راضي القزويني.. الشاعر المطبوع
|
محمد كاظم الكريطي
الشعر مرآة العصر، ففيه ترى ملامح العصر وتقاطيعه جلية واضحة، ويتجلى ذلك أكثر عندما نتناول الدراسات والبحوث الحديثة المواضيع الفنية للشعر في أي عصر من العصور فهو الطابع الذي طبع سمة ذلك العصر بما فيه من أحداث ولعل القرن التاسع عشر كان من أشد القرون مظلومية من قبل الباحثين والدارسين عندما اطلقوا عليه (عصر الجمود)، ويمكننا أن نرجع ذلك الى أسباب عدة منها تخبط البلاد في الفوضى وكثرة الاضطرابات السياسية وحياة الفقر وتفشي الأمراض وغيرها من الأسباب التي كان لها دور كبير في ضياع الكثير من التراث الأدبي والفكري وضمور أسماء أدبية كبيرة قبعت في زوايا النسيان والإهمال، فقد كان هذا القرن خصباً بكثرة الشعراء رغم كثرة النكبات من هذه الأسماء الشاعر السيد راضي ابن السيد صالح القزويني الذي يعد في طليعة شعراء القرن التاسع عشر الذين تشربت نفوسهم العاطفة الصادقة والأحاسيس المخلصة لآل البيت (ع) وخاصة في رثاء الحسين (ع) فجاء في شعره بما يثير النفوس ويهز الهواطف.
ولد السيد راضي بن السيد صالح بن السيد مهدي الحسيني القزويني النجفي في النجف الأشرف عام 1235 للهجرة ونشأ بها فدرس على يد والده الذي كان يعد من كبار العلماء وفحول الشعراء مبادئ العلوم والفقه والادب وكان شاعرنا اضافة الى دروس والده يرتاد مجالس النجف وانديتها العلمية والأدبية فتلقى عن أعلامها وارتشف من منهلها حتى نشأ شاعراً مطبوعاً، أمتاز بسمو فركه وشاعريته الفذة باعتراف معاصريه يقول عنه الشيخ علي كاشف الغطاء في لحصون المنيعة ج9 ص206: (كان أديباً أريباً وشاعراً بارعاً مغلقاً جيد النظم رقيق الغزل حسن الانسجام ما هر في التشطير والتخميس)، كان شاعرنا كثير السفر يتنقل بين بغداد والنجف وإيران، وكان في أسفاره يجتمع مع كبار الشعراء في ذلك الوقت أمثال عبد الباقي العمري و السيد حيدر الحلي الذين كان له معهم صحبة قوية وعلاقة متينة كما كانت له أواصر مع كبار شعراء بغداد الذين كانوا يجتمعون في دار والده السيد صالح والتي كان شاعرنا أحد فرسان حلبات أدبه.
عرف عن شاعرنا كثيرة الشعر وجودته وهذا لا يجتمع لكل شاعر إلا إذا كان شاعراً صادقاً في أحاسيسه متمكناً من لغته وفنه كما عرف عن شاعرنا أنه إضافة الى أن أغلب شعره كان في مدح ورثاء العترة الطاهرة (ع) فقد تعددت أغراضه وسجلت الكثير من الأحداث السياسية والاجتماعية في عصره ولكن المؤسف حقاً أن أكثر شعره قد ضاع ولم يبق منه سوى مجموعة قليلة جمعها بعد وفاته أخوه السيد حسون وبذلك فقد ضاعت ثروة أدبية كبيرة فقدتها المكتبة الإسلامية ورغم ذلك فقد كانت القلة الباقية تعبر عن حالات نفسيه حبيسة تضطرم في داخله تطفح على شعره وتفيض بها قريحته ومن أشهر قصائده البائية في رثاء أبي الفضل العباس بن علي بن أبي طالب (ع) والتي تميزت بجزالة الإسلوب وسبك المعاني والإبداع في الصور يقول فيها:
أبا الفضل يا من أسس الفضل والإبا أبى الفضل إلا أن تكون له أبا
تطلبت أسباب العلى فبلغتها وما كل ساع بالغ ما تطلّبا
ودون احتمال الضيم عز ومنعة تخيّرت أطراف الأسنة مركبا
وفيت بعهد المشرفية في الوغى ضراباً وما أبقيت للسيف مضربا
ثم يصف الشاعر الموقف الخالد لأبي الفضل العباس (ع) وإبائه وعطشه فيرفع من قيمة البطولة والشهادة فهي سمة الحر الكريم تحت بريق الأسنة والسيوف:
وقفت بمسنن النزال ولم تجد سوى الموت في الهيجا من الضيم مهربا
الى أن وردت الموت والموت عادة لكم عرفت تحت الأسنة والضبا
ولا عيب في الحر الكريم إذا قضى بحر الضِبا حراً كريماً مهذّبا
رعى الله جسماً بالسيوف موزّعا وقلباً على حرّ الظما متقلّبا
ورأس فخار سيم خفضاً فما ارتضى سوى الرفع فوق السمهرية منصبا
ويسترسل شاعرنا في وصف ذلك الموقف الرهيب فهو بمجد البطولة والوفاء والإباء ويمزج كل ذلك بمشهد أطفال الحسين (ع) وهم عطاشى:
بنفسي الذي واسى أخاه بنفسه وقام بما سنّ الإخاء وأوجبا
رنا ظامياًً والماء يلمع طاميا وصعّد أنفاساً بها الدمع صوّبا
وما همّه إلا تعطّش صبية الى الماء أوراها الأوام تلهبا
على قربه منه تنائى وصوله وأبعد ما ترجو الذي كان أقربا
أما في رثاء الحسين (ع) فقد جاد شاعرنا بما يهز النفوس الذي يفخر بقوله أي شاعر للحسين (ع) في تصويره البطولة الفذة والشجاعة الندرة للإمام الحسين (ع) في دفاعه عن مبادئ الإسلام:
أغريت يايوم الطفوف بحادث يوم القيامة دونه أهواله
ور ابن حيدر والهدى مرفوعة أعلامه مجرورة أذياله
مستنجداً بعزائم علوية صدر الفضاء يضيق منه مجاله
جرار عادية له من حيدر وثباتُه وثباتَه ونزاله
ماضي العزائم كلما ورد الوغى صدرت موردة الخدود نصاله
مختالة بدم الفوارس خيله مرتاحة بطلى الردى أبطاله
ويصور شاعرنا موقف الحسين وحيداً ولكنه موقف الإباء والفخر وروعة الجهاد وعزة النفس ورفعة المجد:
لله موقفه بمضطرم الوغى حيث المخذمة الرقاق ظلاله
يغشاهم و الجيش يخفق قلبه حذر الردى ويمينه وشماله
فرداً يكر عليهم لم يثنه إكثاره عدداً ولا إقلاله
مستعذباً ورد الردى عن مورد بالضيم كدر صفوة وزلاله
لقد مجد شاعرنا بطولة الحسين وإبائه ووقف إجلالاً وإكباراً لها كما صور بأرق الألفاظ صدى أنّات سبايا ورجع آلامهم بأصدق عاطفة وأرق اسلوب وأقوى تعبير يقول في بائيته:
مضت بالهدى في يوم عاشور نكبة لديها العقول العشر تقضي تعجّبا
فليت علي المرتضى يوم كربلا يرى زينباً والقوم تسلب زينبا
وللخفرات الفاطميات عولة وقد شرّق الحادي بهن وغرّبا
حواسر بعد السلب تسبى وحسبها مصاباً بأن تسبى عيانا وتسلبا
توفي شاعرنا في أحد أسفاره في تبريز عام 1285 للهجرة ودفن فيها و قد رثاه مجموعة كبيرة من الشعراء ومنهم والده السيد صالح القزويني الذي رثاه بعدة مرات منها:
تالله لو أملك الدنيا وكنت بها مخلّداً لم أكن فيها بمسرور
كان الرضا عن أخيه سلوتي فبمن أسلوهما وسلوّي غير مقدور
إذهبتما بمنى قلبي وبهجته وبالرقاد من العينين والنور
أنفقت عمري لربحي في وجودكما فكان ربحي خسراناً بتقديري
أزداد شجواً بما أن الشجي به من كل حسن بمسموع ومنظور
|
|