف دراسية
وبهذا الخصوص التقينا السيدة ابتهاج الزبيدي، عضو مجلس محافظة كربلاء عن شؤون التربية والتعليم لتحدثنا عن مسألة تردي الوضع الحاصل في مدرستي الشعب وبدر الكبرى الابتدائيتين، فأوضحت أن :" التعليم قد عانى الكثير من الاهمال والتدهور خلال الفترات الماضية وان مسألة اعادة بناء وتأهيل جميع المدارس في كربلاء وخلال هذه المدة القصيرة هي شيء مستحيل وصعب فقد عملنا على بناء عدد من المدارس وترميم البعض منها ولكن هذا العدد القليل لا يفي بالغرض المطلوب قياساً بعدد التلاميذ المتزايد لدينا ونتيجة لتوافد العديد من ابناء المحافظات الى كربلاء". وتابعت الزبيدي: "ان ماحصل في مدرستي الشعب وبدرالكبرى الابتدائيتين هو نتيجة لاحالة المدارس القديمة للبناء وان مسألة وضع الكرفانات جاءت مؤقتة اضافة الى ان التربويون هم مسؤولون عن المدرسة وعن النظام فيها بالاضافة الى اولياء الامور عليهم ان يزيدوا من وعي ابناءهم تجاه التعليم والنظافة والامور الاخرى".مؤكدة على : "ضرورة محاسبة المقصرين وهم المسؤولين عن الاشراف على هذه المدارس وضرورة متابعة مثل هذه المسائل وان الابنية المدرسية هي مسؤولة عن هكذا اعمال".واضافت الزبيدي:"اننا نعاني من مسألة عدم وجود الالتزام الكافي من قبل المقاولين والمتعهدين بانجاز المشاريع المحالة لهم وان مجلس المحافظة قد قرر في احدى جلساته تخصيص مبلغ (مليارواربعمئة مليون دينار) لشراء كرفانات لتكملة باقي الصفوف المحتاجة لها للمدارس التي تشهد نقصاً في عدد الصفوف حالياً كما تم تعيين المواد المنظفة والمطهرة من قبل مديرية الصحة لتعزيز الوقاية لدى التلاميذ".
اما من جهة اولياء الامور فقد تباينت الاراء لديهم، فمنهم من رأى ان مسالة نقل اولادهم الى مدرسة اخرى يعد بمثابة التنازل عن الحقوق الواجب توفيرها لابناءهم ، مؤكدين أن من حقهم في ان ينعموا بمدرسة جيدة ذات مستوى تعليمي مقبول،والبعض الاخرقال ان سبب عدم السماح بنقل اولادهم الى مدارس اخرى هو لبعد المسافة عن مناطق سكناهم وخشية الاخر من ان يتعرض ابناهم للاذى.
|
|