قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

لنجعل غريزة (حب الذات) بخدمة الدارين
*عبد الجبار محمد
ان غريزة حب الذات متجذرة في نفس الانسان لايمكن انكارها او التنكر لها بل ربما تكون هي أصل لكثير من الغرائز الاخرى مثل المال والجاه. وبالرغم من ان الحديث دائماً يأتي في ذم هذه الخصلة او الغريزة، لكن الصحيح هو تقويمها وليس إلغائها، فليس من المعقول التنكّر للذات الانسانية بشكل مطلق، مهما كانت الاسباب والمفاهيم من قبيل التضحية والايثار وغيرها، كما لا يجوز للانسان ان يتشبث بحب الذات لمواجهة الآخرين والتخلص من الواجبات والالتزامات الاجتماعية والاخلاقية.
لقد اودع الله هذه الغريزة في الانسان وعن طريق هذه الغريزة يحمي الانسان نفسه ويخاف على حياته، فاذا لم يحب نفسه فلن يحب الخير لذاته ولن يدفع الشر عن نفسه، واذا افرط الانسان في حب ذاته فانه يضر نفسه ومجتمعه فيستعمر الاخرين ويستثمر جهودهم ويعتدي على ممتلكاتهم وحقوقهم، هذا شيء طبيعي حتى قال الشاعر :
الظلم من شيم النفوس فان
تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم
إن وجود غريزة حب الذات تجعل الانسان يتحين الفرص ليأخذ من الاخرين لذاته وإن كان على حساب الآخرين. فليس من المعقول ان نفتح المجال ونطلق العنان للانسان حتى يمارس هذه الغريزة كيفما يشاء. إذن، ما هو الحل ؟
إن الطريق الصحيح ما اختاره الاسلام للبشرية، انظروا الى الحل الرائع الذي يقدمه الاسلام لهذه المشكلة المستعصية في حياة الانسان، الاسلام يقول يجب ان نطور مفهوم حب الذات عند الانسان، بعبارة اخرى؛ الاسلام يرشد الانسان الى الطريقة الصحيحة لحب ذاته وخدمة نفسه، وذلك من خلال فتح نافذة معنوية نحو الآخرة، يتحسسها بقلبه وإيمانه العميق بالله واليوم الآخر. ولكن البعض لديهم تصور إن حياتهم هذه إنما هي الفرصة الوحيدة، ولا شيء بعدها، وحينما تتمكن هذه الفكرة من الانسان، فانه يبني حساباته على هذا الاساس، فما دامت الفرصة الوحيدة امامي هذه الدنيا، لابد أن أحقق ذاتي في التمتع باللذات المختلفة تسانده أقوال شائعة من قبيل (فاز باللذات من كان جسوراً)!!
بينما ياتي الاسلام ويوجه الانسان ويقول له: انتبه ان هذه الفكرة هي مكمن خطأك ومصدر شقائك، فمن قال لك انك تعيش سنوات ويأتي الموت ويسدل الستار على مسرحية الحياة؟ هل ان الله يوجد الحياة من اجل ان يعيش الانسان ثم يمضي وكأنه لم يكن شيء ؟! "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ" (المؤمنون /115). الاسلام يخاطب الانسان ويقول: ايها الانسان وجودك في هذه الحياة ما هو الا وجود مؤقت ؛ انه مرور سريع الى العالم الآخر، تقول الآية الكريمة "وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" (العنكبوت /64)، إذن، امامك حياة اخرى وما دمت تحب نفسك فيجب ان تخدمها في الدارين، في هذه الدنيا تعيش خمسين او ستين او سبعين سنة ولكنك في الاخرة ستعيش دار الخلود ملايين السنين. فاذا كنت تحب نفسك هل من العقل في شيء ان تسعد مئة سنة وتشقى مليون سنة ؟!
واذا كنت في الدنيا تريد ان ترتاح وتأكل وتشرب وتمارس الغريزة الجنسية وتمتلك الاموال والمناصب. أفلا تريد مثل هذه الامور في الاخرة ؟ فاذا كنت تريدها فلماذا لاتعمل من اجلها ؟ وهذا يستدعي من الانسان ان يؤطر غرائزه بالاطر التي امر بها الاسلام، وتصب في القنوات التي سمح بها الاسلام، فالغريزة الجنسية يجب ان يكون مصرفها الزواج المشروع وحب التملك يجب ان يحدث عن طريق الكسب الحلال والمشروع. على ان لاتكدس تلك الاموال والاملاك دون ان تفيد منها المجتمع.
هذا المفهوم من حب الذات مفهوم شامل يوسع مدارك الانسان ويسير به نحو التقدم والتخلص من الاخطار والمشاكل والتوازن بين الحياتين مصداقاً للدعاء الوارد في القرآن الحكيم. "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار". فانك في هذه الدنيا لاتقبل لنفسك ان تأكل القاذورات، لكنك حينما تسرف في هذه الغرائز وتشبع رغباتك الشهوانية بالحرام، فانك في الواقع تمهد الطريق لنفسك لاكل القاذورات التي هي اقذر مما في الدنيا انها قاذورات الاخرة التي يصفها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بقوله: "هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ" (ص /57)، والغساق هو الصديد الذي يخرج من اهل النار، فهل يقبل الانسان ان يكون هذا طعامه في الآخرة؟ إن كانت الاجابة بالنفي وهي كذلك، فعليه ان يجعل طعامه وما يتناوله لبطنه وجوارحه بعيداً كل البعد عن الغساق والحميم.