الفتن في العراق والاستفادة من تجارب الأمم الماضية
|
*إعداد / بشير عباس
إن الله تعالى يمتحن عباده بنمطين من الفتن:
النمط الاول: الفتن الفردية.
كل نفس تعيش في هذه الدنيا لا تخرج منها إلا وتدخل في اطار الفتن، فالحرام يستقبله قبل الحلال، فان بادر الى الحرام حُرم الحلال وسجلت عليه مخالفة، والشهوات تدفعه الى اغتنام الفرص من دون تفكّر في مدى سلامتها وصحتها وصلاحها، والغفلة وتراكم الذنوب وغيرها، هذه الفتن هي الفتن التي يتعرض لها كل فرد في المجتمع وباستمرار.
ربنا سبحانه وتعالى يقول في (سورة الانسان): "هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا * انا خلقنا الانسان من نطفة امشاج"، يعني مختلط نبليه، مادام الانسان قنوط من نفحة روحانية علوية، وحفنة من التراب من الارض فهذا الانسان لابد ان يكون في صراع داخلي وفي امتحان مستمر.
النمط الثاني: الفتن الجماعية.
بمعنى أن يكون الامتحان للامة بكاملها فتتعرض الى فتنة عمياء طخياء، يتحيّر الحليم فيها ولا يعرف الانسان مداها، وهذه الفتنة تعرضت لها أمم كثيرة في التاريخ وأمم معاصرة اليوم، فهناك شعب يعاني من فتنة عامة في باكستان وفي الصومال وفي افغانستان وفي بلاد اخرى وفي العراق أيضاً، واذا اردنا ان ندرس حالة الشعب العراقي من منظار ديني وبرؤية قرآنية ومن خلال بصائرنا التي نؤمن بها، سنقول انها فتنة، وكما يتعرض الشعب العراقي فان شعوب كثيرة في التاريخ قد تعرضت الى امثال هذه الفتنة، والشعب العراقي قد تعرض مراراً وتكراراً عبر تاريخيه الذي يبلغ عشرة الآف سنة لمثل هذه الفتنة، نحن نعرف بعض التاريخ، لكننا لا نعرف الكثير مما جرى في العراق... حضارات عاشت وازدهرت وتوسعت، أما ما سُجل في التاريخ فقصة النبي ابراهيم على نبينا وآله وعليه افضل الصلاة والسلام وأيضا قصة النبي نوح، هذا ما نعرفه من خلال القرآن الكريم ومن خلال تراث أهل البيت عليهم السلام.
*دروس من التاريخ للعراق
إن اعظم ما تعرض له الشعب العراقي من غزوات وفتن من الغرب ومن الشرق، هي الفتنة العمياء المتمثلة بالحروب الصليبية التي لامست اطراف الامة الاسلامية، وأيضاً العاصفة التترية التي زحفت ودخلت في العمق، لكن أزاء كل ذلك، ما هي الرؤية الدينية الصحيحة؟ فنحن حين نقرأ القران الكريم إنما نتملس منه البصائر والحكم ولنعرف ليس فقط طبيعة حياتنا المعاشة الراهنة وانما لنعرف المستقبل ونعرف كيف نخرج من هذه الفتنة سالمين دون ان نتأثر.
في (سورة آل عمران) وهي سورة تبين الشدائد التي يتعرض لها الناس وكيف ينبغي لهم ان يواجهوها بحزم وصبر وايمان وخلوص نية، يقول ربنا سبحانه وتعالى عن قصة النبي (ص) حيث يقول: "وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل فأن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم"، إن القران نزل على النبي الأكرم ولكن القران الكريم بين للناس ما سوف يتعرضون له من فتنة عمياء يتغيرون من خلالها (180) درجة، وهو تغيير جذري وكبير، وليس على شاكلة بغض التغييرات البسيطة بمعنى الميول ذات اليمين وذات الشمال، تقول الآية الكريمة: "ومن ينقلب على عقبيه لن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين * وما كان لنفس أن تموت الا بأذن الله كتابا مؤجلا"، أي لا يفكر البعض انه يموت قبل اجله، إنما كل اجل يتحقق في حينه.
ذلك الرجل كان يتعقب الامام علي (ع) في بعض الحروب والامام في ظلام الليل يمشي بين الصفين وحده، فأحسّ به وقال له: ماذا تفعل؟ فقال الرجل: في الحقيقة انا أتيت لكي احرسك! فقال له الامام: أتحرسني من اهل الارض أم من اهل السماء؟ ثم قال: كفى بالاجل حارساً. فاذا لم يأت الاجل الى الانسان يبقى حياً، والكتاب بمعنى شيء مكتوب و دستور واضح، ومؤجل بمعنى ليس عاجل وانما آجل.
وهنا التفاتة ظريفة في القرآن الكريم وكلمة طيبة من لدن حكيم خبير، وكل كلام البارئ عزوجل طيب، نسأل الله ان نستطيبه وان نعرف طيبه، فتارة يكون الطيب موجوداً لكن شامة الانسان تكون ضعيفة فلا يستطيع ان يستوعب هذا الطيب... يقول تعالى في تكملة الآية الكريمة: "ومن يرد ثواب الدنيا نؤتيه منها"، وهذه كرامة للانسان من لدن العزيز الحكيم، حيث جعل له هذه الحرية في الدنيا، "ومن يرد ثواب الاخرة نؤتيه منها"، فهو يعطي الانسان ثواب الدنيا إن شاء، وأيضاً ثواب الاخرة، لكن لماذا يقول القران (منها)؟ بمعنى حسب سعيك وطاقتك وتقدير الرب: "سنجزي الشاكرين" اما الذي يحصل على اعلى وسام وعلى اعلى درجة فهو ذلك الشاكر، وهو ذلك الذي يمتلك الرؤية الايجابية والمتكاملة، ثم يبين ربنا قصة الفتنة. لان القران بحث قصة الفتنة بعد وفاة النبي الأكرم التي شكلت صدمة كبيرة وصعقة تاريخية تعرضت لها الامة الاسلامية، عندما يغيب عنها القائد مرة واحدة، ويغيب معه الوحي، إنه ليس بالأمر الهيّن، لذا يمكن القول، إن آثار وفاة النبي مستمرة حتى الان.
*مواجهة الفتن
إن كل هذه الفتن التي يتعرض لها المسلمون اليوم وهذه الهجمات من الفضائيات والكلام الصاخب هنا وهناك، كلها من آثار وفاة النبي الأكرم (ص)، وحتى الان لم يتعافَ المسلمون من تلك الصعقة الكبرى التي تعرضوا لها بوفاة نبيهم الاكرم (ص)، إن مجرد ظهور فكرة معينة فان الناس سرعان ما يتلاقفوها، كما لو أنهم ينتظرونها، فاذا ظهرت كلمة من هذا وأخرى من ذاك، تتحول الى فكرة وقضية وفتنة، يقول امامنا امير المؤمنين سلام الله عليه: (الكلام ذكر والجواب انثى، فاذا اجتمعا تلاقحت الفتنة)، من هنا يجب علينا الانتباه الى القضايا الكبيرة في هذا البلد، وليس الاقتصار على القضايا الصغيرة، وهو ما يسعى اليه أعداؤنا، فهم يحاولون اشغالنا بفتن تشتعل هنا وهناك، مثل المحادثات المباشرة الدائرة بين الفلسطينين وبين الصهاينة، وهي ليست بالقضية المهمة، لكنهم يشغلوننا بها ثم تنتهي، تقول الآية الكريمة الأخرى: "وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير"، أولا: كلمة (كأين)، للدلالة على الكثرة والكم، فاذن يدل على ان الكثير من الانبياء خاضوا قتالاً صعبا وصراعا دموياً، ثم تبع الانبياء ايضا مجموعات صالحة كثيرة "معه ربيون كثير"، و(الربي) هو الذي تربى في احضان الرسالة، فهؤلاء الربيون أي الانبياء لم يختارهم الرب الا بعد ان امتحنهم أشد الامتحان وعرف صبرهم واستقامتهم، فما في نبي ينهزم امام المشاكل.
أحد الانبياء حينما دخل تلك الشجرة هرباً من إعدائه، فجاؤوا واحاطوا بالشجرة وأخذوا ينشرون الشجرة من أعلاها الى اسفلها والنبي في وسطها، فوصل المنشار الى أم رأسه، فصاح متأوهاً، وهو أمر طبيعي، فالرأس عند الانسان تشكل منطقة حساسة وهي مركز الاعصاب ومركز الألم، وأن ينشر الانسان من رأسه غير ما يضرب بالسيف مرة واحدة، لكن عندما صدر منه ذلك التأوه والتألّم جاءه الخطاب من السماء: (لان تأوهت مرة اخرى لأمحون اسمك من ديوان الانبياء)، أي لا يوجد نبي يقول: (آه)، بل النبي فوق كلمة (آه)، ولكن القران يحدثنا أيضاً عن من كان مع الانبياء، ويتحدث عن تلكم الصفوة التي كانت مع الانبياء وهم (الربيون) الذين لم يتأثروا بالظروف الصعبة ولم ينقلبوا على اعقابهم، ويعلمنا انه حينما تكون صلتنا بالله وبالمبادئ لن نتأثر، فربما يصيبهم الكثير من قتل وتشريد وتهجير والاذى اللفظي وشماتة الاعداء لكن (فما وهنوا لما اصابهم في سبيل الله)، وهنا الكلمة الجميلة : (في سبيل الله)؛ ومن مصاديق هذه الآية الكريمة الامام الحسين سلام الله عليه في ظهيرة عاشوراء، وفي اشد اللحظات التي مرت به وهي في ظن البعض كانت اللحظة التي اصاب السهم رقبة ابنه الرضيع علي الاصغر وهو يحمله الى القوم لكي يسقوه الماء، إنه حقاً لموقف صعب وعسير أن يحمل الأب ابنه الرضيع ويطلب له الماء، لكن بدل الماء يُرمى بسهم!! في هذه اللحظة قال الامام عليه السلام: (هوّن علي ما نزل بي انه بعين الله)، فمادام الامر في سبيل الله فلا (وهن) في المسألة، و رب سائل يسألني: ما هو الوهن؟ وما معنى قوله تعالى: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون ان كنتم مؤمنين" ؟
*التربية الرسالية و الصمود
إن للانسان ارادة، لكنها محدودة، فكل انسان لديه كمية محددة من الارادة، وكل ما دخل في ظروف صعبة قلت ارادته، لكن لا تنطبق هذه القاعدة على المؤمنين، حيث يخوضون أموراً صعبة ويقدمون التضحيات، ويمروا بمشاكل (لو صبت على الايام صرن لياليا)؟ ولماذا لم تنل هذه المشاكل من ارادتهم وعزمهم؟ إنهم تربوا في احضان الرسالة وكانوا ربيين، فمادام ربيين (وما وهنوا)، فان ارادتهم تجدد باستمرار، ذلك حينما يكون الانسان متصلاً بقوة الرب وبقوة الله، "ومن يتوكل على الله فهو حسبه"، وبذلك فان المؤمنين يخالفون القاعدة التي تقول إن الحرب والمواجهة تستنزف وتستهلك من الانسان قدراته وطاقاته، يقول الامام الصادق عليه السلام: (ما ضعف بدن عما قويت عليه النية)، فعندما تكون النية قوية لن يضعفوا، بل تجدد قواهم، وإن قلت امكاناتهم استفادوا أو فتشوا عن قوى وامكانات جديدة، فمجموعة ذهبت الى الجهاد، قاتلت وقُتلت او هُجرت، فيما المجموعة الثانية واصلت الطريق وجددت القوى واكتسبت دماءً جديد، (فما وهنوا لما اصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا)، بمعنى أنهم لم يبيعوا ضميرهم ولم يذلّوا انفسهم ولم يتنازلوا عن اهدافهم، فهو دخل المعركة وعنده اهداف محددة وخرج منها ولا يزال عنده نفس الاهداف بالرغم من ان المعركة اخذت منه الكثير لكن ما استكان، القرآن الكريم يضرب لنا مثلاً بأولئك الرجال، "رجال صدقوا ما عاهدو الله عليه"، إنها صدق النية وفي (سورة الاسراء) نقرأ هذه الكلمة الموجهة الى النبي والى المسلمين: "وقل ربي ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق"، أي عندما ادخل المعركة وانا صادق، أخرج منها وانا صادق أيضاً، بالرغم من جسامة التضحيات.
إن الصفة الاساسية التي يختم بها القران الآية الكريمة يقول: "والله يحب الصابرين"، إن رب العزة والسموات والارض يحب الصابر وذلك الذي لا يتنازل، وفي ظل هذه الظروف ما كان كلام هؤلاء المؤمنون، يقول القرآن الكريم: - انتبهوا الى هذه الفكرة الجميلة والعظيمة جداً- "وما كان قولهم الا ان قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين".. النبي الأكرم بعث (ص) بسرية من خيبر فعادت هذه السرية بقائدها حسب التواريخ ومذكور أيضاً في كتاب (البخاري) و (مسلم) وغيرها، يقول فرجع يجبنهم ويجبنونه، أي أحدهم يقول للآخر: أنت الجبان...!! فالقائد يقول لجيشه: أيها الجبناء!! وهم يقولون له: أيها الجبان!! فهل هذا من صفات الإيمان؟! أما المؤمنون حينما يدخلون المعركة الصعبة والطاحنة والفاصلة، فان كلماتهم تنبض بالحيوية، و يدعون الله ويضعون كل ثقتهم به تعالى، فلا تتزعزع قوتهم لأنهم اخذوها من التوكل على الله، "وقال ربكم ادعوني استجب لكم"، فالدعاء نريده وقت الشدة والصعوبة ولمواجهة المشاكل، ففي معركة الخندق وفي تلك اللحظات الحاسمة، وحينما كانت المواجهة فاصلة بعد أن عبر ذلك الرجل العملاق الخندق وصار أمام المسلمين وأخذ يصرخ فيهم: (هل من مبارز...)؟! وحينما النبي بعث عليا سلام الله عليه كعادته في مثل هذه المواقف الصعبة وخرج الامام الى ذلك اللعين، عندها رفع النبي الأكرم يده للدعاء: (اللهم إن شئت تُعبد...)، هذه الكلمات العظيمة في الحقيقة هي درس لنا، بان لا ننسى ربنا في اللحظات الصعبة، وكما جاء في حديث شريف: (من أوتي الدعاء لم يحرم الاجابة)، وهذا الدعاء ليس كما ما يسمى اليوم (بالتعبئة المضادة)، إنما تحول الى تعبئة ايجابية، رغم إن الناس فقدوا ابناءهم ورجالهم واموالهم و وطنهم، وحصلت الفوضى والاضطراب، فيبدأ الناس بالحديث السلبي والدعاء بالنفس السلبي على الدولة وعلى البلد...! على العكس من هذا، فان التوجه هنا يكون الى الله "ربنا اغفر لنا ذنوبنا"، فبالرغم من أنهم يخوضون غمار المعركة ويجاهدون ويضحون ويقدمون الكثير، لكنهم يدعون الله أن يغفر لهم ذنوبهم: "ربنا اغفر لنا ذنوبنا"
*كلمة للتاريخ
هنالك ذنوب لا تغفر إلا بالجهاد وبالتضحية، وهنالك أشخاص بايعوا الطاغوت وأسهموا في اراقة دماء المسلمين أو سكتوا على أفعال الظالم، فهذا ذنب عظيم لا يغفر الا اذا رفع السيف في وجه الطاغوت، وليس بالضرورة نفس الطاغوت، لكن أن يحمل الراية، وأمامنا قصة الحر بن يزيد الرياحي، التي بحاجة الى تدبّر و وقفة تأمّل، فقد وقف الحر أمام الإمام الحسين عليه السلام في صبيحة يوم عاشوراء وقال: انا اول خارج عليك واريد أن اكون اول شهيد في طريقك... فاذا لم يكن الحر ليستشهد في معسكر الحق وبين يدي الامام الحسين عليه السلام، لكان وضعه مختلف أليس كذلك؟
ومن هؤلاء هنالك الكثير ممن يحملون خلفيات تاريخية غير سليمة بمعظمها، لكن عرفوا طريق الخلاص من النار وهو جهاد الاعداء والتضحية في سبيل الله، "ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين"، إذن امامنا مراحل للمراجعة:
أولاً: الاستغفار من الذنوب ومن الاسراف، ومن ثم تثبيت الاقدام، وأن تطلب من الله الاستقامة والصبر ومن ثم تقول انصرنا على القوم الكافرين. والنتيجة: "فاثابهم الله ثواب الدنيا فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الاخرة والله يحب المحسنين".
صحيح إن الشعب العراقي اليوم يعيش ظروف صعبة في كل المجالات؛ فلا الخدمات ولا الامن بالمستوى المطلوب، ولا الحكومة تشكلت رغم مرور سبعة اشهر من الانتخابات، الى جانب الخوف من المستقبل، لكن مع كل ذلك أسأل: هل نحن نعيش فتنة أسوأ مما يعيشه الشعب الباكستاني أو الشعب الصومالي؟ إن في العراق فتنة من نمط معين، وهي الفتنة العامة والمشتركة، لكن هل نضعف ونستكين ونتراجع عن اهدافنا وقيمنا؟ ثم ما هي أهدفنا؟ إن هدفنا الحقيقي ليس هدفاً خاصاً، ولا يتصور الواحد منّا انه استطاع لوحده ان يخرج نفسه من الازمة فيهاجر حتى ينقذ نفسه من الفتنة، إنه الهروب من الواقع، وهو ليس بعمل صحيح بالمرة، بل الصحيح أن يكون الواحد منّا مع الناس والمجتمع.
ثانياً: الكلمة الطيبة... فالروح هي التي تحارب، والعزم هو الذي ينتصر، وحسب الكلمة الشائعة (ان الحرب صراع ارادات) والشاعر يقول:
على قدر اهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
فالمكارم لا تأتي على قدر الادعاءات، انما على قدر الكرامة التي عند الانسان وعلى قدر العزم الذي يحمله بين جناحيه و(المرء بأصغريه بلسانه وقلبه اليس كذلك)، لذا يجب علينا ألا نفتقد، هذه روح الصلابة والاستقامة تضعف، وذلك بالتواصي، "وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"، ونحن اليوم في العراق بحاجة الى هذه الكلمة الطيبة، فلا تنفعنا الكلمات التي تشعل الفتن وتثير العصبيات والنعرات الطائفيات.
لنجعل الجو العام في البلاد، جو التفاؤل، والنبي الاعظم (ص) يقول: (تفاؤلوا بالخير تجدوه)، وعلى اصحاب الاقلام والبصائر ألا يبينوا فقط الجوانب السلبية، لأن الى جانب السلبيات، هنالك العشرات اضعافها من الايجابيات.. علينا أن يصبّر بعضنا الآخر، والتأكيد على أننا لسنا بالشعب والأمة التي تبتلى بالفتنة ولن الآخر، فقد خلت قبلنا الأمم والشعوب التي خاضت هكذا تجارب مريرة لكنها صمدت وصبرت واستقامت وحصلت على النتائج الايجابية.
كما علينا بالتواصي بالحق أيضاً، والتعاون وهي النقطة المقابلة تماما لما نجده عند البعض، ممن لديه حالة الاستئثار ومحاولة منع الاخرين من تجاوزه والتفوق عليه، فهو يريد أن يكون الباني للمسجد وليس غيره، أو يكون هو صاحب المشروع لا غيره...! وهكذا.
إن الصد عن سبيل الله حرام من الناحية الشرعية، فالموظف في هذه الدائرة أو تلك ويرى شخصاً يعمل خير لكن يقف امامه باسم القانون او الحزبية، فانه محاسب أمام الله تعالى، وفي القبر يسألونه: لماذا منعت مساجد الله ان تعمر...؟
زارني مؤخراً أحد سفراء العراق في الخارج وقال: هل يجوز لي أن امنع زوار الامام الحسين من المجيء الى العراق؟ قلت له: كلا، فقال بمعنى أن الله سيحشرني يوم القيامة مع هارون الرشيد! قلت له: كلا، بل يحشرك مع المتوكل العباسي وهو اسوأ من هارون الرشيد! فقال لي: وماذا عن القانون؟ قلت له: نفذ بمقدار ما يطلب منك القانون اجباراً، ولكن لا تمنعوا الناس عن مساجد الله وعن اقامة الخير ولا تمنعوا الناس عن زيارة الحسين وبناء المساجد، إذن، يجب علينا أن نتعاون لبناء هذا البلد وكل عمل صالح هو عمل خير، والصالح هو لصالح المجتمع، وعندنا في هذا البلد امكانات هائلة، لكن لكل واحد نوعاً من الامكانات قد يكون مختلف عن امكانات صاحبه. وذلك حتى لا يطول وقوفنا وسؤالنا يوم القيامة، يوم لا ينفع مال وبنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
|
|