الكلمة المسؤولة
|
عمار كاظم
يريد الله تعالى للإنسان الذي خلق له عقلا مستقلا وشخصية مسؤولة ألا يخضع عقله لأي انسان بل أن ينفتح على أي فكر يلتزمه أو أي انتماء ينتمي إليه من خلال دراسته بمسؤولية ومن خلال اقتناعه ليقدم حساب ما يفكر فيه أو ما ينتمي إليه أو يتبعه لله تعالى لأنه سيقف أمام الله تعالى في موقف الحساب وسيسأله عن القاعدة التي اعتمدها في تفكيره وفي تحديد انتمائه. وقد ألزم الله تعالى عباده كلمة التقوى (فانزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى) وأراد للمؤمنين أن يعيشوا الهدوء النفسي والسكينة الروحية عند مواجهتهم لعناصر الإثارة من الآخرين وأن يلتزموا منهج الإسلام في الدعوة إلى تماسك المجتمع والدعوة بالتي هي أحسن والابتعاد عن السب والشتم ففي الحديث الشريف (إن الله حرم الجنة على كل فاحش بذيء قليل الحياء لا يبالي لما قال ولا ما قيل له) بحيث يسب ويشتم الناس أو المحيطين به متلفظا بالكلام البذيء (ان الفحش لو كان مثالا لكان مثال سوء).
ان كلماتنا الجميلة هي مثل الهدايا يستحسن أن نقدمها مغلفة بغلاف جميل حتى تسر الذين نقدمها إليهم وكلماتنا الناقدة مثل وخزات الإبر يفضل ألا تكون موجعة للدرجة التي تجرح سامعيها، فالكلمات كالبضائع في السوق فيها الجيد وفيها الرديء وعلينا أن نتخذ الكلمة الطيبة في لفظها وفي معناها وفي مرادها لتكون رسولا إلى الآخرين، علينا أن نعيش مسؤولية الكلمة وأن نطلق الكلمة السديدة الموزونة بميزان الذهب التي تهدف إلى الرشاد والتسديد لخطى السامع (فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا). فالكلمة هي الجسر الذي يعبر الإنسان من خلاله نحو الإنسان الآخر، وقد حدثنا الله تعالى عن رسوله محمد صلى الله عليه وآله أنه كان لديه القلب واللسان فكانت كلماته اللينة التي لا قسوة فيها وكانت رحمته للناس في قلبه كما كانت رحمته للناس في لسانه (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك).
وقد نهانا الله تعالى عن استخدام الكلمات السيئة والفحش والسباب وحذرنا من الذين يسيؤون الكلمة سواء أكانوا في بيوتهم أم في مجتمعاتهم وقد ورد في الحديث عن رسول الله (إياكم والفحش فان الله لا يحب الفاحش المتفحش). وان الجنة حرام على كل فاحش أن يدخلها، وقد قال صلى الله عليه وآله في مورد آخر (ما كان الفحش قط إلا شانه ولا كان الحياء في شيء قط إلا زانه). وعنه صلى الله عليه وآله (لو كان الفحش خلقا لكان شر خلق الله). وان الكلمات الهدامة الشتائم والسباب والتشهير والتسقيط هذه الكلمات الجارحة والنابية التي نهانا الله عنها وأمرنا باستخدام اللغة المهذبة حتى مع المسيئين (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) وأمرنا تعالى باستخدام اللغة الرقيقة اللينة بدل الكلمات الجارحة والقاسية (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) واختيار الكلمات الأحسن لتعميق العلاقة النفسية والفكرية مع الآخرين ولذا قال الله تعالى حينما طلب من موسى وهارون أن يحاورا الطاغية فرعون قال لهما (اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا) لغة اللين والانفتاح على الآخرين والتكلم بالكلمات التي تفتح عقول الناس وقلوبهم ولا تثير حساسيتهم ولا تعمل على اثارة الأذى في أنفسهم، ولا بد من ارساء القواعد والضوابط والآداب الأخلاقية لينتقل الانسان من العدواني المحارب إلى مناشد للحب والخير والسلام للآخرين (افعل الخير مع أهله ومع غير أهله فان لم يكن من أهله فأنت من أهله).
لا بد من انشاء شبكة من العلاقات السليمة الحسنة ولنتعلم من الحياة أن الشتيمة تعاقب نفسها، ففي الرواية سمع أمير المؤمنين عليه السلام رجلا يشتم قنبرا وقد رام قنبر أن يرد عليه فناداه أمير المؤمنين مهلا يا قنبر دع شاتمك مهانا ترضي الرحمن وتسخط الشيطان وتعاقب عدوك، فوالذي خلق الحبة وبرأ النسمة ما أرضى المؤمن ربه بمثل الحلم ولا أسخط الشيطان بمثل الصمت ولا عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه.
|
|