قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

ماذا وراء تمارض الأطفال ؟
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *عبد الكريم العامري
يتخذ الطفل من المرض أحياناً وسيلة يحقق بها أغراضه أو ستاراً يخفي به مشكلاته النفسية أو حجة للتكاسل عن واجباته المدرسية أو استدراراً لعطف والديه وحنانهما.
يشكو الطفل أحيانا من آلام وهمية يغلب أن تكون صدى للآلام التي يشكو منها كالصداع وآلام العيون وآلام المعدة، بل ان المشكلات النفسية عند الطفل قد تتطور بحيث تثير إحساساً صحيحاً بالألم أو تسبب أعراضاً مرضية، فيصاب بغثيان أو قيء أو زكام أو أكزيما أو مرض من الأمراض العصبية المعروفة.
فالأم التي لا تكف عن تعنيف ابنتها الصغيرة ـ مثلا ـ وإظهار عدم رضاها عن كل ما تفعله، هنا البنت، قد تصاب بارتفاع درجة الحرارة يلزمها الفراش، تضطر الأم الى المبالغة في العطف عليها، فإذا دعيت لفحص الطبيب أثناء المرض وجدتها باسمة سعيدة.
هنا، الفتاة تعدّ فترة المرض (إجازة) تستريح فيها من قسوة أمها وتعنيفها المتواصل لها، وفرصة لأرواء ظمئها الى حبها وحنانها. بديهي أن يكون علاجها الوحيد تخفيف وطأة اللوم والتقريع عنها.
ما الذي يحفز الصبي الى ادعاء المرض؟ عندما لا يجد الطبيب والأهل جوابا للسؤال. وأحيانا يبقى الألم دفينا حتى يصاب فعلا بالمرض. عند ذلك يظفر خلال المرض بما كان يطمع فيه من رعاية وحنان. من هنا يتمنى أن يظل مريضا فلا يفارق السرير ولا تفارقه الرعاية والحنان. قد يكون بسبب اهتمامهم بمولود آخر أو غير ذلك.
إن العلاج الوحيد الناجع في مثل هذا الحالة هو إزالة الشعور من نفسه بأن والديه لا يعطيانه من الحب والحنان المقدار الذي يناله أخوه الصغير - مثلاً-.
وإذا حصل بين الزوجين شجار وجدال، فان الابن أو البنت الصغيرة رقيقة و مرهفة الحس، فانها ستتألم لما تراه، لكنها لا تملك له دفعاً. فالشجار العنيف إذا نشب بين أمها وأبيها يولد أحياناً الإغماء، ففي كل حالة تشاجر بين والداها تصاب بنوبة إغماء. والمعالجة تكون لهذه الحالة بالكف عن المشاجرة، إذا كانا حقاً يريدان شفاء أبنائهما، وإذا كان لا مفر من ذلك فليكن في أثناء غيابهما في المدرسة أو الشارع.
ومن الحالات التي يتم ملاحظتها على الأبناء، أن يصاب أحدهما كل صباح تقريبا بآلام في معدته. وعند فحصه ودراسة ظروفه العائلية يتضح عدم وجود سبب ظاهر، كما يتضح انه يتخذ هذه الآلام ـ عن غير قصد ـ وسيلة للحيلولة دون خروج أمه من البيت الى عملها لكي تبقى بقربه ولا تتركه وحده، - مثلا- مع الخدم أو الجيران. فلو تم مراقبة آلام معدته أثناء أيام العطل والاجازات، يتضح انه لا يشعر بأي عارض صحي عندما يعرف ان أمه لن تغادر البيت.
ثمة أسباب أخرى تحفز الطفل الى ادعاء المرض، فهو قد يعمد الى ذلك دفعا لقسوة الغير، أو هرباً من أداء واجب، أو تعويضا لنقص يحسّ به في شخصيته.
فالطفل المتخلّف عن أقرانه في المدرسة قد يتمارض، فإذا لحق بهم زايله المرض. فالطفل المصاب بعجز أو تشويه، يتحاشى الاختلاط بغيره مدعياً المرض، مثل هذا الطفل يضره أبواه، أكثر مما ينفعانه، بما يضفيانه عليه من رعاية خاصة ومبالغة في التدليل، في حين ان الواجب عليهما أن يحولا تفكيره عن نقصه، بتنمية مواهبه الأخرى قدر الامكان وتحفيزه على التفوق فيما يستطيعه من أوجه النشاط.
التمييز بين مرض الطفل وتمارضه أمر سهل. فالطفل مهما يكن من أمر، ذو شخصية غير معقدة، من اليسير معرفة بواعث سلوكه وتقويمه في مرحلة مبكرة من العمر، ولو تأمل الوالدان سلوكهما نحوه، وسلوكه نحوهما ونحو الغير، لعرفا علة تمارضه واستطاعا تفاديه أو علاجه دون أن يحتاج الأمر، في أغلب الأحيان الى مراجعة طبيب معين.