قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

لايدفعنا الفشل للإستسلام لتعب الروح
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *عادل عبد الله
عندما يتعب الجسم فالعلاج هو بالراحة، ولكن ما هو علاج الروح عندما تتعب ؟
لقد ثبت ان التعب النفسي يحطم الانسان اكثر من التعب الجسمي، ومعالجته لا تكون بالراحة والسكون قطعاً. ان التعب النفسي هو أحد المعوقات الرئيسة لنمو الانسان في شخصيته الداخلية، وعلاقاته الاجتماعية. ولذلك كان لا بد من تسليط الضوء عليه ببعض التفصيل، فليس هناك ما يوهن العزيمة اكثر من القصور عن النجاح والتخلف حيال جدار يسد الطريق ويحول دون التقدم فينتهي الامر بالدوران في حلقة مفرغة، فالفشل يولّد التعب، والتعب يبعث على استصعاب العمل، واستصعاب العمل يفضي الى الاخفاق والهزيمة النفسية.
ويعاني المرء وطأة التعب في مجالين رئيسين: تعب البداية، وتعب الاداء:
ففي المجال الأول؛ يستمر المرء في تأجيل الشروع في عمل هو ملزم على نحو ما بانجازه، وذلك اما بسبب طبيعة العمل المُملّة، او بسبب صعوبته، فيميل الى التهرب منه، وكلما طالت مدة التأجيل كلما تزايد شعور المرء بالتعب.
وتعب البداية تعب حقيقي حقاً، وان لم يكن في الواقع تعباً بدنياً ينتاب العضلات ويرهق العظام. ولهذا النوع من التعب علاج جَليّ و واضح، على الرغم انه غير سهل التطبيق، ويتطلب شحذ الارادة وتقوية العزيمة.
أما في المجال الثاني: فهو امر تتطلب معالجته مزيدا من الصعوبة بحيث ان المرء في هذه الحال، لا يتقاعس عن الشروع في العمل، وانما يبدو قاصرا عن انجاز المهمة التي يقوم بها، لاسباب لا يمكنه التغلب عليها مهما بذل من الجهد، فينتابه الفشل تلو الفشل وتتراكم صدماته عليه ويتفاقم لديه من جراء ذلك عبء الشعور بالاجهاد العقلي.
فاذا كان التعب هو من نوع تعب البداية، فان هنالك أحد حلّين:
اما ان تبدأ من الاسهل فالاصعب، وذلك هو طريقة اغلب الناس الذين يبحثون عما يريحهم. وقد لا يكون ذلك طريق النجاح ، حيث يبقى العمل كما هو مصدر ازعاج وعامل إثارة للاعصاب. واما إن بدأت بالاصعب، ستنحل المشكلة. وهذا ما يوصي به رئيس تحرير دائرة المعارف البريطانية (مورتيمر آدلر) من خلال تجربته الشخصية ويقول:
عندما اشعر بانني أتأبّى القيام فورا بعمل معين واحاول ان اتنصل منه فأدسه تحت كومة من الملفات الاخرى التي يتعين علي اداؤها، فسرعان ما ابادر الى اخلاء مكتبي من كل الملفات ما عدا ملف هذه المهمة بالذات، فاتصدى لانجازها قبل سواها على الاطلاق.
واذا شئت ان تتجنب (تعب البداية) فعليك دائما بالتصدي أولاً، لاصعب المهمات.
ويقول الرجل أيضاً: (منذ سنوات، حينما كنت أعد لنشر سلسلة (الروائع في عالم الغرب)، شرعت في كتابة مائة ومقالين يتناول كل منها الفكرة الكبرى التي ناقشها كل من مؤلفي تلك الكتب. وقد استغرقت مني كتابة هذه المقالات التي كنت اعنى بها الى جانب اعمالي الاخرى، عامين ونصف العام، طوال سبعة ايام في الاسبوع. ولو كنت سمحت لنفسي بان اتصدى أولاً للافكار التي بدت لي سهلة بالنسبة الى غيرها، لما انتهيت مطلقاً من ذلك العمل، ولكنني التزمت بالقاعدة التي وضعتها لنفسي فصممت على ان اكتب المقالات بالترتيب الابجدي الصارم من دون ان اتخطى اي فكرة صعبة. وكنت ابدأ يومي دائما بالعمل الصعب الذي تمثله كتابة المقالات وفي النهاية اثبتت الخبرة، مرة اخرى، ان هذه القاعدة مثمرة تماما).
اما عن تعب الاداء فان الذي يجب القيام به هو ضرورة بذل اقصى ما هو مستطاع من الجهد، ثم ترك الامر في عهدة العقل الباطن.
وهذا ايضا ما يوصي به الرجل السابق نفسه، ويقول في ذلك: (عندما كنت اخطط للطبعة الخامسة عشرة من (دائرة المعارف البريطانية) كان علي ان اضع قائمة محتويات موضوعية لمقالات الموسوعة وفقا للترتيب الابجدي، وبما انه لم يسبق لهذا العمل مثيل، ظللت اتطلع الى الحلول يوما بعد يوم، ولكنها كانت تقصر كلها دون الهدف المنشود، فتراكم علي التعب الذهني حتى كاد ان يغلبني. وذات يوم، وقد انهك عقلي دونت على الورق امامي جميع الاسباب التي حالت دون حل هذه المشكلة، واخذت اقنع نفسي بان مايبدو غير قابل للحل هو (بالفعل) غير قابل للحل، وان مصدر الحرج كامن في المشكلة نفسها وليس فيّ أنا. وبعد ان انتهيت من ذلك الى مقدار من الاحساس بالارتياح اتخذت مقعدا مريحا واسغرقت في النوم. وبعد ساعة تقريبا، استيقظت فجأة لاجد الحل واضحا في ذهني، وفي الاسابيع التي اعقبت ذلك كانت كل خطوة في تقدم العمل تحمل الي دليلا جديدا على صواب الحل الذي استنبطه عقلي الباطني. وعلى الرغم من ان مشقة هذا العمل لم تقل عن ذي قبل – ان لم تكن قد زادت – الا ان هذا العناء لم يصاحبه اي احساس بالسأم او الارهاق وغدا النجاح الآن حافزا لي ومشجعا، بمقدار ما كان الفشل باعثا على التخاذل والوهن. واحسست بتلك البهجة الناشئة عما يطلق عليه علماء النفس اسم (التدفق)).
وعلى كل حال، فان اهم خطوة يجب اتخاذها لمعالجة التعب النفسي، هو ان نحاول اكتشاف هذا التعب، وهذا يتطلب ان نتخذ من التعب الذي يتعذر تعليله ولا يعود امره الى سبب بدني، نذيرا يحملنا على رد هذا التعب الى مصدره الحقيقي، فنجدّ في البحث عن الهزيمة التي نحاول سترها ولا نبغي الاعتراف بها. وعلينا بعد ذلك ان نشخص سبب هذا الفشل، وقد نجد في بعض الحالات النادرة ان المهمة في حقيقة الامر صعبة التحقيق وانها تتجاوز طاقتنا. فاذا كانت الامور كذلك فما علينا إلا ان نسلم بحقيقة الوضع ونعتذر عن المضي فيه. وقد تكون العقبة كامنة في عجزنا عن مواجهة المشكلة، وهنا يكون الحل في معظم الحالات توجيه اهتمامنا بصبر ومثابرة الى العمل المطروح ومعالجته بكل ما نملك من مهارة وعزم مع الاعتماد على الهام عقلنا الباطن.
واذا ما ساورتك المشاكل المستعصية، توقف بعض الوقت عن التفكير فيها، وافسح المجال لعقلك الباطني كي يعينك على حلها، فانه لن يخذلك في تسع حالات من عشر ويوحي اليك بايجاد الحل.
واما الخطأ الاكبر فهو ان نعتبر التعب العقلي وكأنه تعب بدني ففي حال التعب البدني، نستطيع ان نبرأ منه بأن نتيح لأجسامنا فرصة الراحة لكن التعب العقلي الناتج عن الفشل لا يمكن التخلص منه بالاستسلام له واللجوء الى الراحة لان ذلك يزيد المشكلة تعقيدا. وأياً تكن العقبة النوعية التي تعترض الطريق، فلا بد من ازالتها وبسرعة قبل ان يكتسحنا تعب الفشل.
ان قوة الروح تكمن في احيان كثيرة في القدرة على التفوق على التعب، كما تكمن في التغلب على اليأس والغرور وكل السلبيات النفسية.