الى الأبوين..
لنحذر (العقوق) في نهاية المطاف
|
*أحمد صادق
ليس هناك عقوبة يُعجَّل لصاحبها العقاب في الدنيا مثل عقوق الوالدين، فهي من الكبائر التي وعد الله سبحانه وتعالى فاعلها نار الجحيم، وقد ورد عن الرسول الكريم (صلى الله عيله وآله وسلم): (إن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة: الإشراك بالله، وقتل النفس المؤمنة بغير الحق، والفرار في سبيل الله يوم الزحف وعقوق الوالدين).
وهنا عُد عقوق الوالدين بمنزلة ذنب عظيم مثل الشرك بالله، وذلك لما يتضمنه هذا الذنب من الإنكار لحق الوالدين الذين بذلا ما بذلا في سبيل إبنهما حتى يكبر يوماً بعد يوم وسنة بعد سنة، فهما من بعد الله أعظم الخلق حقاً على الإبن.
ولابد أن يعرف الأبناء حجم العطاء الذي يقدمه آباءهم في سبيل تنشئتهم، ومقدار العناء في مراعاتهم عندما كانوا يمرضون، وحجم الصعوبات التي يلاقونها في سبيل توفير الطعام واللباس لهم، وحجم العناء الروحي والجسدي حتى يلقنوهم قواعد الأخلاق السليمة والتربية الصحيحة، كل هذا وغيره يجب أن يعرفه الأبناء حتى يتعرفوا بالضبط على الحجم الحقيقي لدور آبائهم في نموهم وتنشئتهم.
وتقع بالدرجة الأولى مسؤولية بث مثل هذه المعرفة على الآباء، فهم معنيون أكثر من غيرهم بأن ينشأ أبناءهم النشأة السليمة التي يلتزمون بها بالأخلاق الفاضلة وأداء حقوق الناس وعلى رأسهم الوالدين، لذا يتوجب على الوالدين أن يتحدثوا مع أبناءهم عن ما مضى من أيام حياتهم، وعن أيام سعادتهم وايام مرضهم وأيام معاناتهم، وكيف كانت الأم تجلس إلى الصباح الباكر وهي تراقب أوضاع أبنها المريض، وكيف كان الأب يعاني ويرهق نفسه وجسده في سبيل توفير لقمة العيش.. يجب أن يتعرف الأبناء ومنذ صغرهم على هذه الحكايات وعلى هذه القصص، حتى يدركوا كل هذه المعاني، وتتغلغل إلى أعماق قلوبهم.
إن أغلب الأبناء الذين لديهم ممارسات سيئة مع آبائهم هم في الواقع يجهلون حقيقة ما فعله آباءهم في سبيلهم ولذا كان من المهم توعية هؤلاء الأبناء بحقيقة الدور والعمل الجسيم الذي يؤدية الآباء في حياة أبنائهم، وهم إضافة إلى ذلك يجهلون موقف الدين حيال هذه المسألة، وكيف أن الله سبحانه وتعالى يبغض العاق لوالديه؟ وكيف إنه عزوجل يعجّل عقوبته في الدنيا قبل الآخرة، وهذه أيضاً من مسؤولية رجال الدين والإعلام الإسلامي الذين يتمتعون بموقعية مهمة في نشر الفكر الإسلامي والأخلاق الفاضلة، وواحدة من القضايا الجوهرية التي يجب أن ينتبه إليها رجال الوعظ الديني هي مسألة بيان حق الوالدين، من الناحيتين الدينية والإنسانية، فهناك العشرات من الأحاديث والروايات التي تحذر الفرد المسلم من العقوق، ولابد أن يكون هذا المسلم على إطلاع بما ورد بهذا الشأن من الأحكام والقضايا الدينية، حتى يكون على بينةٍ من أمره، ويدرك تمام الإدراك حجم الجريمة التي يرتكبها بعقوقه لوالديه.
ويجب أن يعرف ما هو المراد بالعقوق؟ وكيف يكون الإبن عاقاً لوالديه؟ وما هو الفعل الذي لو ارتكبه أصبح عاقاً لوالديه؟
هذه الأمور كلها يجب أن يقوم رجال الدين بتوضيحها لأفراد الأمة، وكذا وسائل الإعلام المختلفة من المرئيات والسمعيات والمقروءات فهذه القضية ليست قضية هامشية لاتستحق البحث والتحقيق، بل هي من المسائل الجوهرية التي يرتبط مصير الشعوب بها، فإن معظم ما يجري على الناس من العذاب وما ينزل عليهم من البلاء ليس لجهلهم بأمور السياسة التي تملأ الصحف والمجلات قضاياها، بل بسبب الذنوب العظيمة التي يرتكبونها ويكون من جرائها نزول العذاب الأليم، وعلى رأس هذه الذنوب هي عقوق الوالدين.
إننا لو تعمقنا في الأحاديث الشريفة سنجد أن لكل خطيئة يرتكبها الناس هناك عقوبة إلهية تعم الجميع، فهناك من الذنوب ما عقوبته الزلزلة، ومنها ما عقوبته البراكين ومنها ما عقوبته الفيضانات والسيول، ومنها ما عقوبته غلاء الأسعار، ومنها ما عقوبته الحروب، ومنها ما عقوبته حكم الظلمة..
وقد جاء في الأحاديث الشريفة عن عقوق الوالدين، عن الامام الصادق (عليه السلام): (الذنوب التي تظلم الهواء عقوق الوالدين) وقال الامام الهادي (عليه السلام): (العقوق يعقّب القلة ويؤدي إلى الذلة)، وقال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): (إثنان يعجلهما الله في الدنيا: البغي وعقوق الوالدين)، ويبين الإمام الرضا (عليه السلام) فلسفة تحريم عقوق الوالدين ويقول: (حرّم الله عقوق الوالدين لما فيه من الخروج من التوفيق لطاعة الله عزوجل والتوقير للوالدين وتجنب كفر النعمة، وإبطال الشكر وما يدعو من ذلك إلى قلة النسل وانقطاعه لما في العقوق من قلة توقير الوالدين، والعرفان بحقهما، وقطع الأرحام والزهر من الوالدين في الولد، وترك التربية بعلّة ترك الولد برهما.
وقد حدّد النبي الاعظم مقدار العمل الذي لو ارتكبه المرء كان من زمرة العاقين للوالدين فقد أوضح (صلى الله عليه وآله) (من أحزن والديه فقد عقهما)، وقد فصلّ الإمام الصادق (عليه السلام) في ذلك وقال: (من العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحدّ النظر إليهما)، والأكثر من ذلك هو أن لاينظر إليهما نظرة إنزعاج وعتاب على ظلم إقترفاه بحقه، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (من نظر إلى أبويه نظر ماقت وهما ظالمان له، لم يقبل الله له صلاة).
وإذا أراد الإنسان أن ينظر إلى المسألة من باب المصلحة فإنه سيجد في عقوق الوالدين مضرة لحياته الدنيوية والأخروية، وإنه لن يكون الخاسر على صعيد الحياة المعنوية فقط بل سيكون خاسراً على صعيد الحياة المادية أيضاً، ففي العقوق هناك نقصان، نقصان في المال والعمر، فمنهم من يموت في مقتبل العمر وقد كسر عمره ونقص بسبب ظلم إقترفه بحق أحد والديه، ومنهم من يحصد الخيبة والفشل في كل أمور حياته بسبب دعاء أمه عليه، فهي تدعو عليه عند الله، ودعاؤها في حقه أكثر إجابة من الله العلي القدير، فإن أكثر الأدعية إستجابة هي دعاء الأم بحق ولدها، إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر.
لذا جاء الحثّ من جانب الشريعة الإسلامية بالتربية الصالحة للأبناء، وأن يبذل الآباء قصارى جهدهم في سبيل تنشئة الأبناء النشأة الإسلامية الصالحة حتى يكون في خاتمة الأمر باراً بوالديه محسناً إليهم، مراعياً لأحاسيسهم ومشاعرهم حتى في النظرة والكلمة.
|
|