النقد البنّاء ضرورة للتقويم والبناء
|
تيسير الاسدي
يعتقد الكثير من الناس إن السياسية هي مجرد نصوص لفظية أو شعارات يلوكها لسان الإنسان أو هي امتلاك القدرة على توصيفها بجملة من الكلمات والألفاظ البراقة لذلك يرى الكثيرون إن من يمتلك هذه الصفات يعد واعياً سياسيا ويضرب به المثل في هذا المجال، ومن جراء هذا الفهم المغلوط للوعي السياسي لدى عامة المجتمع ترى الكثيرين منهم يتسابقون خلف من يمتلك صفة الكلام المزوق، لذلك لابد لعامة الناس من إدراك ماهية الوعي السياسي ليترجموها على الواقع المعاش، فالوعي السياسي هو عبارة عن جملة المفاهيم والأفكار والثقافات التي توجه حركة الساسة نحو بر الأمان، ومطالبتهم بترجمة الشعارات التي رفعوها إبان الانتخابات إلى حقائق اجتماعية وثقافية تطور من واقعه، وتنهي الكثير من مشاكله وأزماته ، لذلك فلا وعي سياسيا متجددا إلا بفكر نقدي، ولا فكر نقديا ً بناءً إلا بوجود أطر مجتمعية تستوعب تلك الأفكار وتموجاتها. وهكذا يصبح الفكر النقدي شرطاً من شروط الوعي الاجتماعي الجديد، بمعنى أن وعي المجتمع بذاته وبالآخرين وبدوره التاريخي لا ينجز إلا على قاعدة نقدية مستديمة تسائل المسؤول وتجعله على طاولة التشريح والتقويم مع ضرورة الحفاظ على الوئام الاجتماعي والسياسي بين السياسيين، وهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال قسر الجميع وإرغامهم على نمط سياسي محدد، وإنما يعني حيوية التنوعات وفاعليتها في إثراء مفهوم الوئام السياسي بأفكار ورؤىً وآفاق جديدة.
لذلك فإن ممارسة النقد في المجتمعات الديمقراطية من الثوابت الرئيسة التي لا يجوز الاستغناء عنها والسعي الحثيث لترسيخها من خلال الاعلام البنّاء الملتزم بقضايا مجتمعه، كالصحف والإذاعات الحرة غير الخاضعة الى أحزاب او من خلال منظمات المجتمع المدني وغيرها ذات الصلة بالموضوع، ولاسيما النقد السياسي الذي يشمل الحكومة باعتبارها السلطة التنفيذية والبرلمان، السلطة التشريعية، بالإضافة الى النقد الذاتي داخل المؤسسات الحزبية والحكومية عند أية اخفاقة سياسية، للإيمان المطلق بان النقد يعد الدافع الرئيسي للعملية السياسية الى الأمام، ويصحح المسيرة حال خروجها من مسارها المخطط لها، ولكن المؤسف ان هناك العديد من الجهات السياسية وبعض الشخصيات الرسمية او شبه الرسمية تبدي امتعاضها من ممارسة النقد دون ان تعرف حقيقة ان رصد الأخطاء وتصحيحها من المطالب الضرورية لإصلاح أداء السلطة التنفيذية او الأداء السياسي بصورة عامة، ولكن من يرفض النقد في هذا المسار لا يبحث سوى عن تحقيق مكاسب على حساب الآخرين حتى وصل الأمر عند بعض السياسيين إلى المطالبة علنا بعدم انتقاد الآخرين في هذه المرحلة التي تشهد الاستعداد للانتخابات لأنه يؤدي حسب آرائهم الى خلق فجوة بين المرشحين للانتخابات والناخب ،وهناك من يريد التركيز على الايجابيات فقط دون ذكر السلبيات وان هذه المؤسسات يفترض أن تشجع على ترسيخ ممارسة النقد ،هذا من جانب ومن جانب آخر من يبدي انتقاداته يتلقى سيلا من الاتهامات تصل في اغلب الأحيان الى وصفه بأنه ضد العملية السياسية والديمقراطية في العراق الجديد، ولكن لابد من التأكيد في هذا المجال على النقد البناء الذي لا يهدف الإساءة الشخصية لتحقيق مكاسب خاصة فحسب وإنما ذلك الذي يؤدي الى تقويم المسيرة لخدمة المجموع، وهناك من يريد أن ينتقد لأجل استهداف أشخاص او رموز ومن دون أن يكون لديه ما يستند عليه في انتقاده وهذا مرفوض من قبل الجميع ولابد من الوقوف ضده وكشف مآرب أصحابه علنا أمام الرأي العام.
على من يخوض المعترك السياسي ان يضع النقد أمامه في أية لحظة وان يتميز برحابة الصدر لتقبل النقد البناء وان يرى فيه الاتجاه الصحيح ، فالنقد ضرورة قصوى لسلامة المجتمع لأنه يتجه صوب نقاط الضعف ويعمل على تعريتها وفضحها، ويشحذ الهمم لتوفير الإرادة المجتمعية القادرة على سد تلك النقاط. فلا قوة حقيقية لأي مجتمع تغيب فيه عمليات النقد والتقويم. فالقوة مرهونة بقدرة أبناء المجتمع على مساءلة من يسودهم ، وفحص قناعاتهم العامة وذلك ليس من أجل إشاعة الفوضى والهدم، وإنما من أجل طرد كل الأمراض التي قد تبرز في الفضاء المجتمعي. لهذا كله فإننا ندعو إلى عدم الخوف من النقد ، بل من الضروري أن نوفر الأطر البحثية التي تقدم لنا دراسات وأبحاثا جادة عن واقعنا السياسي والاجتماعي لمعرفة عناصر قوتنا وضعفنا، ومن ثم العمل على تأكيد عناصر القوة وطرد عناصر الضعف فلا حيوية في المجتمع بلا نقد، ولا قدرة للمجتمع للتخلص من عيوبه بدون تشجيع الباحثين والمختصين على قراءة الواقع الاجتماعي والسياسي ونقده.
|
|