بين أمرين
بين التوكل والمسؤولية
|
*ضياء باقر
لا يَفهم تطبيق منهج الإسلام، من يربط نتائج أموره بما لديه من قدرات وإمكانات ويقطع صلته بالله تعالى، كما لا يفهمه من يترك السعي والكدح والعمل ويشلّ طاقاته التي أودعها الله تعالى في جسمه ويُعطِّل إمكاناته التي وهبه إياها الخالق سبحانه، معتمداً في ذلك على الخوارق أو الصدف أو المناسبات أو اعتماداً على الله من غير أن يسعى ويعمل.
فالمنهج الإسلامي الصحيح يقوم على ممارسة كل أشكال السعي والجد والعمل المشروع والمثابرة على التحصيل والإنتاج والإعمار في ظل عقيدة موصولة بالله تعالى وإيمان يقيني يقوم على أن ماشاء الله كان، ومالم يشأ لم يكن، وقد توهم بعض الجهال عندما نالوا من معنى (التوكل) و رسموا علامة الاستفهام حول هذا المفهوم العلمي الصادق، وأنه ضرب من الكسل والخمول والتنصل من تحمل المسؤولية، ولم يقفوا على أسرار (التوكل) التي هي تعبير صادق عن الانطلاق الجاد نحو العمل المثمر والاجتهاد البنّاء والسعي الحثيث في ظل طمأنينة النفس وثبات العزيمة وإشراقة الطموح غير المحدود والشعور بالمسؤولية الملتزمة.
إن الإنسان المؤمن بالله يدرك أن ليس للإنسان إلا الدخول في سلسلة الحوادث كحقيقة مؤثرة بفعل القانون الكوني العام الذي أودع في هذا العالم، وليس هو قوة مستقلة بذاتها، أو مؤثرة بقطع النظر عن التقدير الإلهي المسبق للحوادث والأسباب، لذا فإن الاستغناء عن الله والاعتماد على الأسباب أمر غير ممكن في عالم الوجود بل يتصرف ويعمل وهو يرجو تحقيق أمره من الله موقناً أن كل مايملك الإنسان من قوة ووسائل وإمكانات لا يمكن الاعتماد عليها أو الاطمئنان إليها، فلم يعد يعتمد على ماله ولا على قوته وسلطته أو مركزه الاجتماعي أو اي وسيلة لأنه يعلم أنها لا تكفيه حق الكفاية ولا تغنيه عن الله سبحانه وتعالى، ولا يمكنه أن يستفيد منها إلا من بعد إذن الله ومشيئته، فلا ينبغي الاعتماد على الأسباب فقط، ولا التوكل مع الكسل والخمول يكفي للوصول الى المبتغى، فهو يهيئ الأسباب ويسعى لتحقيقها ثم يتوكل على الله تعالى و يترك النتيجة للمستقبل وقد جاء في تفسير الإمام الصادق (عليه السلام) لقوله تعالى: "وما يؤمن أكثركم إلا وهم مشركون" ان معنى اجتماع الشرك مع الإيمان الوارد في هذه الآية هو قول أحدهم لولا هذا السبب لما حصل هذا الشيء... ولولا فلان لما قضيت هذه الحاجة...! صارفاً نظره عن قدرة الله وإيجاده وتدبيره للأسباب، وجاء في الحديث المروي عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أن احد اصحابه قال: جئته فقلت له: ادع الله عز وجل لي في الرزق، فقد التاثت علي أموري فأجابني مسرعاً: (كلا، اخرج فاطلب)
*في التوكل خلاص من القلق*
التوكل يشفيك من القلق ومن الخوف ومن توقع المصيبة، لأن الفرد اذا توكل على الله بعد أن يأخذ بالأسباب، وبعد أن يؤدي ماعليه يشعر بعدم القلق والخوف والتشاؤم لأنه قد عمل ماعليه ثم انه يؤمن بأن هناك يداً غيبية ترعاه وتسهل أمره وبيدها التوفيق الى هذا الأمر حسب حكمة الله تعالى ومشيئته، ومن كان هذا فهمه تخلص من الوساوس الشيطانية وعدم الاستقرار النفسي الذي لا يحمد عقباه.
ومن هنا نعلم بأن البحث عن القرار السليم وتوفير العزيمة والإرادة شرطاً في التوكل والاعتماد على الله تعالى، ويبين لنا الاسلام أن التوكل لا يصح إلا مع تأدية الانسان واجبه كاملاً، فيتضح الفرق لنا بين معنى التوكل والاعتماد على الله تعالى وتفويض الأمر إليه كمفوم، وبين المسؤولية الانسانية كتكليف بالسعي وبذل الجهد، والتعامل المباشر مع الأسباب والوسائل الطبيعية في الحياة، وفي ذلك رد على من وصف الدين الإسلامي الحنيف بانه يدعو الى الاتكالية والخمول والتحجّر والسلبية.
|
|