قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

اعقروا بلعماً... تسلموا
نزار حيدر
لقد استغرب كثيرون من تصريحات احد وعاظ السلاطين وفقهاء البلاط، المسكون بمرض الطائفية، التي ادلى بها مؤخرا بشأن ثورة الشعب الابي في دولة البحرين الشقيقة، اما انا فلم استغرب ابدا، فكل من قرأ التاريخ، سيتأكد بان هذا العالم المتهتك ليس بدعا من اقرانه، من علماء السوء، سواء المسلمون او غير المسلمين، فلقد ظل امثاله يبررون للظالم ويتسترون على جرائمه ويشرعنون قبح اعماله ضد رعيته ويسوقون الحجج والاعذار الواهية لتبرير القتل وسفك الدماء ومواجهة الاصلاح والمصلحين، والافتاء بغير ما انزل الله تعالى ارضاءً للسلطان الجائر الذي ظل على مر التاريخ يفتقر الى الشرعية التي لم يجدها الا عند علماء السوء من فقهاء البلاط ووعاظ السلاطين، فلقد روي عن الزهري، احد فقهاء البلاط الاموي، انه لما ضاق عبد الملك بن مروان ذرعا بمنع حجاج الشام من الوصول الى مكة اثناء فترة عبد الله بن الزبير وما يؤثر ذلك المنع في مكانته، افتى بالحج الى بيت المقدس بدلا من الحج الى بيت الله الحرام، بل ان امثاله كانوا، ولا يزالون، ينصبون حبال المشانق للاحرار بفتاواهم الدينية التي تصدر بامر السلطان الجائر، والحاكم الظالم، بعد ان اشبع بطونهم باللقمة الحرام وقطع السنتهم واعمى ابصارهم بالمال السحت المسروق من بيت مال الامة.
ان فقهاء البلاط، عادة، احد نوعين، فاما عميان، واما عوران. بالنسبة الى النوع الاول، والذي يكثر في بلاط آل سعود، لا يرون شيئا من الحياة، فكل شيء في نظرهم اسود قاتم اللون، فحرام، مثلا، على المرء ان يهدي وردة الى ابيه او امه او زوجته او صديقه اذا زاره في المستشفى، ولكن الامر يختلف اذا اهدى احد امراء الاسر الفاسدة الحاكمة في الخليج مليون دولار الى حديقة حيوانات في احدى عواصم بلاد (الكفر) لانقاذها من الافلاس، او ان يهدي احدهم ملايين الدولارات لفريق رياضي في بلاد (الكفر) يفتخر به امام الاخرين. والمرأة في فتاواهم عورة كلها لا يجوز لها الخروج من المنزل، ولكن الامر يختلف مع اميرات الاسر الفاسدة الحاكمة في الخليج، فليس حرام اذا سافرت احداهن الى عواصم بلاد (الكفر) للهو واللعب والسباحة على الشواطئ، او اذا انغمس الملوك وابناؤهم الامراء في الفسق والفجور والفساد في بلاد (الكفر) مع الشقراوات والحسناوات. والتظاهر والاعتصام ضد اسرة آل سعود الفاسدة للمطالبة بالحقوق حرام عندهم، ولكنه امر حلال بل واجب وجوبا عينيا في بلاد المسلمين الاخرى، ومنها العربية.
اما العوران، والذين يكثر نوعهم في قطر وغيرها، فهؤلاء يرون شيئا ويغضون البصر عن اشياء، فأحدهم مثلا: يرى مواطنا (شيعيا) من بين ملايين المواطنين المصريين في القاهرة، ولكنه لا يرى رئيس وزراء اسرائيل يتجول في اسواق ومدارس قطر، يتسوق ويتسامر مع صبايا واولاد (الامير بالله). يرفض الاستقواء المزعوم بالقوى الاجنبية من قبل شعب البحرين ضد الطاغوت الحاكم، ولكنه يسكت عن قاعدة (العديد) التي تحيط من كل جانب بالمسجد الذي يصلي فيه الجمعة، ثم يسأل الله النصر على عدوه. يدعو المصريين الى عدم الحوار مع الفرعون لان الحوار لا ينفع معه، اما في البحرين فان الحل الوحيد هو ان يقبل البحرينيون الحوار مع آل خليفة. ترتعد فرائصه خوفا وهلعا اذا قيل له ان مواطنا في بلد عربي ما شوهد يقرا كتابا (شيعيا) ولكنه لا يرى كل هذا التطبيع الثقافي والاقتصادي والتجاري والسياسي والدبلوماسي مع (اسرائيل). يهدر دم طاغوت ليبيا بمجرد انه سمع بمقتل مواطن ليبي، اما بشأن البحرين فلا يمتلك المعلومات الدقيقة الكافية ليصدر حكمه بما يجري هناك من قتل وترويع للشعب الامن على يد آل خليفة وآل سعود.
وعلى الرغم من ذلك فانه يصف الثورة بانها طائفية، فيرفض ان يشبهها بما حدث في مصر او تونس او ما يحدث في ليبيا او اليمن، فهي، برأيه، تختلف عن كل ما يجري في العالم العربي لان شعب البحرين يختلف معه في المذهب فقط ليس الا. يدعو العرب والمسلمين الى ان ينصروا اهلهم في اليمن لان امتهم واحدة، اما في الخليج فالامة ليست واحدة ولذلك لا يحق لاحد ان ينصر شعب البحرين، لانهم جزء من امة خليجية فحسب. ولقد ظل هذا الاعور واشباهه من فقهاء البلاط يحرضون على القتل والذبح والتدمير في العراق بحجة تعرض البلد للعدوان الاجنبي، ولكنه يرفض ان يذهب احد للقتال ضد (الغزاة) في ليبيا لان (العرب) هم من طلبوا من (الكفار) كالولايات المتحدة وبقية دول اوربا التدخل هناك وقصف البلد وتدميره. وصدق الله تعالى عندما وصفه وامثاله بالكلب، افلا تراه كيف يلهث وهو يكذب على الله ورسوله؟. هذا الاعور تجاهل كل آيات الجهاد ضد الظالم واحاديث رسول الله (ص) عن نصرة المظلوم، على مدى نيف وثلاثين عاما من حكم الطاغية الذليل صدام حسين، ثم فكر، فقتل كيف فكر، ليفتي لنا بان الطاغية شهيد مستدلا على رأيه هذا بحديث يقول ان القاتل الفاجر اذا نطق بالشهادتين عند اعدامه فهو الى الجنة لا محال. اما عندما فجر المصريون ثورتهم ضد الطاغوت فقد تذكر هذا الاعور كل الايات والروايات التي تتحدث عن الظالم ونصرة المظلومين، في بيان طويل له اول وليس له آخر. وصدق الله تعالى عندما وصفه وامثاله بالكلب.
ومع اختلاف (العميان) عن (العوران) بطريقة النظر الى الامور، الا ان الجامع المشترك بينهما، هو انهما يجلسان في حضن الطاغوت ويحتميان بالاجنبي عندما يصدران الفتاوى الطائفية المضحكة، وبمعنى آخر فانهما دواب يركبهما الطاغوت ليقضي بفتاواهما وطره، ولقد وصف رسول الله (ص) هذا الصنف بقوله {الفقهاء امناء الرسل مالم يدخلوا في الدنيا ويتبعوا السلطان، فاذا فعلوا ذلك فاحذروهم} اولئك الذين لعنهم رسول الله (ص) بقوله {ملعون ملعون عالم يؤم سلطانا جائرا معينا له على جوره}. انهم يعلمون حق العلم ماذا يجري في اروقة بلاط الاسر الفاسدة الحاكمة في بلدان المنطقة، كالبحرين والجزيرة العربية وقطر، الا انهم يكتمون ما يعلمون، ناسين او متناسين قول رسول الله (ص) بحق العالم الذي يكتم علمه والذي يقول فيه {ايما رجل اتاه الله علما فكتمه وهو يعلمه لقي الله عز وجل يوم القيامة ملجما بلجام من نار}. انهم فقهاء متهتكون يصدق عليهم قول رسول الله (ص) {قصم ظهري عالم متهتك} الذين حذرنا منهم الرسول الكريم بقوله {اياكم والجهال من المتعبدين والفجار من العلماء فانهم فتنة} فبشرهم بعذاب النار، فلقد روي عن رسول الله (ص) قوله {اتيت ليلة اسري بي على قوم يقرضون شفاههم بمقاريض من نار كلما قرضت وفت، فقلت: يا جبرائيل من هؤلاء؟ قال: خطباء امتك الذين يقولون ما لا يفعلون، ويقرؤون كتاب الله ولا يعملون به}. ولقد اوحى الله تعالى الى داوود عليه السلام: قل لعبادي: لا يجعلوا بيني وبينهم عالما مفتونا بالدنيا فيصدهم عن ذكري، وعن طريق محبتي ومناجاتي، اولئك قطاع الطريق من عبادي، ان ادنى ما انا صانع بهم ان انزع حلاوة محبتي}. ولشدة خطورة المؤسسة الدينية عندما تفسد، والفقهاء والوعاظ عندما يفسدون، لذلك ارى ان من واجب الامة ان تفجر ثورة مشابهة لثورتها على النظام السياسي الفاسد، لتزيحهم عن كرسي الفتيا، والا فان الامة الى هلاك لو بقي امثال هؤلاء يتصدرون المشهد الديني في الامة.
ان مثل هؤلاء يقودون الامة الى الهلاك، ولذلك يجب عقرهم لتسلم الامة من اذاهم، ولقد امر امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام اصحابه ان يعقروا الناقة في حرب الجمل، لانه راى ان الحرب لن تهدأ وان اوارها لن ينطفئ لازالت الناقة قائمة على اقدامها، ولما عقرها المسلمون قرت الحرب واستقرت الامور وانتهى الاقتتال. ان على الشعوب العربية، خاصة الشباب، ان لا يطيعوا مثل هؤلاء الفقهاء المتهتكين الذين يدعون الى الفتنة ويحرضون عليها، بل ان عليهم ان يقاطعوهم كما يقاطعوا الطاغوت، وعليهم ان لا يأتموا بصلاتهم، فصلاتهم مكاءا وتصدية. ان على شباب الامة ان يزيحوا هؤلاء عن المؤسسة الدينية ويبحثوا عن ويلتفوا حول العلماء والفقهاء المتنورين الواعين. . عليهم ان يتلمسوا الطريق عند الفقهاء الذين يدافعون عن مصالح الناس عند الحاكم الجائر، اولئك المتسلحون بالعلم والتقوى والشجاعة في مواجهة المخاطر التي تحدق بالامة، ممن لم يجلس في حضن طاغوت ولم يجلس على مائدة ظالم ولم يقبض مرتبه الشهري او التقاعدي من سلطان جائر. يجب ان تضع الامة حدا لبلعم بن باعوراء النموذج الذي انسلخ عن آيات الله تعالى فاتبعه الشيطان ليصفه القران الكريم في نهاية المطاف بالكلب، لان بلعما هذا اشد خطرا على الامة حتى من النظام السياسي الفاسد، فلولاه لما استمر الاخير في السلطة، ولولاه لما انفق الاخير امواله لقتل الناس وسفك الدماء البرئية وشراء الضمائر الميتة لتصنع له اعلاما مضللا يخدع به الرأي العام ويشوه الحقائق.
ان كل ما يفعله الطاغوت يستمد شرعيته من فتاوى فقهاء البلاط الذين اشتروا سخط الخالق بمرضاة المخلوق، فباعوا دينهم بدنيا طغاة مردة يقتلون الناس ويفسدون في الارض. وعندما يصل الامر الى غيرهم، شيعة اهل البيت تحديدا، فليس في موقفهم حدود فكل شئ مباح وحلال، القتل والتدمير والاستعانة بالاخر وكل شئ، لانهم مهووسون بما يسمى بالشيعة فوبيا. ان قيم مثل العدالة والحرية والمساواة والكرامة، هي قيم انسانية من حق كل انسان، أياً كان، ان يتمتع بها في ظل نظام سياسي صالح وسليم لا يميز بين المواطنين على اساس الدين او المذهب او العرق او اللون او الجنس، اما فقهاء المؤسسة الدينية الفاسدة فقد مذهبوا الحرية واسلموا الكرامة، وكأن هذه القيم هي من حقهم دون سواهم، فلا يحق لشيعي مثلا ان يعيش بحرية وكرامة، كما لا يحق له ان يتمتع بافكاره ويتعامل اعلاميا مع متبنياته. انهم مهووسون بالطائفية ومأزومون بها.. ولذلك فان على شباب الثورة في كل البلاد العربية ان يكنسوا مخلفات المؤسسة الدينية الفاسدة، فاذا صبر الشيعة على فساد العناصر الاربعة المذكورة، خاصة المؤسسة الدينية الطائفية الفاسدة المحمية ببلاط آل خليفة وآل سعود وآل حمد ومن لف لفهم، مدة، فان لصبرهم هذا حدودا لن تستمر الى ما لا نهاية، فكما ان من حق المواطن في مصر الكنانة وتونس الخضراء وليبيا المختار واليمن السعيد ان ينفجر ثورة تكتسح النظام السياسي الفاسد ليتمتع بحريته وكرامته، فان من حق المواطن في البحرين كذلك وفي الجزيرة العربية وفي قطر وغيرها من دول الخليج ان ينفجر بركانا ضد النظام السياسي الفاسد ومؤسسته الدينية الطائفية الفاسدة ليكتسح مخلفات القرون السالفة من اجل حياة افضل يتمتع فيها بالحرية والكرامة وبخيرات بلاده التي سرقتها اسر فاسدة لازالت تحكم في بلاده قرونا طويلة من الزمن.
ليس ذنب شعب البحرين ان تكون الاكثرية المطلقة من الشيعة، الا ان الذنب كل الذنب يقع على عاتق الاقلية الضئيلة جدا التي تمثلها اسرة (آل خليفة) والتي استولت على البلاد والعباد منذ اكثر من قرنين من الزمن بعد ان طردتهم اسرة (آل الصباح) من الكويت شر طردة. على فقهاء البلاط ووعاظ السلاطين ان يقولوا الحقيقة، ويبينوا ويوضحوا الامور كما هي، فان عليهم، مثلا، ان يقولوا بان من الظلم ان تتحكم اقلية ضئية جدا وفاسدة بمصير اغلبية كبيرة جدا، بدلا من ان يذكوا نيران الطائفية. ان كل مصائب الامة الاسلامية، ومنها العربية، وعلى مر التاريخ، سببها فساد المؤسسة الدينية، فطالما يكون الفقهاء والوعاظ جزءا من النظام السياسي وآلة بيد الحاكم واداة طيعة بيد صاحب الصولجان، فان الدين يفسد والفتوى تفسد والعمامة تفسد وكل شئ يفسد، ولذلك رأينا كيف ان فقهاء البلاط ووعاظ السلاطين يبررون القتل والذبح والاستعانة بالاجنبي (الكافر) للدفاع عن عروش اولياء نعمهم من الملوك والحكام. ان الدين الذي لا ينتصر للمظلوم ليس بدين الله، وان الفتوى التي لا تجيز للمقهور ان يخرج على الظالم ليست بفتوى دينية، وان الثقافة والفكر الذي يبرر للظالم سفك الدم الحرام ليست بثقافة سليمة ولا فكر وقاد، فلقد بعث الله تعالى رسله وانبياءه وانزل عليهم الدين والكتاب ليس من اجل التبرير للظالم أبداً، وانما من اجل ان ينتصر للمظلوم ويدافع عن المقهور، وبحساسية كبيرة، فلقد قال رسول الله (ص) {ليس منا من بات شبعانا وجاره جائع} فما بالك بالحاكم المتخم والى جانبه جيش من الفقراء يئنون من الجوع والعوز؟ فاين (دين) فقهاء البلاط من هذا؟ واين فتوى وعاظ السلاطين من هذا؟ ام ان البترودولار قطع السنتهم؟.