قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
القائد في نظام الحكم الاسلامي. .
المسؤولية لتحقيق أهداف سامية
*كريم الموسوي
نعرف إن صفة (المسؤولية) يجب أن يتحملها النائب في البرلمان والوزير في الحكومة والقائد العسكري وكذلك رئيس الحكومة أو الدولة أو رئيس الجمهورية أو ما يسمى اليوم بـ(زعيم البلاد). وهذه الصفة هي التي تخوّل هذا (المسؤول) صلاحيات كثيرة ومتنوعة وبحسب درجة المسؤولية، وهي الصفة التي نلاحظها اليوم وقد تحولت الى مركز استقطاب وشد وجذب بين المتنافسين، بيد ان الاسلام الذي أرسى دعائمه الرسول الأكرم وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما، قدم المسؤولية على الصلاحية، وهذا ما نشهده بوضوح على صفحات التاريخ خلال فترة الثلاثة عشر عاماً في المدينة المنورة، والسنوات الاربع في الكوفة. وفي احدى خطبه الشهيرة يقول أمير المؤمنين عليه السلام: (لا رأي لمن لا يطاع).
فهذه المسؤولية التي يتحملها القائد سواء بواسطة النصّ الالهي أو بالانتخاب والتعيين كما هو حاصل في اوساطنا، هي التي تحدد صلاحيته في السعي خلف اهداف معينة تعد من مقومات الدولة أو تعبر عن المصلحة العامة. وكل ما يتوقف عليها تحقيق هذه الاهداف من وسائل مشروعة لدى الدين، ومقبولة لدى العرف، يستطيع القائد في الدولة الاسلامية ان يتذرع بها في سبيل تحقيقها. وربما سببّت هذه الوسائل تحديد بعض حريات الفرد الممنوحة إليه بنص الشريعة، بل وربما أدت إلى انتزاع بعض حقوقه المشروعة ومصادرة بعض امواله الممتلكة.
الا انه ما دامت القيادة رشيدة وموثوق بها وموضوعة فيها كل آمال الاُمة وأثقالها، وما دامت المصلحة تعود إلى الجيمع، وهذا الفرد في ضمنهم، وتتوقف تلك المصلحة على هذه الوسيلة دون غيرها، فان من مصلحة هذا الشخص بالذات، وقبل اي شخص آخر، أن تحدّد حريته، وتنزع منه ملكيته لبعض الاعيان والمنافع للاخرين مثل ان يكون تحديد السير بطريق خاص، وتحريم اقتحام بعض المناطق وايقاف السفر إلى بعض المدن لغرض الدفاع عن استقلال البلد الذي يعيش فيه هؤلاء الذين حُددت حريتهم وغير ذلك مما يعود بالنفع عليهم قبل غيرهم.
كما ان انتزاع حقوق مشروعة، ومصادر املاك واموال من جميع الناس او من الاثرياء فقط ليست عملاً مكروهاً ومرفوضاً اذا كانت الثروة الجماعية تتضرر لولا ذلك، بل انه واجب مفروض تطبيقاً للحديث المشهور (لا ضرر ولا ضرار).
كما ان وضع رقابة شديدة على المطبوعات تحددها بما تنمي الشعور الديني وتربي في الجماهير روح الالتزام بالقيم الاخلاقية والمفاهيم الانسانية، وتشيع فيهم الفضيلة والخير والهدى. يكون من أجدر وأوجب من عدم وجود هكذا رقابة.
كل ذلك فريضة مقدسة يجب على الدولة القيام بها بحكم العقل والوجدان ما دامت الامة لا تعيش الا بمبدأ، والمبدأ لا ينمو الا بالثقافة، والثقافة لا تستقيم الا بالتوجيه، والتوجيه يستدعي وضع رقابة تمنع مثل هذه المطبوعات.
فوضى الغرب وديكتاتورية الشرق !
ونعرف بهذا كله ان ( القيادة الاسلامية) تقع في الطريق الاوسط بين منعطفي (الفوضى الغربية) و (الديكتاتورية اليسارية) وانها النظام الفاصل الذي يتوسع ما اقتضتهُ المصلحة, ويؤيد مالا تتحقق المصلحة بدونه.
أما المدارس الاخرى فليس في نظمهما القيادية تلك المرونة المنطقية المعقولة التي نجدها في الاسلام فهي تتمسك باحكامها دون رعاية المصلحة وتفرط في جانب على حساب جانب آخر. لذا فهي فوضى تفتح الابواب واسعة عالية أمام شهوات الانسان فاذا بالاستغلال يطغي على العدالة، واذا بالميوعة تقضي على الظبط، واذا بالفحشاء تنتشر على حساب الخُلُق والكرامة، واذا بالافكار الخطيرة تأكل التوازن الثقافي للاُمة كما تأكل النار الهشيم.
وأما الديكتاتورية اليسارية فتخنق الامة، وتضعها في قوقعة ضيقة من القوالب الجاهزة الثابتة التي لا تسمح لمواهب الامة ان تتفتح، ولا لأفكارها ان تنمو وتسمو فحرية السفر والفكر والتجارة والشؤون الشخصية تذبح في الشرق الاحمر، كما تذبح كرامة الفرد وعزة الاسرة وشرف المجتمع في دنيا الغرب وفي نظام.
ماهو السبب ؟!
ولعل السبب في هذا الحيف والتعدي الفاضح الذي اقحمت فيه النظم البشرية شعوب العالم، من استبداد في الشرق وفوضى في الغرب، هو أمر واحدّ فقط وهو: ان نظم الغرب لم تشأ ان تعطي لفرد واحد- هو القائد الاعلى- كامل الصلاحية خشية منه على حريات الجماهير فلذلك تورطت في الفوضى، وان نظم الشرق خشيت من عاقبة الفوضى فاعطت الدولة (القيادة) كامل الصلاحيات فصادرت حريات الجماهير وكرامتها.
فالسبب يكمن في عدم قدرة الغربي (ويمثله الشعب كله) على ان يقف على مصالحه فلا يتعداها إلى الاخذ بشهواته الضارة به، وفي عدم قدرة الشرقي ( ويملثه القائد المستبد ) على تحقيق كرامة الانسان وهو يريد ان يوجهه إلى مصالحة ويوقفه دون الشهوات المضرة به.
اما القيادة الاسلامية فبما أنها تقوم على قاعدة فكرية صلبة، وبما أن الشعب يؤمن بها وبجدارتها واستقامتها وهي تؤمن بالشعب وبحقوقه، وبما ان الجميع قد اتفقوا- تربوياً لا خطابياً- على رعاية مصالحهم المتمثلة والموجودة في المناهج الدينية فانها تستطيع من كلا الأمرين:
أ- تحديد الأمة بمصالحها.
ب- صيانة كرامة كل فرد منها.
ولذلك فإن القيادة في ظل الاسلام تعطي الناس الحرية و الكرامة الكاملتين في الوقت الذي تنتزع منهم بعضها لتحقيق مصلحتهم وتحدده وتمنعه عنهم لتوفيرسعادتهم.
والمبدأ الذي يتجرد له القائد ويخضع له الناس لا يعطي القيادة إلا من يراعي مصالح الناس ويحققها، ويثق الناس بهذه الصفة فيه، فإذا حدد شهواتهم اطاعوه لأنهم يعرفون لماذا، والى متى يفعل ذلك، ولذلك تكون للقيادة الاسلامية تلك المرونة التي يفتقدها غيره من نظم الأرض.
وربما يتمكن الغرب أو الشرق من تعديل بعض انحرافاتهما، والتقارب فيما بينهما ليزيد الغرب من ضبطه وتوجيهه، ويحدّ الشرق من ديكتاتوريته واستبداديته، ربما يستطيعون ذلك بعض الاستطاعة كما هم فاعلوه الآن، إلا أنهم لا بد لهم ان يعرفوا نقطة واحدة وهي: ما دامت الجماهير لا تتوفر لها التربية الروحية فإن اعطائها كامل الحريات خطأ كبير لأنها ستستخدم هذه الحريات في غيرصالحها.
وما دامت الروح التضحوية لم تنضج في القيادة فإن اعطاءها هي الأخرى حق التوجيه والادارة المطلق خطأ كبير ايضاً إذ أنها ستنطلق من موقع القيادة هذا سبعاً ضارياً على الجماهير، وتوجهها إلى ما يضمن مصالح القادة ومآربهم الخاصة دون مصالح الشعوب ومآربها.
ان الاسلام اذ يضع للناس قسطاس المصلحة وميزان العدالة فإنه يمهد السبيل إلى هذا الهدف الاسمى (قبل ذلك) باشتراط العدالة المستمرة في القائد الاعلى التي تحصنه عن استغلال حق التوجيه المخوّل اليه، فيما يضاد مصلحة الامة. واذ يعطى الناس حرياتهم فإنه يربيهم (قبل ذلك) تربية مثلى على التقيد بالدين، وهو الالتزام بالسيادة القانونية الإلهية، حتى تعود تفضل مصالحها على شهواتها سواء المصالح التي يعينها لهم العقل، أو توضحها لهم القيادة، ذلك لأنهم يعرفون ان القيادة لا تعمل إلا في صالحهم لأنها قد تجردت للحق والمصلحة ولهم تجرداً كاملاً.
وبهذا نعرف السبب الذي يعطي الدين هذا المقدار الضخم من الصلاحيات بيد القائد الاعلى، ويوسع له الطريق في سبيل تحقيق المصلحة التي يراهة للأمة.