7/12/17.. حين تغدو "لغة الارقام" كـ " لغة السياسيين" !
ليس في الكهرباء فقط .. " مو" وازناتنا و حوت النسيان
|
احمد عبدالامير
يبدو ـ وللأسف الشديد ـ أن ثمة اشياء في السياسة والادارة، قد لا تتغير لدينا، فالقضايا الكبيرة التي ما ان تظهر حتى تثير بلبلة وضجة يخال معها المرء انها ستحدث تغييراً غير مسبوق وستقلب الامور رأسا ًعلى عقب وسندخل في مرحلة جديدة من تاريخ البلد، وسنترقب مواقف ولمحات سياسية قل نظيرها.. الا انه وخلال فترة وجيزة جداً، وبسحر ساحر، تعود الاوضاع الى سابق عهدها، وتعود المياه الى مجاريها، وتصبح القضية التي شغلت البلد وخارج البلد ايضا، لتجعله يرتدي حلة جديدة في غياهب النسيان.
فمن التراشقات والازمات التي تصاحب وتلحق الانتخابات على انواعها، البرلمانية والمجالسية، الى انعقاد و"عكر" حبل البرلمان، الى تشكيل الحكومات، الى ملفات الخدمات المهترئة، وسوء الادارة والتخطيط، والهدر والفساد والاموال الطائلة التي تثار التساؤلات حولها، والأمن وهزاته وخروقاته، والبطالة والفقر.. كلها مواضيع تنهش من جسم المواطن وتقتات من لحمه ودمه. وآخر هذه المسائل التي اثارتها حرارة الصيف،موضوع الكهرباء الذي يبدو انه بات ينافس في طول حلقاته ومللها المسلسلات المدبلجة..
وازمة كهربائنا، كما الكثير من اخواتها، لطالما قدمت لها الحجج والاعذار، لعدم التمكن من حلها على مدى سبع سنوات، ومن هذه الاعذار شحة المال..! غريب كيف ان الارقام المالية عند حكوماتنا ومسؤولينا ووزارئنا ونوابنا بات وقعها بسيطاً، فمليون دولار اميركي اصبح وقعه على السمع كوقع مئة الف دينار عراقي، وكيف أن عقودا وارقام بمليارت الدولارات تمر مرور الكرام دون اي تظاهرة او "خضة" تهز البلد بشعبه وولاة امره وتجعله ينهض على اسس جديدة، وكمثال بسيط، أن مابين (17 ـ 12 )مليار دولار ـ بحسب تأكيد ساسة ورؤساء كتل ونواب ـ وهم اهل مكة وادرى بشعابها، خصصت خلال السنوات الماضية لتحسين المنظومة الكهربائية، فيما يقول السيد وزير الكهرباء المستقيل ان ما خصص لوزارته هو فقط (7) مليارات دولار خلال اربع سنوات. والنتيجة لا تحتاج لمعرفتها الى عناء كبير، فقط علينا انتظار حلول الصيف من كل عام، وصيفنا الجاري و(حزيران) وزارتنا وحكومتنا، افضل دليل..!. وأنه لمن الدواهي أن تغدو "لغة الارقام"، كلغة رجال السياسة وبازارها !،مطاطة ،قابلة للتأويل، والتكذيب، والتأكيد والنفي، للزيادة والنقصان بجرة "لسان"، وتصريح، او للضرب والقسمة و"التوزيع" ربما..
ولعلم المسؤولين فقط، فإن المبالغ المالية البسيطة جداً برأيهم، كمئة دولار فقط، هي حاجة اساسية للمواطن، حتى ان البعض اشترى وسيشتري اصواتاً بهذا المبلغ، وماهو اقل منه !!!. وهم يعلمون جيداً الظروف الصعبة التي تعيشها آلاف العوائل، لقاء كسب قوتها، وكم من ساعات وساعات على معيليها العمل في سبيل اضافة كمية بسيطة من الاموال تكاد تكفي ليمضي الشهر دون استدانة، وتأمين مواردها المالية التي قد لاتتجاوز عند الكثير منها من محدودة الدخل (300ـ 500) الف دينار، ناهيك عن الفقيرة، فكيف اذا اتته فاتورة (وقد حصل هذا لكثير من العوائل) بـ"500" الف دينار مثلا ،عن شهرين كهرباء وطنية جدا حتى النخاع بحسب قرار مضاعفة تسعيرتها لـ"الساعة ونصف " تغذية، او ربما عن "18" ساعة قطع، لايُعلم ؟!.
اذا كان من حق الحكومة، وهذه الوزارة او تلك الدائرة، أن تمارس سلطتها على المواطن بالقهر والفرض القانوني، وتزيد من معاناته بحجة "الردع" و"الترشيد"، وعبر "ميزانية" الكهرباء، او غيرها، فأن من حق المواطن، وبالقانون والدستور والاخلاق والضمير والانصاف والعدل و... ان يطالبها اولا بتطبيق ذلك على نفسها، وعلى "ميزانياتها" !؟. وبتقديم ما يتوجب عليها اولا من انجاز وخدمة بلا منة وتفضل. بل من حقه أن يعلم كل شيء، ان يعرف اين ذهبت وتذهب الاموال والمخصصات والميزانية والعقود، وكم "يشفط" وبـ"القانون" او بدونه، المسؤولون والنواب والحواشي. من حقه ان يحاسب ويرفض، ومن حقه الاّ تمضي الامور "مع الحكومات والوزارات ودورات البرلمان ومجالس المحافظات" دون حلول ملموسة على الارض، ودون رؤية جردة محاسبات حقيقية لا " إدعاءات"، ومحاسبية قانونية سنوية لموارد الصرف للميزانيات، كما يجري في كل الدول والحكومات التي تحترم نفسها وشعوبها وتحسب لهم حسابا.
إن الفشل في ايجاد تحسن ولو طفيف وملموس في الكهرباء، على السبيل المثال لا الحصر، رغم كم الاموال المخصصة، على اختلاف تقديرات ارقامها، لايدل بشكل كبير على صدقية الحجج والتبريرات المساقة لهذا الفشل، الذي يمكن وصفه، انه فشل في الادارة، السياسية والمالية والادارية، في البلاد، وليس قلة اموال.. وهو فشل بالتالي يثير معه التساؤلات عن السبب و"المبرر" العقلائي، والاخلاقي، في المدى المخيف الذي وصل اليه منسوب تشبث الساسة والمسؤولين بالمناصب والكراسي التي يشغلونها، وعدم الاستعداد للاعتراف بالفشل، او عدم القدرة على تحقيق ما هو مطلوب منهم، ومن ثم اعلان استقالتهم بكل احترام ماقد يرفع من قدرهم واحترامهم في نفوس الناس. ولكنك للاسف ايضا، ترى بدلا عن ذلك، التأكيد على انهم "كفوؤون ومهنيون" !، وترى استقتالهم لسوق التبريرات للفشل، والتي باتت من كثرة تكرارها اشبه بـ"المسلفنة" او المواد الغذائية المضرة منتهية الصلاحية.. ومع ذلك يتم انتاجها او استيرادها وطرحها في السوق، دون رقابة ومحاسبة.. الا أن يتم "إجبار" هذا المسؤول او ذاك، على تقديم استقالته، إما بضغظ الشارع الشعبي، او طلب واشارة من شخص او جهة ما..!؟
للاسف، لقد اصبحت المواضيع والهموم والمشاكل الكبرى، ومنها الخدمات، والفساد، موضع مراهنة، ليس على المدة التي يستغرق كشف ملابساتها، او تشكل لجان لها، بل الفترة التي ستمضي قبل الوصول الى تسويتها وطمطمتها ووضعها في الادراج، او على الرف، او يخبئها البعض ليومهم الاسود.
وللاسف ايضا، وإن كنا نأمل بغير ذلك، فإن التجارب السابقة واللاحقة قد تبقى نفسها، وبعد ايام قليلة ربما سيبتلع حوت النسيان، ازمة الكهرباء وامثالها، و مبلغ الـ "7"، مليار مليار دولار، بحسب الوزير، او الـ" 17" بحسب من يعتبرهم مناوئيه، كما ابتلع (حوت النسيان طبعا وليس الوزارة بكل تأكيد) عقود ومبالغ كبيرة وميزانيات ضخمة سابقة، وهكذا ربما ستبصر الموازنة العامة للسنة القادمة النور بعد ان ينتهي "مزاد" التسوية والطمطمة للموازنة التي سبقتها، بشكل يرضي جميع الاحزاب والمسؤولين .. الا المواطن بطبيعة الحال. هكذا للاسف عندنا توضع الموازنات، وتصرف وتهدر الاموال، وتقر المخصصات، و"المنافع" للساسة والاحزاب، بشكل غير متوازن ولا يمت اليه بصلة، وقد يكون من المفيد اعتبارها "مو" وازنات، الحكومات والوزارات والبرلمانات، والرئاسات الثلاث، واخواتها بالرضاعة، وما اكثرهن..!
|
|