أشهر الرحمة .. تجديد الولاء و تفتح أبواب السماء بالعطاء
كلمة لسماحة آية الله السيد هادي المدرسي في ذكرى وليد الكعبة
|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين
أما بعد..
إن الأيام والليالي تتشابه فيما يرتبط بالأمور الطبيعية فلا فرق بين اليوم وغد من حيث طلوع الشمس وغروبها إلا ربما في التوقيت، فما الفرق بين يوم الجمعة ويوم السبت؟ وما الفرق بين شهر رجب وشعبان ورمضان؟ ما الفرق بين أيام الله التي قدسها ربنا عز وجل وبارك فيها وبين غيرها؟ من حيث طلوع الشمس وغروبها، وبين بزوغ القمر و غروبه...؟ لا فرق بين الأيام والليالي، ولكن للحياة وجهين: وجه ظاهر، وهو ما نراه، و وجه يرتبط بالغيب، وهو ما لا نراه، بمعنى أن هنالك عالماً آخر يرتبط به مصيرنا ومسيرتنا ومستقبلنا، صحيح؛ أننا لا نرى ذلك العالم، لكن ذلك العالم هو الأساس بما يرتبط بعالمنا هذا، تماماً كما أن هذا الجسم الانساني هو الذي يرى بالعين لكن الروح التي لا ترى ارادة الانسان ومعرفته وذوقه وكل ما يرتبط بروحه ونفسه، هي التي تتحكم بهذا الجسم وتسيره، فما من حركة من حركات اجسامنا إلا وهي متأثرة بأرواحنا وأنفسنا، بينما الارواح لا ترى بالعين وكذلك النفوس.
عالم الغيب له كل التأثير على هذا العالم الذي ربما يسمى بعالم الشرود، وفيما يرتبط بعالم الغيب فالأيام والليالي تختلف، فهناك أيام باركها الله وهنالك أيام عادية لا بركة فيها، مثلا: فيما يرتبط برحمة الله عز وجل، فإنها تنزل على السماء الدنيا وعلى البشر في أوقات معينة وليس في أي وقت، وحتى بما يرتبط بمقدار رحمته ومقدار مغفرته فالأمر يختلف بين أيام وأُخر، ففي شهر رمضان المبارك تفتح أبواب السماء على العباد، وينادي رب العزّة عباده الذين أذنبوا أن تعالوا اليّ، و توبوا من ذنوبكم ليغفر لكم ربكم، الأمر في هذا المجال، مثل أن يكون أحد يعرف بطريقة أو بأخرى أن المطر سينزل بعد ساعة، فهو يهيئ ما عنده من وسائل لكي يجمع أكبر قدر ممكن من مياه الأمطار، ورحمة الله سبحانه وتعالى تنزل في أوقات معينة وفي مناسبات معينة وفي أماكن معينة، من هنا فان معرفة تلك الأزمان وتلك الأماكن، ومعرفة وقت نزول رحمة الله ومعرفة وقت مغفرته ترتبط به هو تعالى، وعالم الغيب لا يعرفه إلا رب الغيب وغيب الغيوب، وهو الله عز وجل.
وبناء على هذا الأمر فإن الارتباط بالتاريخ الهجري يختلف تماماً عن الارتباط بتاريخ آخر ما أنزل الله به من سلطان، فهو يرتبط ببزوغ الشمس وغروبها وما شابه ذلك، فما يرتبط بالتاريخ الهجري فإن الحديث والروايات تتحدث عن أيام مباركات وعن أوقات في هذه الشهور تنفتح أبواب السماء على أهل الأرض، هذا الأمر لا نجده في بقية تواريخ البشر التي صنعها الناس وحددوها لأنفسهم، كمثال على ذلك نقول: في الحديث الشريف (أن شهر رجب شهر الله، وشهر شعبان شهري، وشهر رمضان شهر أمتي)، كما نجد في القرآن الكريم أول جملة من الله عز وجلّ لسيد أنبيائه هي: (بسم الله الرحمن الرحيم)، أما آخر كلمة تجدها في القرآن الكريم فهي كلمة الناس، ولا يمكن للبشر أن يعطوا لربهم، لأن البشر كليو العجز، والله مطلق في قدرته، اذا صحت تعابيرنا فالله سبحانه كلي القدرة ونحن كليو العجز، ولا يمكن للمحدود العاجز مثل البشر أن يقدم شيئاً للغني عن العالمين، فمن الله نأخذ لعباد الله، (شهر رجب شهر الله، وشهر شعبان شهر باب رحمة الله وهو النبي، وشهر رمضان شهر الأمة). من هنا نبدأ التقرب الى الله منذ بدايات شهر رجب، ولذلك هنالك أعمال وأدعية وصلوات معينة مستحبة في هذا الشهر الكريم بما في ذلك القيام بالصوم في هذا الشهر الفضيل وله أجر كبير، سواء من يصوم كل الشهر أم من يصوم الأيام الثلاثة الأولى منه وكذلك المناسبات مثل ميلاد الإمام علي (ع)، بطل الإسلام الخالد وسيد الأوصياء، فلولا أمير المؤمنين علي (ع) ولولا وقوفه مع رسول الله ولولا سيفه وزنده وإيمانه ولولا شجاعته لربما قضي على رسول الله منذ الأيام الأولى من بعثته، فهذا اليوم قطعاً يوم مبارك، خاصة اذا اخذنا بعين الاعتبار أن الأمور لا تحدث صدفة، وإن تصورها البعض كذلك، لكن بأمر الله لا تحدث صدفة، فربنا قرر أن يولد علياً في شهر رجب المرجب، كما ربنا قرر أن تكون بعثة رسول الله (ص) في هذا الشهر وفي السابع والعشرين منه، كذلك فيما يرتبط بالمناسبات التي في شهر شعبان من ولادة الإمام الحسين سيد الشهداء (ع) الى ميلاد الإمام المهدي خاتم الأوصياء (عج) الى بقية المناسبات وكذلك الأدعية، مثلاً هذا الدعاء القصير العميق الذي يقرأ عادة بعد الصلوات الواجبة، هذا الدعاء الذي يمكن قراءته في سائر أيام السنة، وان كان قد ورد في هذه الأيام بالخصوص:
(يامن أرجوه لكل خير وآمن سخطه عند كل شر...) الى أخر الدعاء المذكور في (مفاتيح الجنان)، هذا الدعاء يبين أن هذه أيام مباركات، وفيها يعطي رب العالمين الكثير بالقليل، عمل قليل في هذا الشهر يكون مباركاً، ومعنى مبارك: أي أن الله يزيد فيه وينمّيه.
نرجو من الله عز وجل في هذا الشهر الفضيل وما يتلوه من شهر شعبان وشهر رمضان أن يوفقنا لطاعته وأن يعيننا على أنفسنا بما أعان به الصالحين على أنفسهم وأن يبلغنا شهر رمضان وأن يوفقنا لصيامه وقيامه وتلاوة كتابه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
|
|