الطريق إلى الجنة
|
*يونس الموسوي
عندما يتعلق الأمر بالدنيا وخاصة بالمال فإن سرعة خطواتنا تجاه ذلك العمل ستكون سريعة، كلما كانت الدولارات أكثر كلما كانت الخطوات أسرع، أما اذا تعلق الأمر بالآخرة والدين، فأن خطواتنا ستكون أبطأ، هذا إذا كانت هناك خطوات بالفعل! بينما لدينا دعوة من الله عزوجل وهو يدعونا إلى الاسراع في هذا الطريق وعدم الابطاء عن طريق الجنة فيقول العزيز الكريم: "وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ" (آل عمران،133).
ولكن مشكلة الإنسان إنه دائم النسيان، فهو على سبيل المثال يقرر الآن على أن ينطلق 100 كيلومتر في الساعة في طريق الجنة، ولكنه بعد مدة وجيزة ينسى ما عاهد نفسه عليها، ويتجه 1000 كيلومتر نحو جهنم دونما شعور منه، ولأجل حل هذا الإشكال ولو بشكل مؤقت على المرء أن ينتبه من صحوته ويقرر شيئاً مع نفسه، أن يباشر في ذلك الوقت بأداء ما قرر فعله، ولا يؤجله ليوم غد أو ما بعد غد، لأنه بلاشك سينسى، والنسيان هو سلاح سري يستخدمه الشيطان كأسلوب ضد من عجز عن تغيير فكرهم، لكنه يستطيع أن يمنعهم عنه بفرض غمامة من النسيان على عقولهم.
ولقد وصف الإمام علي عليه السلام وضعنا هذا بأحسن وصف وقال: (ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها ولا كالنار نام هاربها)، وهذه من أعظم الحِكم وهي تعدل كلام الناس جميعا، فهي تبين بهذا الوصف الجميل والبيان الخلاب حقيقة غفلة الإنسان عن العمل للجنة التي يطلبها والهرب من النار التي يفر منها.
فكل الناس يطلبون الجنة ويهربون من النار، لكن المصيبة هي في الغفلة عن هذا الطلب، وقليل من الناس هم الذين يسارعون في هذا الطريق وينتبهون إلى حالهم وما يتوجب عليهم فعله في هذه الحياة الغدارة. ولقد صدق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عندما وصف الدنيا بالحية لين مسها وقاتل سمها، فأنت كلما اقتربت إلى الدنيا جذبتك إليها وكلما اقتربت منها ابتعدت عن الآخرة، وكلما إلتصقت بها كلما انفككت عن الآخرة، ولانعني بهذا الكلام بأن ينزوي الإنسان عن الحياة ويبتعد عن الدنيا ولكن أن يحافظ على توازنه وعلى مسافته بين الدنيا والآخرة، فلا تأخذه الدنيا وتجره إلى معتقلها، ولا هو يبتعد عنها إلى الدرجة التي يظهر وكأنه غير موجود في عالم الدنيا.
ويمكن تصنيف الناس إلى صنفين، ويجب أن نقارن أحوالنا بهذين الصنفين حتى نعرف من أيهما نحن: الصنف الأول: السبّاقون، وأما الصنف الثاني: المفرطون، فأما السباقون فغايتهم الجنة وأما المفرطون فغايتهم النار.. وقطعاً فان الانسان لن يسعى الى نار تشتعل امامه ليدخل فيها، لكن اعماله هي التي تسبب له دخول نار جهنم في الآخرة، لذا ما عليه إلا أن يضع برنامجاً يتحول فيه من مسار المفرطين إلى مسار السباقين، وأن يفرض على نفسخ ويلزمها بذلك البرنامج الذي سيغير نمط حياته، ولاتتوقع أن يكون هذا الأمر يسيراً في البداية، لكنه يمكن تحقيقه مع قليل من الإرادة حتى ستجد أنك اعتدت على القيام بالكثير من الأعمال المستحبة من الصلوات والأدعية والزيارات أو أعمال الخير الاخرى حتى تعتاد عليها وتصبح جزءاً من حياتك ومن شخصيتك ولاتقدر حتى التفريط بها.
أتدري ماذا أعدّ الله لك من الثواب والجزاء؟ تعالوا لنسمع ما يقوله تعالى: (أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذنٌ سمعت ولاخطر على قلب بشر) هذا ما جاء في حديث قدسي على لسان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، فكم يستحق هذا الذي ذكره الرب العزيز أن نبذل لأجله من المال والنفس والولد، يقول الإمام علي عليه السلام إن دخول الجنة رخيص ودخول النار غال أتعرفون ما هو ثمن الجنة؟ ثمن الجنة ثلاث: (ثلاث من لقى الله عزوجل بهنّ دخل الجنة من أي باب شاء: من حسن خلقه، وخشي الله في المغيب والمحضر، وترك المراء وإن كان محقاً). وبالطبع تدخل في هذه الثلاث أحكام وقواعد كثيرة ينبغي الالتزام بها، وهذه الثلاث هي ضمان للجنة مع الالتزام الكامل بالواجبات والانتهاء عن المحرمات.
|
|