الموقع الرسمي. .. تكليف لا تشريف
|
اكرم الثوري
الموقع السياسي الكبير يحتم على صاحبه استحقاقات والتزامات دستورية وسياسية واخلاقية ويضع صاحبه في مساحات ومسافات بعيدة عن الانفعال او السجال او الارتجال وربما يتصف اصحاب هذه المواقع بحكمة عالية ولباقة لائقة ولياقة تنسجم مع معطيات الموقع السياسي الرسمي.قد يتصرف السياسي داخل خلايا وحلقات حزبه بطريقة مغايرة عما هو في موقع المسؤولية الرسمية وقد يكون القائد السياسي في موقع الاسرة غير ما هو السياسي في موقع الدولة فقد ينصح ابناءه بطريقة مغاير عمن يوجه انتقاداته الى شركائه في الدولة والحكومة.
إن الموقع الرسمي يؤدي بصاحبه الى مسالك المهالك اذا لم يتقن اداءاته ومقدماته الصحيحة وربما يتحول الموقع الى نقمة ولعنة تطارد اصحابه، فواقع المسؤولية الرسمية يختلف كثيراً عن بقية المواقع وفيها محاذير عديدة ينبغي الانتباه اليها ونشير اليها اجمالاً:
1- الابتعاد قدر الامكان من عقلية الاستعداء او الاستعلاء على الاخرين والتعامل مع بقية المواقع والجهات بروح المسؤولية والالتزام الوطني. 2- التعامل مع الجميع وفق عقلية الاستيعاب والاستقطاب والاجتذاب اون لا يتحول من موقعه اسداً ضارياً يستغل الموقع الرسمي للتهديد والوعيد واتهام الخصوم والوقوف ضدهم وفرزهم ضمن خنادق وخانات متعددة. 3- الشعور بالمسؤولية الوطنية والابوة القيادية التي تبتعد كثيراً عن الصغائر او الاصرار على الجزئيات او خلق اعداء وخصوم من داخل الوطن. 4- اعتبار ابناء الوطن شركاء وحلفاء في المصير والمسير المشترك وعدم اعتبارهم خدماً وحشماً. 5- ان يحذر المسؤول قدر المستطاع اعتبار الخدمة منة على الاخرين او تحقيق مستلزمات الحياة تفضلاً على شعبه.
6- من الخطورة بمكان تصور السياسيين الرسميين بان الحوارات السياسية مؤامرة على تغيير النظام والعمل بغريزة السلطة وشهوتها. 7- القائد في موقع الدولة يترفع عن صغائر الامر ويتجاهل اشارات الخصوم ويتغافل عن انتقادات الاخرين وان يتحلى برحابة صدر ورباطة جأش لا تهزه الهزائز او تثيره الاشاعات ويرد بالقدر الذي يدافع عن نفسه ويرد الشبهات دون ان يوجه الاتهامات للاخرين ويبرىء نفسه من كل الاخفاقات. 8- عندما ينظر القائد الرسمي الى الاخرين من بقية ابناء شعبه بروح التنافس والتخاصم والحسد فانه يضع نفسه في موقع مهزوز ويقزم دوره ولعل من المفيد الاشارة الى ما ورد من سلوك الامام السجاد (عليه السلام) عندما وجه اليه بعضهم كلاماً سيئاً فتجاهله كأن لم يسمعه فاشتاط غضباً ذاك المعاند وقال للامام اياك اعني فاجابه واياك اغضي. 9- موقع المسؤولية القيادية هو موضع شكاوى الاخرين والاصغاء الى مشاكلهم واذا تحول القائد المسؤول الى شاك ومشكك لبقية ابناء وطبقات شعبه فقد وضع نفسه في موضع لا يليق به ولا يجوز له. 10- القائد السياسي هو الذي يجعل المنافذ والجسور مفتوحة مع خصومه او من يختلفون معه ولا يغلق جميع المنافذ بل يعمل وفق شعرة معاوية مع الاخرين ويضع احتمالات التراجع والمراجعة للمواقف مع الخصوم والفرقاء.
11- حرق كل الاوراق مع الخصوم السياسيين وفتح كل الملفات ليس من الحكمة والحكنة السياسية وان من علامات المنافق ثلاث هي : (اذا وعد اخلف واذا أوتمن خان واذا عاد فجر) ورب الصفة الاخيرة هي الاخطر فاذا عاد فجر وفجر كل ما يمكن الحفاظ عليه مع الخصوم من اجل التراجع والتفاهم. 12- القائد الاستثنائي هو الذي يحاول التماس الاعذار لخصومه ويفتح قنوات التفاهم وايجاد الاجواء الملائمة والبحث عن المشتركات وتطويرها ورصد نقاط الخلل وتطويقها. 13- القائد المؤثر هو الذي يحاول تضييق مساحات الاستعداء والكراهية للاخرين ويبحث عن اصدقاء كثيرين وليس العكس بان يكون منفراً لغيره مكرساً العداوة والكراهية للجميع. 14- ان يتصف القائد في التقوى السياسية وان لا تحرم سياسته حلالاً ولا تحلل حراماً وان الغاية عنده لا تبرر الوسيلة مهما عظمت الغايات لان الوسيلة من صلب وسنخ الغاية. 15- القائد السياسي هو الذي يجعل الدستور رقيباً عليه وحاكماً على سلوكه وان لا يوظف الدستور لمصالحه وان يكون خادماً للناس والا يجعل الجميع بخدمته. 16- ان لا يكون القائد السياسي بعيداً عن افكار وتصورات الناس ولا يسهم في استغلال واستغفال البسطاء من ابناء شعبه من خلال طرح المغالطات غير المنطقية وهو ما يضلل الكثيرين من ابناء شعبه.
17- القائد السياسي هو الذي يجعل الشريعة حاكمة على الشارع والا يتصرف خلال ارادة الشريعة ومخالفة نصوصها وليس الحكم بموجبه بالضرورة ولكن ثمة فرقاً ان تحكم بالاسلام وان لا تسن حكماً يخالف الاسلام فاذا كان الاول ليس بالضرورة فان الثاني هو المطلوب شعبياً ودستورياًُ. 18- القائد البارع هو الذي يقود الشارع ولا ينقاد اليه وان يحرك مسارات الشارع ومجساته ولا يتحرك وفق هذه المسارات وهو الذي يهذب انفعالات الشارع ويهدأ من ارهاصاته ويحول جموح الجماهير الى طموح مشروع ومقبول. 19- القائد الفذ هو الذي يمتلك مستوى رفيعاً من الحنكة بحيث يستطيع ببراعته المعهودة تنظيم المواقف الفوضوية بلحظات فهو قادر على التأثير في مرؤوسيه على نحو يجعلهم جميعاً يتسابقون في الإنجاز لإرضائه. 20- القائد المخلص لاتباعه وانصاره هو الذي يكون واضحاً وصريحاً معهم دون تضليل او تهويل للاحداث ولا يخادعهم او يغشهم ليضعهم امام الامر الواقع كما فعل طارق بن زياد واحرق السفن وخاطب جنده البحر من ورائكم والعدو امامكم وهو من اسوأ اساليب القائد الذي يفرض على جنده مستويات الامر الواقع ويضيق الخيارات ليجعلهم امام الخيار الواحد بلا قناعة او اختيار بينما الموقف الصريح والشجاع هو الذي قام به الامام الحسين في ليلة عاشوراء عندما جمع اصحابه واهل بيته وخاطبهم بقوله (ان الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً) كلام بمنتهى الصراحة والوضوح لاختبار نوايا اصحابه وفتح المجال للاعتذار او الانسحاب من المعركة دون ضغوط او شروط.
هذه الخصائص القيادية ينبغي ان يتحلى ويتسم بها القائد ويكون في مستوى المسؤولية التي هي فوق المحسوبات والقرابة والحزبية والمذهبية وهو عين ساهرة على الجميع لا تقوده انفعالاته الى الخوض في سجالات جزئية لا تشكل مثار جدل في الواقع.
|
|