تأخر تشكيل الحكومة. . هذه المقارنات دليل تدني وعيهم السياسي
|
نزار حيدر
مقارنات بعض السياسيين في بغداد بشأن تأخر تشكيل الحكومة تدعو للاسف العميق، وتنم عن تدني مستوى الوعي السياسي خاصة لدى بعض اعضاء مجلس النواب الجديد، والذي يدفعهم للبحث عن مقارنات غير صحيحة وغير دقيقة وغير موفقة لتبرير فشلهم في اداء مهامهم الدستورية وواجباتهم الوطنية ازاء الشعب العراقي. لو كان هؤلاء يشعرون بانهم ناجحون في اداء واجباتهم الوطنية والدستورية، وفي انجاز ما عليهم ازاء الشعب العراقي، لقارنوا انفسهم بالبريطانيين الذين لم يستغرقوا سوى اقل من ثمان واربعين ساعة مرت على اجراء الانتخابات التشريعية ليشكلوا الحكومة الائتلافية الجديدة، ولكنهم يشعرون بالفشل ولذلك يبحثون عن مقارنات في حالات استثنائية في هذه الدولة او تلك لتبرير فشلهم هذا والمتمثل تحديدا في تاخرهم بتشكيل الحكومة الجديدة والذي تجاوز اكثر من خمسة اشهر لحد الان من دون ان نرى اي نور في نهاية النفق، ومع ذلك فان مثل هذه المقارنات غير دقيقة وغير صحيحة بالمطلق، فدول مثل بلجيكا او ايطاليا عندما تاخر فيها تشكيل الحكومة الجديدة بعد احدى الانتخابات البرلمانية:
اولا: فان ظروف هذه الدول السياسية والامنية والسيادية لم تكن تشبه ظروف العراق الحالية ابدا، ولذلك لا يجوز المقارنة، فان مثل هذه الدول لم تكن ترزح تحت طائلة البند السابع من بنود مجلس الامن الدولي، كما انها لم تكن دول منقوصة السيادة ترزح تحت احتلال دولة اجنبية، كما هو الحال بالنسبة الى العراق اليوم، فضلا عن ان تلك الدول لم تشبه ظروفها الامنية ظروف العراق الحالية حيث تغيير المهام القتالية للقوات الاجنبية (الاميركية تحديدا) الى مهام المساعدة والتدريب، الى جانب سحب جل هذه القوات ليبقى منها (50) الفا فقط تتمركز في معسكراتها، ما يعني بان العراق يمر بمنعطف امني وسياسي خطير يتطلب منه ان يكون مستعدا بالكامل لتسلم مهام الملف الامني الذي يواجه تحديات الارهاب والعنف وتعدد الولاءات في المؤسسة العسكرية وغير ذلك، فكيف سيكون كذلك ولما تتشكل الحكومة الجديدة بعد؟.
كما ان الحالة الاقتصادية والخدمية والتعليمية والصحية وغير ذلك في مثل تلك الدول لم تكن متدهورة كما هو عليه الحال اليوم في العراق، والذي يرتبط فيه ملف اعادة البناء والاستثمار بالاستقرار السياسي والامني الذي يعرقله تاخر تشكيل الحكومة الجديدة، وهذا ما اشار اليه حتى بيان مجلس الامني الدولي الاخير الذي صدر مطلع الشهر الماضي، والخاص بالحالة في العراق. ان في مثل تلك الدول، مورد المقارنة، انظمة سياسية مستقرة، وديمقراطيات عريقة، لايهددها الارهاب ولا تهددها دول الجوار التي تحكمها انظمة وراثية وعسكرية استبدادية وبوليسية شمولية، وليس هناك من يتربص بها الدوائر للانقضاض على تجربتها لحظة تحين فيها الفرصة، كما هو الحال في العراق الذي تتربص بتجربته السياسية الجديدة قوى عديدة داخلية، تتمثل بايتام النظام البائد ومجموعات الارهاب، وخارجية تتمثل بعدد كبير من دول الجوار والمحيط، فضلا عن الاعلام الطائفي الذي يعبئ ضدها ليل نهار.
ثانيا: فضلا عن ان الخلاف والتاخر، في بلجيكا مثلا، لم يكن بشان من سيخلف رئيس الوزراء المنتهية ولايته الدستورية، او من الذي فاز في الانتخابات ومن الذي لم يفز، ابدا، فالملك بادر الى تسمية رئيس الوزراء الجديد فورا، كما ان رئيس الحكومة المنتهية ولايتها اعلن عن نهاية سلطته الدستورية فور الاعلان عن نتائج الانتخابات، والذي ثار الخلاف بشانه هو تشكيلة الحكومة فحسب، اما في العراق فلا زال الخلاف يدور على تسمية الفائز في الانتخابات النيابية الاخيرة، فيما لا يزال رئيس الوزراء المنتهية ولايته يصر على التجديد لولاية ثانية، كما ان رئيس الجمهورية، والذي لم يتم انتخابه في البرلمان الجديد لحد الان، لا يعرف لمن يوكل مهمة تشكيل الحكومة الجديدة لانه بالاساس لا يعرف من هو الذي يستحق التسمية ليشكل الحكومة، ففي العراق كل الفرقاء فائزون وكلهم يريدون ان يُعهد اليهم تشكيل الحكومة، وانهم جميعا يريدون ان يشتركوا في تشكيلها، فلم يشا احد في العراق ان يؤدي دور المعارضة تحت قبة البرلمان.
ثالثا: ان التاخر الذي شهدته مثل تلك البلدان شمل تشكيل الحكومة فقط، اما بقية مؤسسات الدولة فلم يصبها شيء ابدا، ففي بلجيكا مثلا لم يتعرض الملك لشيء كما ان البرلمان باشر عمله فور الاعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية، اما في العراق فان الدستور عطله السياسيون عندما جمدوا تسمية رئاسة مجلس النواب الجديد، كما انهم شلوا عمل المجلس نفسه، وهو اعلى سلطة تشريعية في البلاد عندما قرروا، وبالاجماع، ان تكون الجلسة الاولى مفتوحة الى اشعار آخر، فيما اضحى موقع رئيس الجمهورية شاغرا من الناحية الدستورية.
رابعا: الحقيقة الاخرى التي لا تدع مجالا للمقارنة بين حالة العراق ومثيلاته من الدول الاخرى التي تاخر فيها تشكيل الحكومة الجديدة، هو ان الخلافات التي تاخر بسببها تشكيل الحكومة الجديدة انحصرت في الفترة الزمنية الممتدة كحد اقصى بين لحظة اعلان نتائج الانتخابات والى ما قبل نهاية السقف الزمني الذي يحدده الدستور لتشكيل الحكومة الجديدة، اما في العراق فان الخلافات التي اخرت تشكيل الحكومة الجديدة استمرت متجاوزة السقف الزمني الذي حدده الدستور العراقي لتشكيل الحكومة الجديدة.خذ مثلا على ذلك، فعندما ثار الخلاف بشان اسم الفائز في الانتخابات الرئاسية الاميركية في العام 2004 بين المرشحين الجمهوري جورج بوش والديمقراطي آل كور، فان هذا الخلاف استمر في الفترة المحصورة بين اجراء الانتخابات والى ما قبل تاريخ الاستحقاق الدستوري، وهو العشرين من كانون الثاني من السنة اللاحقة، يوم اداء الرئيس الجديد للقسم الدستوري ودخوله البيت الابيض، ولذلك فان الخلاف لم يؤثر على الاستحقاقات الدستورية ابدا، اما في العراق فان الدستور الان ركل على الرف فلم يعد احد يتحدث عن استحقاقاته وتوقيتاته ابدا.
خامسا: وفق كل هذا وذاك، فان مثل هذا الخلاف يحدث مرة كل قرن ربما في بلد من تلك البلدان، والتي تتمتع بالاستقرار والتنمية في ابهى صورها، وبحالة دستورية قل مثيلها، اما في العراق فان طريقة تعامل السياسيين والكتل البرلمانية مع الموضوع ينبئ عن امكانية تكرار مثل هذا التاخر والتلكؤ كل اربعة اعوام وتلك هي المصيبة، فلقد راينا كيف ان الازمة ثارت قبل اربع سنوات لتتكرر اليوم، وستتكرر بعد اربع سنوات اذا ما ظلت العقلية نفسها لم تتغير، ولكل ذلك اعتقد ان على كل السياسيين ان لا يتعبوا انفسهم في البحث عن مقارنات في دول العالم لتبرير فشلهم، فالفشل في هذه الحالة عراقي بامتياز.
ان نواب الشعب يتحملون اليوم مسؤولية تاريخية ووطنية كبرى، فالتجربة بين ايديهم، والديمقراطية في ملعبهم، فاذا اخفقوا في التوصل الى توافقات مرضية تفضي الى تشكيل الحكومة باسرع وقت ممكن، فانهم سيتحملون مسؤولية ضياع التجربة كاملة، وليتذكروا بانهم بهذه الطريقة حولوا العراق الى فرجة. كما ان عليهم ان يتذكروا بان من ورائهم شعب يتضور الما من انعدام الخدمات وعلى مختلف الاصعدة، فالى متى يبقى العراقي يعاني من انعدم الكهرباء والماء الصالح للشرب واستفحال ظواهر الفساد المالي والاداري في مرافق الدولة، وانتشار ظواهر مثل البطالة والفقر والغلاء وضعف الخدمات الصحية وسوء قطاع التعليم، وغير ذلك؟. ان عليهم ان يتذكروا بان العراقيين اذا سكتوا زمنا فلن يسكتوا دهرا، فسيبادر هذا الشعب يوما لعقابهم، وحينها {ولات حين مندم} فليتقوا الله بالعراقيين.
|
|