قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

بانتظار الحكومة الخامسة
د.إسماعيل نوري الربيعي
نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى مطلع تسعينيات القرن الماضي انتخب الايطاليون اكثر من اربعين حكومة مسجلين بذلك الرقم القياسي في عدد الحكومات المشكلة في العالم لكنه ومع فوز رجل الاعمال والسياسي برلسكوني بالانتخابات بدأ مؤشر الاستقرار السياسي بالصعود ليفارق معه الايطاليون تلك المرحلة التي اتسمت بالتذبذب وبكثرة الخلافات السياسية وعدم اتفاق الاحزاب على تشكيل حكومة مستقرة يمكن ان تنهي الفترة المقررة لها قانونا. هذا الاختيار فرضه مزاج الناخب الايطالي الذي رغب في التغيير وتجاوز مرحلة التصويت الى اليمين واليسار لايطالي بعد ان وجد بان الدخول في دوامة التاييد لهذه الاحزاب التقليدية تجعله يخسر الكثير من الوقت للتطور ولتنمية الاقتصاد الايطالي الذي كان يعاني من ازمة مالية طاحنة ,اضافة الى تراجع دور ايطاليا كدولة بارزة في الاتحاد الاوروبي .
هذا الصراع والتناحر البارد بين الكتل السياسية الايطالية جعل الدولة تفقد الكثير من مقوماتها لصالح عصابات محترفة كالالوية الحمراء التي قامت في وقتها باختطاف رئيس الحكومة (الدو مورو) ومن ثم قتله في جريمة هزت الرأي العام الايطالي والعالمي في وقتها ,لكن ايطاليا عرفت لاحقا كيف تجتاز هذا المطب السياسي ومعالجة جروحها في الوقت المناسب والخروج من الازمة بتشكيلة سياسية تمكنت من إخراج ايطاليا من الأزمة والدخول في مرحلة اقتصادية مزدهرة ومتطورة. والسبب في ذلك يعود الى النظام السياسي البرلماني المتطور الذي وضعته النخب السياسية الايطالية .
العراقيون ينتظرون ومنذ أشهر تشكيل الحكومة الخامسة وسط ظروف معقدة واختلاف واضح بين المكونات السياسية بشأن اختيار المرشح لمنصب رئيس الحكومة القادم وسط مفاوضات ماراثونية شاقة وطويلة وتعدد في الآراء والمرشحين جعلت الازمة تدخل في نفق مظلم , فضلا عن تداعيات ذلك الفراغ السياسي على الأوضاع الأمنية في العراق التي شهدت تصعيدا ارهابيا خطيرا خلال الفترة التي تلت مرحلة الانتخابات عبر سلسلة دامية من الهجمات الإرهابية الانتحارية أودت بحياة المئات من الضحايا. كما ان العراق تنتظره خلال المرحلة القادمة عدة استحقاقات مهمة أبرزها الانسحاب الأمريكي من العراق ورغبة البيت الابيض بترتيب شؤون الداخل العراقي بما ينسجم مع مصلحة الطرفين الأمريكي والعراقي وهو وضع يحتاج الى وجود حكومة عراقية مستقرة وكفوءة تعمل على تحقيق الامن والاستقرار في الداخل ,فضلا عن استحقاقات البناء والاعمار وتصاعد أصوات المواطنين المطالبة بتفعيل قطاعي الخدمات والاقتصاد والتوظيف الصحيح للموارد والعائدات النفطية وتوجيهها بشكل يخدم حاجات المواطن العراقي الذي عانى كثيرا من ظلم وإجحاف النظام البعثي المباد .
وطيلة الفترة السابقة التي تلت سقوط النظام السابق عرف العراقيون اربع حكومات جاءت في معظمها بتشكيلة وزارية متباينة ,لكنها كانت متشابهة في مجال التقصير الخدمي وانشغالها بالملف الأمني الذي لايزال يستهلك النصيب الأكبر من الواردات المالية للبلاد. كما ان عدم اكتمال بناء المؤسسات بشكلها المحترف البعيد عن التجاذبات السياسية ترك الكثير من الفراغات التي لا تزال تمثل الخواصر الرخوة في جسد العملية السياسية بسبب عدم نضوج المشروع السياسي الوطني الحالي وعدم اكتمال مقوماتها بشكل يضمن عدم تأثرها بإجراءات تشكيل الحكومة أوالاجراءات الاخرى المشابهة لها التي ما تزال تعيق الحراك الاداري والامني وتحول دون احترافية المؤسسات الأمنية والإدارية الأمر الذي يفرض ضرورة مراجعة الكثير من الخطوات التي اؤسست في السابق وبشكل متعجل التي من بينها تعديل الدستور او تعديل النظام الانتخابي وحسم موضوع تشكيل الحكومة بطريقة اكثر مرونة ووضوحا.
لقد أفرزت التجربة السياسية الحالية ضرورة أن تكون هناك صورة واضحة عن آلية تشكيل الحكومة وطريقة التصويت عليها ومدة تشكيل الحكومة وعدد الحقائب الوزارية وشكل النظام وهويته التي تتنازعها دعوتان أحداهما فيدرالية والأخرى مركزية التي لم تحسم بعد في الدستور بشكل نهائي. الانتخابات السابقة أفرزت عدة مؤشرات مهمة أهمها إن الناخبين العراقيين قد تجاوزوا في كثير من الأحيان الحواجز الطائفية والسياسية المعقدة التي واكبت العملية السياسية منذ بدايتها ودخول تنظيم القاعدة الإرهابي كطرف في الأزمة عبر التصعيد الأمني والسياسي الخطير الذي قام به بهدف إشعال فتيل الحرب الأهلية لاغراض إنشاء وجود راسخ في البلاد لاحقا , اضافة الى انها افصحت عن وجود رغبة كبيرة لدى الشارع العراقي بان تتقلص الإعداد الكبيرة للأحزاب الموجودة حاليا على الساحة الى عدد اقل يجعل التنافس بينها اكثر حيوية واثارة ويسهل ايضا من عملية تشكيل الحكومة وبشكل يعكس النضوج السياسي ...
العراقيون ما زالوا ينتظرون بفارغ الصبر تشكيل الحكومة لكن ايديهم على قلوبهم ومخاوفهم المشروعة من ان تأتي الحكومة الخامسة اضعف من سابقاتها ويستمر مسلسل التقصير الحكومي, بل وينتج يأسا واحباطا من ان العراق دولة فاشلة لا تتوفر فيها مقومات الدولة الناجحة التي يطمح اليها العراقيون الذين داعبت مخيلاتهم الكثير من الصور الجميلة يوم شاهدوا سقوط الصنم في ساحة الفردوس وزوال اعتى نظام دكتاتوري في المنطقة كان السبب وراء حرمانهم من فرص التقدم والتطور .