سماحة المرجع المُدرّسي يؤكد أن (الأمن اولاّ) وأن ذلك يتطلب تعاون الشعب مع الأجهزة المعنية:
لاسبيل أمام الساسة إلاّ (الحوار) والرجوع الى ركائز الشعب من مرجعية ودستور وبرلمان وقضاء
|
كربلاء المقدسة/ الهدى:
دعا سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المُدرّسي(دام ظله) قادة العملية السياسية في البلاد الى الرجوع والاحتكام الى ماوصفها بالركائز وقنوات التفاهم التي يمتلكها الشعب العراقي، والدخول بنية صادقة وارادة جادة ومخلصة في الحوار الوطني لكي تتم معالجة الخلافات ومواجهة الظروف الحاسسة التي تمر بها البلاد، منوها الى أن في مقدمة تلك الركائز التي يمتلكها العراق المرجعية الدينية والدستور والبرلمان المنتخب والقضاء المستقل . مؤكدا في كلمة القاها لدى استقباله حشد من الوفود والشخصيات والزائرين، على دعوات عقد اجتماع او مؤتمر للحوار اطلقها مؤخرا رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية وغيرهما من الشخصيات والجهات لبحث الاوضاع والقضايا الخلافية وتشخيص الخلل الامني والسياسي. كما اشار الى أن تحقيق " الأمن اولاً" حيث لا استقرار ولا استثمار ولا تقدم دون وجود الأمن، وان هذا الأمن في جانب مهم منه لن يتحقق من دون تعاون الشعب مع الاجهزة الأمنية.
وقال سماحته في جانب من حديثه: " نحن في العراق وبالذات اليوم، بلدنا و شعبنا يتعرض لتحديات وامتحانات صعبة على اكثر من صعيد، ومنها بالذات السياسي والأمني.. حيث تتصاعد وتيرة الاعمال الارهابية منذ الخميس وماشهده من وقوع انفجارات عديدة في العاصمة بغداد ومانتج عنها من وقوع عشرات الشهداء والمصابين الابرياء.. هذا جزء من الابتلاءات والتحديات التي نعايشها وهي شيىء متوقع منذ البداية وهي هزات متوقعة بعد الانسحاب العسكري الامريكي من البلد...ولكن المهم هو كيف نتعامل معها ونعالجها، فلابد ان نواجهها ونتصدى لها بعزم ووعي، فنحن في هذه الدنيا نخوض معركة مع شياطين الانس كما اننا نخوض معركة وصراعا مع النفس الامارة بالسوء وفي إطار سُنّة الابتلاء والامتحان التي تتحدث عنها الايات القرآنية، لكن السؤال هو: ماهي العبرة التي نستفيدها من ذلك؟.. هاهم ضحايا الارهاب الابرياء من ابناء شعبنا اليوم، بعضهم اطفال مدارس بعضهم مرضى في المستشفيات، بعضهم عمال وكسبة يخرجون للكد على عيالهم.. انها في الحقيقة فاجعة عاشها ويعيشها شعبنا بسبب هذه الاعمال الاجرامية البشعة.. وبالمقابل ترى العالم والموتورين هنا وهناك يتحدثون بصوت عالٍ ويقيمون الدنيا ولايقعدونها حينما يحدث أمر ما في مكان اخر ،و لكن حينما يقع في العراق مثل تلك الحوادث بل وماهو اوسع واوقع منها تصبح المسألة وكأنها حالة طبيعية بالنسبة لهم وربما يشمتون بنا.. لكن نعود ونقول ماهي مسؤوليتنا نحن في بلدنا؟..". وتابع سماحته مشيرا الى جوانب من هذه المسؤلية قائلا: " اولاً، اؤكد على ما دعا اليه مؤخرا رئيس الوزاء وغيره من الاخوة ، حينما دعوا وطرحوا قضية الحوار الوطني وعقد اجتماع لبحث الاوضاع والقضايا الخلافية وتشخيص الخلل الامني والسياسي والاحتكام الى الدستور لحل الخلافات.. فنحن كشعب موحد وبجميع مكوناته واطيافه الكريمة لا يمكننا ان نعيش في العراق من دون تراضٍ وتفاهم، وهذا مبدء مهم ليس في العراق وحده بل في العالم كله..". واشار في هذا السياق أن من يتحدث عن الدكتاتورية فإنها قد ولّت ولن تعود بإذن الله ووعي شعبنا، فالدكتاتورية "ليست سوى نظاما سيئا مقيتا ، نظام من انظمة القمع، واحيانا وفي ظل هكذا نظام و نهج منحرف حتى الحاكم نفسه يُقمع ويُجازى في النهاية وبحسب مايضع من قوانين باطلة ومقيدة يريد من الكل أن يمشي عليها... ثم أن الدكتاتوريات بدأت تتضعضع، ومهما طال الزمن ببعضها فمصيرها الى زوال....".
وبالعودة الى مبدء الحوار والتفاهم اوضح سماحته أن " من النعم والايجابيات ان قنوات التراضي والتفاهم تهيأت من خلال الدستور، من خلال البرلمان، و المجالس والمؤسسات الاخرى المنتخبة في البلاد ، وغير المنتخبة، فلماذا لم نُفعّل هذا الحوار وهذه القنوات، وفي الواقع المرء قد يبقى في حيرة حين يرى أن الشعب و البلد لديه مجلس نيابي منتخب، والكل من الاخوة السياسيين وغيرهم قبلوا ورضوا به وبالانتخابات التي يؤكدون انها لم تكن مزورة ، اذاً لايجب بعد هذا أن يَدَعو هذا القاسم والمحور المهم من دون أن يُفعّلوه ليعطي ثمار ايجابية للبلد والشعب ، ويحلوا كل المشاكل والخلافات فيما بينهم بإرادة حقيقية ونية صادقة....".واضاف مؤكدا :" بالاضافة الى ذلك هناك في العراق فرصتان كبيرتان ومحوران مهمان ،الاول: العلماء والمرجعية، فالمرجعية في العراق كانت على الدوام ملجأ وكهفا حتى لغير العراق، ولقد كانت مشاكل كبيرة تحدث عبر التاريخ الماضي في باكستان وايران وفي اي بلد أخر من بلدان المسلمين يأتون الى المرجعيات في العراق لحلها، وكم من قضية حادة في العالم الاسلامي قامت المرجعية بدور اساس في معالجتها وهناك امثلة مشرقة على ذلك... لكن لماذا نسينا؟ ولقد قلنا سابقا ونكرر دائما أن المراجع في العراق ليسوا مراجع للشيعة فقط بل هم مراجع للشعب العراقي كله و من المفروض ان الشعب العراقي كله يلجأ اليهم ويأخذ برأيهم.." وتابع : " واما الفرصة او المحور الثاني الذي يمثل طاقة مهمة من طاقات هذا الشعب ، فهو العشائر الكريمة ، وهي قد قامت بدور ايجابي مهم وكبير في كثير من الظروف الصعبة في تأريخ العراق... هذا بالاضافة كما اسلفنا الى الوسائل والقنوات الاساسية الاخرى التي لدينا وفي مقدمتها البرلمان، والقضاء المستقل ، وعشرات من المجالس والمؤسسات والمراكز التي تستطيع ان تقوم بدورها ومسؤوليتها بكل قوة وجدية" ، مضيفا : " نحن في العراق اليوم بحاجة الى الاستفادة والتفعيل لكل هذه القنوات والمحاور ، فاذا لم نستفد من هذه او تلك، لم نستفد من البرلمان ، ولا المرجعية ولا العشائر ، ولم نعتمد على القضاء، ولا ولا.. واذا لم نجلس لمناقشة وحل المسائل بعد الاقتراح الاخير بعقد اجتماع او مؤتمر حوار ليجمع الكل وليتحدثوا بصراحة ومسؤولية، فأن الامور تبقى عالقة وتزداد تدهورا وتشعبا ويبقون في حرب مناوشات فيما بينهم ، بسياسة الفعل ورد الفعل وكل يعمل من الحبَة كبّة كما يقال .. نحن في العراق وقبل فوات الاوان يجب أن نوحد الصف، ندعوهم الى ان يرجعوا الى ركائزهم، الى المرجعية والبرلمان ، وسوى ذلك من وسائل وركائز حضارية.. لقد مررنا من قبل في احلك ظروف البلد حينما فجرت قبة الامامين عليهما السلام في سامراء، وكادت أن تدفع العراق الى الحرب الاهلية، لكن الشعب، وبكل قواه وقياداته الدينية والوطنية والسياسية تجاوزها مشكورا، الكل ادركتهم الحكمة، رأوا ان هذه مؤامرة تدخل العراق في حرب اهلية طائفية وهي ليس في مصلحة احد واتفقوا على ان لا ينجروا وراءها.. فهكذا صراعات وفتن لارابح فيها ابدا، فالرابح فيها خسران...".
وبشأن الاوضاع الامنية في البلاد اوضح سماحته : " بالنسبة الى ما حدث في بغداد وغيرها من خروقات أمنية و تفجيرات واعمال ارهابية فأننا قلنا مرار ونكررها بأنه لايمكن أن يعالج هذا الملف الا بالتعاون الجدي المسؤول والواعي بين الاجهزة الامنية وبين كافة ابناء الشعب،، و اقول هنا أن شعبنا يجب أن يتحدى لا أن ينطوي على نفسه ويصبح سلبيا، يجب ان يكون لدينا جميعا حس ووعي أمني شعبي لدى كل طبقات المجتمع نرفد به الاجهزة الامنية لتستفيد منه في مهامها.. حتى الطفل الصغير لو زرعنا فيه هذا الحس وهذه المسؤولية قد يكون في ظرف ما عونا قد يدلنا مثلا على مخزن للمتفجرات، وهل هذا شيء مستبعد ؟!.. إذن لابد ان يفهم الشعب ان الاجهزة الامنية منه واليه ومن اجله ، فلابد أن نحترمها ، وبالمقابل ايضا، الاجهزة الامنية يجب تحترم الناس وان تستفيد من طاقات الشعب.. ولابد هنا من التنبيه أيضا على أن اجهزتنا الامنية بالرغم من انها قامت بالكثير واحرزت تقدما في ادائها في مجال السيطرة على الاوضاع الصعبة و لكن بالرغم من ذلك هناك ايضا تلكؤ، وقد يكون هناك خلل واختراق فيها هنا او هناك، فلابد من اليقضة والحذر والمعالجة.. إذن نحن لا يجوز لنا ان نحمل الاجهزة الامنية كل الذي يحدث، علينا وعلى الدولة ان نقدم كل ما ينبغي ان نقدمه من اجل امن شعبنا وامن بلدنا .. لايجوز الاستهانة بالأمن والاستقرار لانه اذا لم يكن هناك امن ، لن يكون هناك استثمار ولا استقرار ولا تقدم، الامن اولا ومن ثم سائر الامور..".
|
|