العراق وأبعاد ما بعد الانسحاب
|
علي حسين عبيد
هل سيتغيّر العراق في مرحلة ما بعد الانسحاب، أم سيبقى على حاله؟ هذا السؤال وارد جدا، بل سمعته من أناس لهم علاقة بالسياسة، ومن آخرين لا تهمهم السياسة بقدر تحسين حياتهم نحو الأفضل، هذا يعني أن ثمة اهتماما شاملا من لدن العراقيين كافة، بما سيؤول إليه عراق ما بعد الانسحاب الامريكي، والكل يتساءل، هل ستبقى صورة هذا البلد كما هي في ظل الاحتلال، أم أنها ستتغير، واذا كانت الاجابة بأهمية وحتمية التغيير، فهل سيحدث ذلك بما يجعل العراق أفضل مما كان عليه في زمن الاحتلال؟. تساؤلات عديدة تطرح نفسها، أمام السياسيين أولا، خاصة القادة منهم، ولابد أن الوقائع ستجيب عن جميع التساؤلات المطروحة بهذا الشأن، لذا مطلوب من القادة في مرحلة ما بعد الانسحاب، وفي أوائل ساعاتها وأيامها، أن يعملوا على تكريس المنهج الديمقراطي في بناء العراق الجديد، أي عراق ما بعد الاحتلال، وينبغي أن يتخذ هذا التكريس طابعا حقيقيا وفعليا، بمعنى أوضح أن الديمقراطية لن تترسخ بالكلام وحده، فلقد تحدثنا كثيرا عن الديمقراطية في زمن الاحتلال، وقيل في هذا المجال الكثير وكُتب ونُشر الكثير ايضا، وأقيمت الندوات الاعلامية والسياسية والمؤتمرات، لدرجة أن مفردة الديمقراطية ترددت على ألسنة الجميع، بمن فيهم من يقبع في قعر الفقر والجهل والجوع، فالجميع أتقن لفظة الديمقراطية، لكننا لا نزال نعاني من نواقص كبيرة في تطبيق هذا المنهج على واقعنا السياسي والحياتي عموما، والسؤال المهم هنا هل سيبقى الحال كما هو عليه في هذا الجانب، أم سيزداد سوءا، أم سيرتقي السياسيون العراقيون في ظل الاستقلال الكامل، لكي يتحول البلد الى الديمقراطية والتحرر لفظاً وجوهراً؟.
إذا سألنا السياسيين عن ذلك، قادة او غيرهم، ستكون الاجابة سريعة و واضحة، سيقول الجميع أن حال العراق الديمقراطي سيكون أفضل عما كان عليه في زمن الاحتلال، ولكن الكلام وحده لن يصلح كبرهان أو دليل، ما لم تدعمه الوقائع على الارض، إذ هناك علامات دالة على الترسيخ الديمقراطي يجب أن نراها ونلمسها، منها مبدأ التداول السلمي للسلطة، فينبغي على جميع السياسيين العراقيين الايمان القاطع بهذا المبدأ لفظا وجوهرا، والايمان التام باستحالة العودة الى الوراء، أي الى زمن الانقلابات والسطو على السلطة بالقوة الغاشمة، فهناك انتخابات وصناديق اقتراع، وهناك مؤسسات دولة ينبغي الحفاظ عليها وتدعيمها من لدن الجميع.
كما أننا نحتاج في عراق ما بعد الانسحاب، الى التطبيق الكامل لمبدأ الفصل بين السلطات، لأنه مبدأ يكفل الحفاظ على المنهج التحرري الذي سيقي العراق والعراقيين، من دوّامة عدم الاستقرار السياسي، كما أننا نحتاج في عراقنا الجديد الى ضمان مبدأ الحريات وحمايتها، واحترام الحقوق الفردية وسواها، فهي العلامة الاشد دلالة على المنهج الديمقراطي الراسخ، ولأننا حين فرحنا بخروج المحتل، وما رافقه من ظواهر لا تنتمي للمنهج الديمقراطي، فإننا نتأمّل ونطالب بإفشال الاحتلال الداخلي، إذ ما فائدة أن نطرد الاحتلال الخارجي ونتخلص منه، ونبقى سجناء في سجن الاحتلال الداخلي، ممثلا بالتهميش ومصادرة الحقوق، وهنا يحضرني كلام رسولنا الكريم (ص) عن الجهاد الاصغر والجهاد الاكبر، فخروج الاحتلال بالنسبة للعراقيين هو الجهاد الاصغر، أما الجهاد الأكبر فهو القضاء التام على الاحتلال الداخلي، ممثلا بالفساد والعصابات والمافيات التي تنتشر في مفاصل عديدة للدولة، كما أننا بحاجة للقضاء على ظاهرة التزاوج بين المال والسلطة، إذ أينما وُجدت السلطة وُجد المال وبالعكس، فهذه الظاهرة التي نمت وتصاعت في ظل الاحتلال الخارجي، لا نريد لها الاستمرار في عراق ما بعد الانسحاب، لأن بقاءها مجددا، يعني أننا انتقلنا من احتلال الى آخر أكثر خطورة على العراق والعراقيين جميعا.
وأخيرا لابد أن نربط بين خروج الاحتلال وضرورة تحسين ملف الخدمات، بمعنى اوضح اننا عشنا في السنوات التسع الماضية واقعا خدماتيا بائسا، وعلينا أن نكرس المنهج الديمقراطي من خلال تحسين هذا الملف، لكي تختلف الصورة والجوهر عمّا كانا عليه ابان الاحتلال، فيشعر العراقيون فعلا بالاختلاف الكبير بين عراق محتل، وآخر تخلّص من ربقة الاحتلال الاجنبي، وهذا الأمر من أهم الامور التي يجب أن يتنبّه لها جميع الساسة العراقيين قادة وغيرهم، لأن المواطن العراقي يراقب ما سيحدث في الواقع الجديد، أي واقع ما بعد الانسحاب، وسوف يقارن بين ما اختزنته ذاكرته في زمن الاحتلال وبين ما سيؤول إليه العراق في ظل قيادته الوطنية، التي ينبغي أن تقوده الى مرفأ الحرية والرفاه والامن والاستقرار، وهو مطلب جماهيري لا يزال بعيدا، في أدراج القادم، أو في واقع ما بعد الاحتلال.
|
|