عظمةٌ ذات أسرار
|
اعداد/ محمد حسن آل يوسف
الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قدوة وإمام وأسوة، يُفترض بالإنسان أن يتساءل حينما يقف أمامها: ما هو سر العظمة في هذه الشخصية الإنسانية المثلى، التي لم ينجب التاريخ لها مثيلاً، بعد سيدها ومعلمها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ؟
سر عظمة علي (ع)
إن الله سبحانه، لم يك ينعم على البشرية بهذا النور الملكوتي المتجسّد في شخصية أمير المؤمنين سلام الله عليه إلا لعبرة وسر، وهذا السر المقدس، يمكننا أن نكتشف جوانب منه، بقدر إيماننا واستلهامنا من نور الولاية الذي منّ الله تعالى به علينا.
فما هو سر ولايتنا لعلي عليه السلام؟ وما هو سر الأمر الإلهي المكرر والمؤكد بأن نحبّه وأبناءه عليهم السلام ونواليهم؟ وما هو سر هذه الصلة الوثيقة، والعلاقة الوطيدة، بين حب الأمير صلوات الله عليه وبين أعظم نعم الله، وهي الجنة، أو بمعنى آخر: لماذا جُعِلَت الجنة لمحبّيه عليه السلام ومواليه؟
لقد أعطى الرب الجليل، لهذا العبد الكامل ثلاثة أشياء وهي: قلب كبير يغمره الحب. وعقل نيِّر يشع فيه ومنه نور الإيمان والقرآن، فكان عليه السلام المشكاة التي أخبر عنها الكتاب المجيد. و إرادة قوية وماضية.
وعن هذه المواهب الإلهية، والمنح الخاصة تتفرع سائر خصال أمير المؤمنين وصفاته التي تجسدت في مناقبه وفضائله وعموم سيرته وسلوكه عليه سلام الله.
فعن الموهبة الإلهية الأولى، وهي قلبه الواسع، تنبعث خصال عمق الإيمان، واليقين، والحلم، والصبر، والرحمة، والرأفة، والعطف، والصفح، وغير ذلك، من الخصال النبيلة المتعلقة بالقلب. وعن الموهبة الإلهية الثانية، وهي العقل النيِّر؛ تنبعث صفات الحكمة، والعلم، والنظر العميق، والتبصّر، والعلم بالقرآن وفقهه، وما إلى ذلك من الصفات المتعلقة بنور العقل. أما الموهبة الثالثة، وهي الإرادة القوية والماضية فتنبعث عنها الخصال المتعلقة بها، كالشجاعة، والثبات، والاستقامة، وتحمّل الصعاب، والصمود على المبدأ، وغير ذلك من عشرات الخصال المتعلقة بالإرادة القوية والماضية.
قلب كبير
إن قلب علي سلام الله عليه بلغ من الرحابة والسعة، بحيث إن أعظم ما يرومه الإنسان ويطمح إلى نيله في هذه الدنيا لم يكن شيئاً يذكر في رؤية أمير المؤمنين، ولم يكن في قلبه أدنى رغبة فيه، وهل هناك في هذه الدنيا شيء أعظم من الإمرة والحكم؟ فرغم ما كان لإمرة المسلمين من أهمية بالغة في حياة الأمة، وتقرير مصيرها وتعيين وجهتها في الحياة، ما كان أمير المؤمنين يلتفت إليها طرفة عين أبدا، وهو الذي قيل فيه: إن الخلافة زانت مَن قبله ومَن حكموا بعده، إلا هو عليه السلام فإنه زان الخلافة.
نظراته الثاقبة
كان قلب علي عليه السلام أوسع من الحاضر، فهو لم يكن في نظراته الشريفة يكتفي بمجال عصره وزمانه، وإنما كانت نظراته ورؤاه ثاقبة، تخرق جدار الزمان إلى المستقبل البعيد.
كان ينظر إلى مستقبل هذه الأمة، بل والإنسانية جمعاء، من خلال عمله وجهده وجهاده، فيوم كان يحارب في البصرة، أو في صفين، أو النهروان، كان ينظر إلى راية حفيده الإمام الحجة بن الحسن (عجل الله تعالى فرجه) خفاقة على ربوع هذه الأرض، من بعد أنينها وصراخها، لما تحمل فوق ظهرها من جور ومظالم، وسفك للدماء البريئة بغير وجه حق، وكان يرى الأرض وقد امتلأت بالقسط والعدل والرخاء والسعادة. هكذا كانت نظرة علي عليه السلام واستبشاره بتلك العاقبة الطيبة، التي كان يطل عليها بنظره الثاقب. لذلك فمقد تجاوز عليه السلام زمانه وعصره.
وسع قلب الأمير عليه السلام الزمان كله، بل وسع الآخرة بعد الدنيا وانقضائها، فقد نظر نظرة إلى النار، وأخرى إلى الجنة، فتجاوز الخوف من النار وما فيها من أهوال، وتخطّي الرغبة في الجنة وما فيها من المنازل والنعيم المقيم؛ فبلغت سعة قلبه حداّ أخذ يناجي فيه ربه، لأهليته تعالى بالربوبية، لا طمعاً في جنته، أو خوفاً من ناره، وإنما وجده أهلاً للعبادة، فلم يطلب عنه بدلاً.
ها هو ذا قلب علي عليه السلام المغمور بالحب الإلهي، والذي تحوّل إلى فيض من الرحمة والعاطفة.
العقل النيّر
لقد وهب الله لعلي عليه السلام عقلاً، استوعب به علم البلايا والمنايا، واكتشف به طرق السموات وما تحت الأرضين.
وكان نهج البلاغة وما فيه شعاع من علم علي عليه السلام الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله: (أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها).
وكرر رسول الله صلى الله عليه وآله خطابه للأمة بشأنه، ومقامه في العلم والفقه والقضاء، الذي لا ينازعه فيه أحد من البشر، إذ قال صلى الله عليه وآله: (أفقهكم علي وأعلمكم علي وأقضاكم علي).
إنه صاحب العقل النيّر الذي يستوعب حياة الإنسانية. ولابد لكل حركة وسكون في حياته عليه السلام أن تخضع لعقله الجبار الذي وهبه الله سبحانه له، والذي هو امتداد لذلك النور القديم الذي خلقه الله من قبل أن يخلق الخلق أجمع، وقبل أن يفطر السموات والأرضيين.
|
|