الكلمة المسؤولة
|
* طاهر القزويني
لو كان كلام الناس علمياً ودقيقاً لايحتمل شيء من الخطأ أو الشك، ماذا كان سيحدث؟
و لو كانت تصرفات الناس وحتى كلامهم على أساس العلم والمعرفة لكانت الحياة التي نعيشها غير ما نراها، لأن كل خطوة وكل كلمة من كلمات الإنسان التي يتلفظها مفيدة وتسهم في بناء الحياة، واذا دققنا في أسباب اندلاع الحروب والمشاكل والنزاعات على الصعيد العالمي، وعلى الصعيد الاقليمي وحتى على الصعيد الاجتماعي والأسري، نجد أنها تعود بالأساس الى أخطاء فاحشة وكلمات تافهة.
ولم نجد في وصف أرقى وأجمل من وصف الله عزوجل للكلمة وهو يقول: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ" (إبراهيم/ 24-25).
إذن، إذا كان كلام الناس وتصرفاتهم مطابقة للموازين العلمية والاخلاقية، لكنا نعيش في جنة الدنيا، لكن معظم الكلام الموجود عندنا لاينطبق مع تلك الموازين التي نتحدث عنها، لذا وصلتنا من جانب أئمة الهدى (صلوات الله عليهم) توصيات تعد قواعد علمية تنظم حياتنا الإجتماعية وهي بالإضافة إلى ذلك إرشادات أخلاقية تهذب سلوكياتنا ونفوسنا.
فنحن نجد في كتب الحديث توصيات من جانب أئمتنا وهم يحثّون على مسألة عدم الإكثار في الكلام، وعدم الرد على كل شيء لانملك له جواباً علمياً ودقيقاً، لذا نقرأ عن الإمام الصادق (عليه السلام) هذا الحديث (إن من أجاب في كل ما يسأل عنه مجنون) بحارالانوار/ ج2، ص117، ولايعني هذا أن يسكت الإنسان عن بيان الجواب الصحيح، بل المطلوب هو الصمت وعدم الإجابة بالنسبة إلى المسائل التي يشك في صحة أو سقم جوابها، ذلك أنك لو أجبت شخص عن مسألة معينة كبيرة أو صغيرة فإن هذا الجواب سيكون بمنزلة اللبنة التي يبني عليها تصوره أو قناعته حول ذلك الأمر الذي سأل عنه، وبالتالي سيترك تأثيراً على سلوكياته وأفكاره.
مثالٌ على ذلك: لو سألك شخص عن موقفك تجاه الجماعة الفلانية، بلاشك أن تصوراتك ونظرتك تجاه تلك الجماعة ستترك تأثيراً على موقف هذا الشخص الذي يتطلع إلى معرفة أفضل بما يدور حوله من قضايا وأحداث، وهذا التأثير سيمتد إلى ساحة الانتخابات واختيار الممثل في مجلس النواب أو في مجالس المحافظات، عندما سيلقي هذا الشخص برأيه في صندوق الاقتراع، وهذا الرأي ربما يحسم نتيجة إنتخابية لصالح حزب ما ضد حزب آخر!
فكلمة واحدة تنطق بها لصالح جماعة ضد جماعة أخرى ستترك تأثيرات كبرى على الوضع السياسي والإقتصادي والإجتماعي للبلد، عندها نفهم لماذا قال الإمام الصادق عليه السلام: (إن من أجاب في كلّ ما يسأل عنه، لمجنون).
هذه الكلمة تحمّل الإنسان مسؤولية عظيمة، لأنها تغيّر مجرى الأمور في البلد، وتأتي – ربما- إلى السلطة أناساً غير كفوئين وحتى سيئين، فأنت تكون مسؤولاً عن وصول هؤلاء إلى الحكم وتشاركهم في كل خطأ وجريمة يرتكبونها لأنك أسهمت في وصولهم إلى الحكم!
الخيار العلمي والديني لمن يسأل عن شيء لايعرف جوابه، هو الصمت وعدم الإجابة، ذلك أن الإجابة كما قلنا تخلق الفوضى وتشيع الجهل وتكرس التخلف، بينما المناسب هو أن نسمح للعلم بأن ينتشر ويتفوق على الجهل حتى تتحول حياتنا إلى حياة مزدهرة بالعلم والفضيلة من هنا يتطلب الأمر منا أن نخلق آلية مناسبة لتحقيق هذا الأمر.
فمجتمعاتنا اليوم ملتزمة ببعض التقاليد والأعراف الايجابية وعلى رأسها احترام كبار السن والسماع منهم والإستفادة من تجاربهم الحياتية، وهذا إطار مناسب من أجل تعليم الشباب والفتيان تجارب الحياة، لكن هذا الأمر لايكفي بل لابد من الاستفادة من وسائل وطرق أخرى لتنشيط الحركة الإجتماعية وتقويم الأشخاص الأكثر علمية بين الناس حتى وإن كانوا صغار السن.
إن إيجاد الإطار المناسب لنشر القيم العلمية سيسد الطريق أمام الجهلة الذين يروجون قيم الظلام والجهل والتخلف.
أن القضية المهمة هي أن الثقافة الإجتماعية والكلمة التي تدور على ألسنة الناس تسهم في صنع حياتهم، إن كانت سيئة فسيئة وإن كانت حسنة فحسنة.
واعتقد أن مسؤولية نشر الوعي والكلمة الصادقة والفكرة الإيجابية هي مسؤولية القائمين على نشر الثقافة والوعي بين الناس، غير نلاحظ للأسف غياب مؤسسات علمية وثقافية كهذه تضع القواعد والأطر والقيم لنشر الكلمة العلمية بين الناس.
إن إنتشار الأفكار السوداوية بين الناس، وهيمنة الروح التشاؤمية على قلوبهم هي مؤشر على عدم وجود مخطط ثقافي وعلمي يعمل على نشر الكلمة الواعية بين الأمة.
|
|